عناد بني إسرائيل وقتلهم الأنبياء ومكرهم عبر التاريخ
بشير ربيع الصانع
كاتب يمني
تاريخ بني إسرائيل مليء بالعجائب من عناد ومكر، حتى مع أنبياء الله الذين أرسلوا لإنقاذهم من الضلال. فمنذ اللحظة الأولى لنجاتهم من فرعون رأينا قلوبهم المريضة تتعلق بالعجل الذهبي الذي صنعوه بأيديهم، وكأنهم نسوا المعجزات العظيمة التي شاهدوها.
وقد توعدهم الله بالعقاب على ذلك فقال:
{إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ}، فكان ذلك أول مظهر لانحرافهم المبكر بعد نعمة الخلاص.
ولم يقف الأمر عند عبادة العجل، بل بلغ بهم العناد أن قالوا:
{يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}، فأخذتهم الصاعقة بذنوبهم، ثم بعثهم الله من بعد موتهم لعلهم يشكرون، لكن قلوبهم بقيت قاسية لا تلين.
ولما أُمروا بذبح بقرة ليكشف الله لهم جريمة قتل غامضة.
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}، قابلوا الأمر بتسويف واعتراض وجدل لا ينتهي، فقالوا: {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ}، {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا}، {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا}، حتى كادوا ألا يفعلوا، وكان في ذلك نموذج واضح لعقليتهم الجدلية المراوغة، التي لا تسلّم لأمر الله إلا بعد عناد طويل.
حتى التوراة التي أُنزلت عليهم، لم يكتفوا بالإعراض عنها، بل تعمدوا تحريفها وكتمان الحق منها، ثم زعموا أنهم على الهدى، فقال الله عنهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْـحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}، وقال:{وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ}.
ومن أعظم جرائمهم أنهم قتلوا أنبياء الله بغير حق، كما قال تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْـحَقِّ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}، لقد امتلأ تاريخهم بدماء أنبياء أبرياء، كزكريا ويحيى وغيرهم، وكل ذلك بدافع الحسد والكبر.
ومع موسى عليه السلام كان لهم من المواقف ما يكشف طبعهم المتأصل في العناد؛ إذ قالوا له لما أنزل الله المنّ والسلوى:
{لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا}، فكأنهم لم يشكروا النعمة، بل استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
كما رفضوا دخول الأرض المقدسة حين أمرهم موسى بذلك، وقالوا: {اذْهَبْ أنت وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}، فكان هذا الموقف قمة التمرد على أمر الله ونبيه، وفضح طبيعتهم الجبانة الماكرة التي لا تقبل التضحية ولا الجهاد في سبيل الله.
وإذا تأملنا صفاتهم التي ذكرها الله نجدها تجتمع في ثلاث كلمات: الغدر، العناد، والخبث. فهم ينقضون العهود كلما عاهدوا، ولا يقيمون وزنًا للقيم أَو المواثيق. حتى لما رفع الله فوقهم جبل الطور وأخذ عليهم الميثاق، ما التزموا إلا خوفًا، ثم عادوا سريعًا إلى عصيانهم بعد زوال الخوف.
وقد وصفهم الله بقسوة القلوب فقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْـحِجَارَةِ أَو أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْـحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}، إن قلوبهم لا تعرف للخشية طريقًا. ومثلهم كمثل الذين استهوته الشياطين في الأرض حيران لا يهتدي إلى سبيل، فهم يعيشون في ضلال مبين، يقودون غيرهم إليه بمكر ودهاء.
إن كُـلّ هذه الصفات: من تحريفهم للكلم، وقتلهم الأنبياء، وتمردهم على أوامر الله، وجرأتهم على مقام الله، ونقضهم المواثيق، ليست حوادث متفرقة، بل هي حقيقة راسخة في تاريخهم. ولهذا قال الله: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أين مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْـمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}
وهكذا نفهم أن مشروعهم الصهيوني الحديث ليس طارئًا ولا مفاجئًا، بل هو الامتداد الطبيعي لذلك التاريخ الأسود من العناد والخبث والإفساد والجرائم. فما يفعله اليهود اليوم في فلسطين وفي العالم ما هو إلا تكرار لما فعلوه مع أنبياء الله من قبل: قتل، غدر، وخيانة، لكن الله يمهلهم ليكشف حقيقتهم، ولن يترك لهم المجال ليفسدوا إلى الأبد.
إن ما نراه اليوم من المشروع الصهيوني الحديث ليس إلا استمرارا لذلك التاريخ المظلم. فالصهاينة الذين يحتلون فلسطين ويقتلون الأبرياء ويشردون الشعوب، هم الامتداد الحقيقي لأُولئك الذين عبدوا العجل، وقالوا: “لن نصبر على طعام واحد”، ورفضوا دخول الأرض المقدسة، وقتلوا أنبياء الله بغير حق.
فما يقوم به الصهاينة اليوم من مجازر واستعلاء وكذب وتحريف، ما هو إلا صورة جديدة من صور ذلك العناد القديم الذي سجله القرآن الكريم، ليكون شاهدًا على طبيعتهم التي لم ولن تتغير. ولهذا فإن مقاومتهم اليوم ليست مُجَـرّد صراع سياسي أَو نزاع حدود، بل هي جزء من سنة الله في كشف فسادهم، وتحطيم طغيانهم، حتى لا تكون لهم السيادة المطلقة التي يسعون إليها.
قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْـحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.
صدق الله العظيم.