وما صدر عن أحد المرشحين الأمريكيين -المعروف بخطابه العدائي وتاريخه الإجرامي- من إساءة للقرآن، يأتي في إطار سياسة استفزازية تعتمد على تأجيج الكراهية الدينية واستثمارها انتخابيًّا، في مشهد يكشف إفلاسًا أخلاقيًّا وانحدارًا خطيرًا في الخطاب السياسي.

إن القرآن الكريم ليس مُجَـرّد كتاب ديني خاص بالمسلمين، بل هو كتاب هداية وقيم إنسانية سامية، دعا إلى العدل والرحمة، وحارب الظلم والطغيان، وكرّم الإنسان بغض النظر عن لونه أَو عرقه.

والإساءة إليه لا تُعد اعتداء على عقيدة دينية فحسب، بل طعنًا في مبادئ التعايش التي يدّعي دعاة الحرية في الغرب الدفاع عنها، في الوقت الذي تتجلى فيه ازدواجية المعايير بأوضح صورها؛ حَيثُ تُشرعن الإساءة لمقدسات المسلمين تحت لافتة “حرية التعبير”، بينما تُجرّم أي إساءة تطال رموزًا أَو معتقدات أُخرى.

إن تحويل الإساءة للقرآن الكريم وللنبي العظيم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أدَاة في الصراع السياسي يمثل خطرًا حقيقيًّا على السلم المجتمعي، ويغذي خطاب الكراهية والعنصرية، ويتناقض تمامًا مع المواثيق الدولية التي ترفض التحريض الديني.

وفي هذا السياق، تقع المسؤولية التاريخية والأخلاقية على عاتق علماء الأُمَّــة الإسلامية، الذين يُنتظر منهم موقف موحد وجاد يرتقي إلى حجم الإساءة؛ فالصمت أَو الاكتفاء بردود خجولة لم يعد مقبولًا، بل يُفهم على أنه تفريط بحق المقدسات.

إن المطلوب اليوم هو تحَرّك علمائي واعٍ ومنظم، يخاطب العالم بلغة الحكمة والقانون.

كما نوجّه رسالة واضحة إلى القادة والحكومات العربية والإسلامية، بأن كرامة القرآن والنبي الكريم هي جزء لا يتجزأ من كرامة شعوبهم، وأن التغاضي عن هذه الإساءَات يشجع على تكرارها ويمنح المسيئين شعورًا بالإفلات من المحاسبة.

إن الواجب يقتضي مواقف دبلوماسية صريحة، وتحَرّكات رسمية مسؤولة، واستخدام الأدوات السياسية والقانونية المتاحة، فضلًا عن المقاطعة الاقتصادية لصون مشاعر المسلمين في كُـلّ مكان.

إن النبي محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، يظل أسمى من أن تنال منه إساءة حاقد، فمكانته راسخة في قلوب المؤمنين وسيرته شاهدة على عظمة إنسانيته.

غير أن الدفاع عنه وعن كتاب الله العزيز واجب أخلاقي وديني يُمارس بوعي وحكمة، بما يعكس الصورة الحقيقية للإسلام كدين كرامة وعدل وسلام.

إن الأُمَّــة اليوم، بعلمائها وقادتها وشعوبها، مطالبة بأن تقول كلمتها بوضوح للعالم: إن مقدسات المسلمين ليست ساحة للاستفزاز السياسي ولا مادة للابتزاز الإعلامي، وإن الصبر لا يعني القبول بالإهانة، وإن احترام القرآن والنبي العظيم هو الاختبار الحقيقي لصدق الشعارات التي ترفع باسم الحرية وحقوق الإنسان.