حين تنام عيناك ويظل دماغك مستيقظًا… كيف يعبث الكافيين بخارطة النوم دون أن تشعر
قد يوحي الإحساس بالنعاس بأن العقل استسلم أخيرًا لراحته الليلية، لكن الأبحاث الحديثة تكشف صورة مغايرة تمامًا، إذ لا يتوقف تأثير الكافيين عند آخر فنجان في النهار، بل يمتد خفيًا إلى داخل النوم نفسه، ليعيد تشكيل عمل الدماغ في ساعات يفترض أنها مخصصة للتعافي العميق. فالكافيين، الذي يُنظر إليه عادة كمنبه عابر، يتدخل في البنية الدقيقة للنوم، ويغير إيقاعه ومراحله حتى وإن بدا النوم ظاهريًا طبيعيًا. ويعتمد الجسم في انتقاله من اليقظة إلى النوم على مادة كيميائية تُعرف بالأدينوزين، تتراكم تدريجيًا طوال اليوم لترسل إشارات التعب إلى الدماغ، غير أن الكافيين يعطل هذه الآلية الحيوية عبر احتلال مستقبلات الأدينوزين ومنعها من أداء دورها، ما لا يؤدي فقط إلى تأخير الإحساس بالنعاس، بل يربك تنظيم النوم من أساسه. وتشير دراسات علم الأعصاب إلى أن هذا التعطيل ينعكس على شكل زيادة الاستيقاظات القصيرة غير الملحوظة، وتقليص الوقت الفعلي للنوم، وإضعاف الدخول السلس في مراحله الطبيعية. وعند التعمق في طبقات النوم، يتضح حجم الأثر بشكل أوضح، فالنوم لا يُعد حالة واحدة، بل سلسلة من المراحل تبدأ بالخَفيف ثم العميق، وتنتهي بنوم حركة العين السريعة المسؤول عن تثبيت الذاكرة وتنظيم الانفعالات. الكافيين يقلل من زمن النوم العميق، ويرفع نسبة النوم السطحي، ويؤخر مرحلة حركة العين السريعة، ما يعني أن الدماغ لا يحصل على كامل حصته من الترميم الليلي. الأخطر من ذلك أن النوم العميق يرتبط بنشاط النظام الغليمفاوي، وهو منظومة تنظيف داخلية تعمل أثناء النوم على التخلص من السموم وبقايا الأيض العصبي، بما فيها بروتينات مرتبطة بأمراض تنكسية مثل ألزهايمر. أي خلل في هذا النوع من النوم يضعف قدرة الدماغ على تنظيف نفسه، وهو تأثير صامت لا يُلاحظ يوميًا لكنه قد يحمل تبعات بعيدة المدى. وحتى محاولة تعويض السهر بالنوم في الليالي اللاحقة لا تبدو كافية لدى من يستهلكون الكافيين بانتظام، إذ تظهر الأبحاث أن نوم التعافي لديهم أقصر وأكثر تقطعًا مقارنة بغيرهم، وكأن الدماغ يفقد تدريجيًا قدرته على العودة إلى توازنه الطبيعي. ولا يتساوى الجميع في الاستجابة للكافيين، فالعوامل الوراثية والعمر ونمط الاستهلاك اليومي تلعب دورًا مهمًا، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى أن الجرعات المرتفعة، حتى لو شُربت في الصباح، قادرة على إضعاف جودة النوم، فيما تبقى الجرعات الأقل أقل ضررًا لكنها لا تخلو من التأثير. وفي السياق الإقليمي، تعكس دراسات حديثة في السعودية صورة مقلقة، حيث ارتبط الانتشار الواسع لاستهلاك القهوة ومشروبات الطاقة بين طلاب الجامعات بنوم أقصر وأكثر اضطرابًا، مع ضعف الوعي الحقيقي بعلاقة الكافيين بالأرق، ما يحول الأمر إلى تحدٍ صحي صامت يتغذى على ضغوط الحياة اليومية دون إدراك واضح لعواقبه.