صاروخ صنعاء، وارتباك “تل أبيب”: سقوط وهم «القبب الحديدية»
تقرير
لم يكن مساء الجمعة عابراً في ذاكرة الكيان الإسرائيلي. صوتٌ قادم من الجنوب البعيد، من جبال صنعاء، اخترق السماء بسرعة تفوق الصوت، فتشظّى في الفضاء، وتحوّل إلى رؤوس عنقودية أربكت الحسابات، وأذلت المنظومات التي أنفق عليها العدو الإسرائيلي مليارات الدولارات.
خمس منظومات اعتراض، من “ثاد” إلى “حيتس” و”مقلاع داوود” وصولاً إلى “القبة الحديدية”، أطلقت صواريخها في محاولة يائسة، لكنها وقفت عاجزة أمام عقل يمني أدار المعادلة بذكاء هندسي جديد.
فرط صوتي، “عنقودي”، “انشطاري” تسميات عسكرية باهتة أمام الحقيقة: الكيان الإسرائيلي رأى صورته في مرآة الهزيمة من جديد.
في تلك الليلة، دوّت صافرات الإنذار في “تل أبيب” ويافا وعسقلان، وأكثر من 200 مغتصبة، هرع المستوطنون الصهاينة إلى الملاجئ، بينما تساقطت شظايا “فلسطين 2” قرب مطار اللد “بن غوريون”. المنظومات الدفاعية كلها صارت صدىً باهتاً لصوت صاروخ يمني تحدّى القوانين وخرق الحواجز. انشطر إلى رؤوس متعددة، كأنما يستنسخ الغضب في أجساد جديدة، ويعلن: لا قبّة فوقكم تعصمكم من إرادة الشعوب.
في بيان عسكري، أكد المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع أن العملية نفذت بصاروخ “فلسطين2” الفرط صوتي. هذا الصاروخ لم يكن مجرد مقذوف باليستي، بل رسالة استراتيجية: أنظمة الدفاع الإسرائيلية لم تعد عصيّة على الكسر. الردع اليمني بات يمتلك أدوات تتجاوز ما تعلّمته “إسرائيل” عن خصومها التقليديين.
وأظهرت مقاطع مصورة انقسام الصاروخ في الأجواء، وفشل عدة صواريخ اعتراضية أطلقها العدو الإسرائيلي. كما أظهرت المقاطع إصابة مباشرة حققها الهجوم الصاروخي في “تل أبيب”.
قبل ذلك كانت سماء منطقة “غلاف غزة” على موعد مع عملية يمنية بالطائرات المسيرة. اخترقت أجواء عسقلان ويافا المحتلة، فأصابت أهدافها بنجاح. وحينها أعلن العدو إطلاق صواريخ اعتراضية عدة لمحاولة إسقاط الطائرة اليمنية. وأنه جرى تحليق مكثّف للطيران الحربي والمروحي بالتزامن مع محاولات اعتراض الطائرة دون جدوى من اعتراضها. تراكم العمليات خلال ليلة واحدة، منها ما هو بالصواريخ، ومنها ما هو بالطائرات، وكل محاولات الاعتراض تفشل. كشف خللاً عميقاً في العقيدة الدفاعية للكيان.
“إسرائيل” مرتبكة بين دهاليز مراكز القيادة في “تل أبيب”. اجتمعت لجان التحقيق تبحث في سرّ “الفشل المريع”. هل كان الصاروخ انشطارياً؟ هل كان عنقودياً؟ هل تفتت إلى عشرة رؤوس؟ كل الاحتمالات مفتوحة، لكن اليقين واحد: صنعاء باتت قادرة على كسر جدار الوهم. جنرالات العدو يعترفون: “اليمنيون يملكون القدرة على إنتاج صواريخهم”، والسؤال المرّ يطاردهم: إذا كانت أولى الضربات هكذا، فكيف ستكون القادمة؟
هكذا بدا المشهد في اليوم التالي للعملية. مشبعاً بالهواجس: “يديعوت أحرونوت” تعترف: “الجيش” يحقق في سبب فشل الاعتراض. إذاعة جيش العدو تقر: الصاروخ قد يكون انشطارياً، يتفكك في الجو إلى عدة رؤوس. “آي 24 نيوز” تكشف: الذخائر العنقودية تشكّل تحدياً غير مسبوق أمام المنظومات الدفاعية. القناة 12 الصهيونية تؤكد: الشرطة تعاملت مع عدة مواقع تحتوي على شظايا صاروخية في نطاق منطقة “تل أبيب”. شظايا الصواريخ تساقطت في فناء منزل في إحدى البلدات بمنطقة “موديعين”، عملية فحص أجزاء من الصاروخ اليمني مستمرة والاشتباه بأنه كان يحتوي على 3 رؤوس حربية.
في قلب “تل أبيب”، كان الخوف سيد الموقف، حيث سقطت الشظايا قرب مطار “بن غوريون”، وتعطلت الحركة الجوية، فيما هرع ملايين المغتصبين إلى الملاجئ. الكيان الإسرائيلي لم يواجه مجرد صاروخ، بل مواجهة مع هندسة عسكرية مبتكرة غيّرت معادلة الصراع.
ومن دهاليز القيادة في “تل أبيب” يأتي الاعتراف بالفشل أمام الصاروخ اليمني، حيث أظهر تحقيق أولي -أجراه “جيش” العدو- أن الصاروخ -الذي أطلق من اليمن يوم الجمعة الماضي باتجاه ماطر اللد- كان مزودًا برأس حربي انشطاري. حيث قالت إذاعة “كان” العبرية، إن هذه أول مرة يستخدم فيها “الحوثيون” هذا النوع من الصواريخ ضد أهداف إسرائيلية.
موقع واللا الصهيوني أكد المؤكد، ونقل عن مصادر في سلاح جو العدو: “يُشتبه بأن اليمنيين استخدموا لأول مرة رأسًا حربيًا قتاليًا يستطيع الانقسام إلى ثلاثة رؤوس مختلفة قبل الاصطدام بالأرض. وبعد عمليات التمشيط وتحليل مسار تحليق الصاروخ الباليستي يُشتبه بأن اليمنيين استخدموا لأول مرة صاروخًا انشطاريًا جديدًا، الأمر الذي يزيد من صعوبة اعتراضه”.
المصادر في سلاح جو العدو أكدت لموقع “واللا” أن المنظومة الأمنية تؤكد امتلاك اليمنيين قدرة محلية على تطوير وإنتاج الصواريخ، وأن التحقيقات ما زالت متواصلة، ويتم فحص النتائج من قبل الخبراء. مضيفة أن التقديرات تشير إلى أن الصاروخ اليمني كان مزودًا بعشر ذخائر صغيرة تحتوي على كمية من المواد المتفجرة، وأن سياسة الاعتراض التي اتُبعت في حادثة الصاروخ اليمني تخضع حاليًا للتحقيق”.
وأكد موقع واللا الصهيوني أنه -ووفقًا للتقديرات في “إسرائيل”- إذا أثبت التحقيق النهائي أن الصاروخ اليمني انشطاري بالفعل، فقد يستدعي ذلك إعادة النظر في سياسة الاعتراض.
في ذات السياق كشفت صحيفة “معاريف” العبرية أن “الجيش” الإسرائيلي لجأ إلى استخدام منظومة “القبة الحديدية” المخصصة لاعتراض المقذوفات قصيرة المدى، من أجل مواجهة الشظايا، حسب قولها، وهو ما يؤكد فشل المنظومات المخصصة لاعتراض الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى (السهم، وثاد، ومقلاع داوود).
يؤكد ذلك تقرير قناة “آي 24 نيوز” الصهيونية التي أكدت أن ”ثاد” و”حيتس” و”مقلاع داوود” و”القبة الحديدية” فشلت في اعتراض الصاروخ اليمني. مضيفة أن سقوط شظايا صاروخية على مقربة من مطار “بن غوريون” عقب فشل الدفاعات الجوية في اعتراض الصاروخ اليمني، جعل الجيش الصهيوني يواجه تحديات جديدة. وأكدت القناة الصهيونية أن “الذخائر العنقودية تشكل تحدياً أمام منظومات الاعتراض، لأنها تفرق متفجرات صغيرة على مساحة واسعة”.
القائد السابق في بحرية العدو الإسرائيلي اللواء “أليعازر ماروم” أكد لـ إذاعة إف إم 103 العبرية قائلا: “علينا أن نتذكر أن اليمنيين لديهم القدرة على إنتاج الصواريخ. أعتقد أن النتيجة النهائية يجب أن تكون بتحريك القوى الجنوبية في عدن ميدانيًا ضد صنعاء، ففي الوقت الحالي، لا تستطيع “الحكومة” في عدن التعامل مع صنعاء بمفردها، وجهودنا في هذا الاتجاه محدودة، وعلينا أن نبذل جهودًا مشتركة لضرب صنعاء، وفي الوقت نفسه مساعدة الجنوب”.
ويوم أمس الأحد، أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية أن 3 محاولات اعتراض للصاروخ الانشطاري اليمني باءت بالفشل. مشيرة إلى أن إطلاق اليمنيين صاروخًا انشطاريًا على “إسرائيل” كان مفاجئًا، حيث لم يسبق لهم استخدام هذا النوع من الصواريخ، ومن غير المؤكد إطلاقًا أن الهجوم “الإسرائيلي” سيكون كافيًا لوقف اليمنيين عن إطلاق الصواريخ على “إسرائيل”.
أما وكالة أسوشيتد برس الأمريكية فنقلت عن مسؤول في سلاح جو العدو الإسرائيلي القول إن الصاروخ اليمني الذي أُطلق يوم الجمعة يمثل تهديدًا جديدًا، فالصاروخ اليمني الجديد يحمل ذخيرة انشطارية مصممة لتنفجر إلى عدة متفجرات. مؤكدة أن استخدام الصواريخ الانشطارية يجعل عملية الاعتراض أكثر صعوبة، ويمثل تكنولوجيا إضافية لليمنيين.
صحيفة “جيروزاليم بوست” الصهيونية أكدت أن استخدام اليمنيين للصواريخ الباليستية الانشطارية ضد “إسرائيل” يمثل تطورا كبيرا ومثيرا للقلق.
وأوضحت الصحيفة في تقرير لها أن إطلاق الصواريخ الانشطارية عبر وسيلة باليستية يزيد بشكل ملحوظ من نطاق التهديد ويعقد عملية الاعتراض ويجعل المعالجة بعد الاصطدام أكثر صعوبة.
وأشارت إلى أن الصواريخ الانشطارية تجعل أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية مثل “حيتس” أو “مقلاع داود” أقل فاعلية لأنها ليست مهيأة لاعتراض القنابل المتناثرة.
ولفتت إلى أن التحقيق الذي أجراه “سلاح الجو” الإسرائيلي، الأحد، قد توصل إلى أن الصاروخ الباليستي الذي أطلقه “الحوثيون” ليل الجمعة كان يحتوي على قنابل عنقودية ، وهي المرة الأولى خلال الحرب التي يستخدمون فيها هذا النوع من الأسلحة.
وخلصت الصحيفة إلى أن فشل الدفاعات الجوية “الإسرائيلية” في اعتراض الصاروخ اليمني يثير تساؤلات حرجة حول محدودية شبكة الدفاع الجوي متعددة الطبقات.
ولأن العاجز لا يجيد سوى قتل الضعفاء، أرسلوا طائراتهم لتقصف -في صنعاء- محطات كهرباء، وخزانات وقود. لكن صنعاء التي عاشت تحت الحصار 10 سنوات، تعلم أن كل محطة تهدم، تولد مكانها ألف محطة في قلوب الرجال. وأن كل غارة تسقط، تلد في الأفق صاروخاً جديداً، أشد عناداً، وأبعد مدى، وأقرب إلى “تل أبيب”.