خطابات السيد عبدالملك الحوثي .. ألهمت الثوار وهزمت العدوان

11035583_895822543774571_1728961010937668915_n

 محمد الباشا

  • اثنى عشر خطاباً أطل فيها قائد الثورة خلال عام من العدوان على اليمن، رسَمَ خلالها الخطوطَ العريضةَ للمسار العسكري والسياسي في مراحله المختلفة، ومثّلت تلك الخطابات جبهة إعلامية متكاملة استطاعت أن تلقفَ ما تأفك به قوى العُـدْوَان بماكينتها الإعلامية الهائلة من الأكاذيب والافتراءات والتضليل لتبرير العُـدْوَان، كما مثّلت مرشداً نظرياً استعان به الشعبُ في صمودِه ومقاومتِه ومواجهته لطغيان الاستعباد والاستعمارِ بزعامة أمريكا وبني سعود.

وبات واضحاً أن ما بدا بوجهٍ سافرٍ منذ غارات لطيران عدوٍّ غادر لم يكن البداية؛ لأنَّ العدوانَ بدأ حقاً – تهيئَةً من عملاء الداخل، وتخطيطاً وإعداداً وتنسيقاً لدن دول تعدّدت لقاءاتُ مسؤوليها تآمراً على اليمن- بأحداث مهولة ظهرت فيما بعدُ أنها كانت بمثابة توطئةٍ، كانت الأولى جريمةُ اغتيال الصحفي المناضل عبدالكريم الخيواني، ورُصِدَ حينها تصريحٌ للأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي وقتئذ، يعربُ فيه خلالَ محاضرة في لندن عن استعدادِ مملكته دعم أزلامها في الـيَـمَـن مالياً وسياسياً وحتى عسكرياً.

كان صدورُ التصريح متزامناً مع وقوع جريمة الاغتيال وما تلاها ليس صدفة!.

وبعد يومَين كان الزلزالُ (الصدمة) وكانت تفجيراتُ المسجدَين (بدر والحشوش) التي استهدفت أمنَ البلاد، وسكينة المجتمع، وكرامة الإنسان، وقداسةَ الدين في جُمعة عامرة بالمصلين، إذا بهم بعد تسبيحاتهم يَسبحون في دمائهم.

وفي الثانية بعد منتصف ليل الخميس المشؤوم 26 مارس 2015م أيقظت اليمنيين غاراتٌ شنّها طيرانُ دول التحالف في عُـدْوَان سافر الوجه، بعد أن كان يتزّيا الاغتيالات وتصفية الشخصيات والتفجيرات ونسف المساجد والطرقات.. هذه المرة أتى صاحبُ المشروع بشخصه ليستهدفَ الـيَـمَـنَ أرضاً وإنْسَـاناً وحضارةً، وقد وصلت الاحصائياتُ التقديريةُ من أَرْوَاح البشر منذ بدأ العُـدْوَان إلَـى أَكْثَـر من خمسةٍ وعشرين ألف نسمة بين شهيد وجريح، أَغلبهم من النساء والأَطْفَال، وعمدَ إلَـى تدمير آلاف المنازل وهدْمها على ساكنيها، وكذلك هدم كُلّ مقومات الحياة من مدارسَ، ومصانعَ ومستشفياتٍ، ومساجدَ، ومتاحفَ، وحدائقَ، وجسورٍ، وطرقات، وموانئ، ومخازن غذائية ومنشآت حكومية، وغير حكومية، ومعالمَ دينية، وفرض حصار بري وبحري وجوي شامل استهدف الماءَ والغذاء والدواء وكل المواد الأَسَـاسية الخدمية وفي مقدمتها النفط.

عُـدْوَانٌ في صورةٍ وحشيةٍ لم يشهد له التأريخُ مثيلاً.. ويكفي دليلاً أن عددَ الغارات الجوية التي تم تنفيذُها على الـيَـمَـن وما تزالُ بلغت حسبَ اعترافاتهم (أَكْثَـرَ من ستين ألفَ غارة)، متجاوزةً ما تم تنفيذُه في الحرب العالمية الثانية بنسبة أَكْثَـر من 30%، مستخدماً فيها كُلّ أَنْوَاع الأسلحة المحرّمة دولياً ومنها العنقودية والانشطارية وقنابل الدخان الخانق، ليجعلوا من اليمن حقلَ تجارب لأسلحتهم حديثة الصنع.

قضايا طرقها السيد في مجمل خطاباته

بعدَ مباشرة هذه الحرب العُـدْوَانية التي أعلنها السفيرُ السعوديُّ لدى أمريكا حينها عادل الجبير من واشنطن ألقى السيدُ عبدُالملك الحوثي- قائد الثورة، خطاباً مساء ذات اليوم أوضح فيه أن العُـدْوَانَ الإجرامي الظالمَ الذي لا مبررَ له، وأن النظامَ السعودي إنما ينفّذ الإرادة الأمريكية والرغبة الإسرائيلية، ولم يقفْ عند حدود التفسير بل انتقل إلى العمل ودعوة الشعب إلى تشكيل الجبهات لمواجَهة العُـدْوَان كما رسمتها قيادته: جبهة داخلية وجبهة خارجية، تتكوّن الداخلية من خمسة اتجاهات، الأول أمني، والثاني: للإمداد والتموين، والثالث إعلامي والرابع: تعبوي، والخامس: سياسي.

وخاطب شعوبَ العالم بأن عليها التضامُنَ مع الشعب الـيَـمَـني الذي تكالبت عليه قوى الشر، كما طالب الإعلاميين الشرفاءَ للتضامن مع الشعب الـيَـمَـني إعلامياً، معتبراً أن الشعبَ الـيَـمَـني وكل الأحرار في العالم يواجهون قوى الشر الواحدة المتمثلة بأمريكا وإسرائيل وأدواتها بالمنطقة كالنظام السعودي، وهم الخطرُ الأول على العالم، والمنطقة العربية بالمقدمة.

 وموقفُ مجلس الأمن، مجلسُ القوى الكبرى لتقاسُمِ النفوذ والهيمنة، وفلسطين شاهدة على تأريخه، ولم يكن قراراه 2216 مفاجئاً؛ لأن هذا المجلس لم يقف يوماً من الأيام مع الحق والعدالة ومع الشعوب والدول المستضعفة في العالم!!.

على المستوى السياسي أوضح السيد عبدالملك الحوثي أن الحلَّ متاحٌ، وأن الحوارَ السياسي كان قائماً برعاية أممية وأن العُـدْوَان الأمريكي السعودي هو من أعاقَ الحلَّ السياسي، وهو ما أكّده المبعوث الأممي بن عُمَرَ أثناء إحاطته أمام مجلس الأمن.

ودعا السيِّـدُ عبدالملك الحوثي، في معظم خطاباته، المكوّنات والقوى السياسية للقيامِ بمسؤوليتها الوطنية وسُرعة سد الفراغ السياسي، معلناً عن الاتجاه نحو خياراتٍ استراتيجيةٍ وكبيرة، وهو ما تجسّدَ وما زال واقعاً على الأرض في العُمق السعودي وما زال درعُ اليمن يدُه على الزناد يُفرِضُ سيطرتَه على مُدُن ومناطقَ استراتيجية، بما كسَرَ صَلَفَ وغطرسة آل سعود وأوصل سُمعةَ مملكتهم أمام العالم إلى الحضيضِ بعد أن كانت تحيطُها بهالةٍ من الهيبة والمكانة، حين أظهرها أبطالُ اليمن لا تعدو أن تكونَ نمراً من ورق.

الجنوب.. تطمين ونصح ونذيرٌ مبكر من الاستهداف

“لا نية لاستهداف إخوتنا في الجنوب، بل للوقوف معهم ضد قوى الشر”.. هكذا قالها قائد الثورة في خطاب ما قبل العدوان، بأربعة أيام، يوم الأحد 22 مارس 2015م الموافق 3 جمادى الأولى 1436هـ، وأن قرارَ التعبئة العامة لا يستهدف إلا القاعدة التي مارست الذبح والسحل بحق الجنود هناك قبل أن يتحرك الجيش واللجان الشعبية.. وهذا القرارُ لم يكن يستهدفُ غيرَ القوى الإجْـرَامية، ولا يستهدفُ الجنوبيين كجنوبيين ولا يستهدفُ الجنوب كجنوب.

 وألزم السيد في ذلك الخطاب الشهير الجنوبيين، الحُجّة بالتحرك لتطهيرِ مناطقهم من الجماعات الإجرامية، ودعا مَن يتحسس منهم إلى أن “ليتفضل ليتحملَ مسؤوليته، فلا يقبل بأن تكون منطقتُه أرضيةً ليتَحَـرّك منها أولئك بكل أمن واطمئنان”، وسيكون إخواننا الجنوبيون قد كفوا الجيشَ واللجان المؤنة للنزول لتطهيرها، وإذا لم يبادر أهل الجنوب لمناهضة تلك المنظمات التي تمتهن الاغتيالات وتفجير المساجد ليس ثمة باعثٌ للتحسس، من مواجَهة الجيش واللجان الشعبية وملاحقتهم للقاعدة وشركائها، إذْ لم يكن من العدل والإنصاف أن تُعطى القَاعِـدَة وداعش وشركاؤهما الحقَّ في الاحتماء بأية منطقة فتذهب لتقتل وترتكبَ أبشع الجرائم وتفعل ما تشاء وتريد ثم تكونُ محميةً هناك!!.

ولم تكن ثمة مطامعُ من تحرُّك الجيش واللجان في الجنوب والجنوبيين، وتم وضعهم في الصورة الحقيقية للمشهد، أَجْلَى كُلَّ ذلك السيدُّ في خطابه الثاني بعد العدوان، يوم الاثنين 20 أبريل 2015م الموافق 2 رجب 1436هـ، “نقول للإخوة في الجنوب: نحن لسنا غزاة، نحن منكم وأنتم منا، ونحنُ نقول نحن جاهزون دائماً على الدوام لنمُدَّ أيدينا لإخوتنا في الجنوب؛ للتعاون معهم في دحر القاعدة وللتعاون معهم لمواجهة أَي غزو أجنبي، ونحن مستعدون أن نتيحَ لهم المجالَ ليكونَ لهم الدورُ الأساسُ، وليكونوا هم هناك المعنيين الأساسيين ونحن إلَـى جانبهم للمساعدة، أن يكونوا هم المعنيين بأمورهم، أن يكونوا هم من خلال السلطات المحلية”.

وتكرَّرَ نُصْــحُ الصادق وتحذير المشفق من ألاعيب الغزاة، في خطابه الخامس بعد العدوان في الثاني من أغسطس 2015، “أتوجه إلى الإخوة في الجنوب لأن هناك محاولة لخداعهم، النظام السعودي يلعب لُعبته مع كُلّ المرتزقة وخارج إطار المرتزقة ويستهدف حتى الكثير من الشرفاء بأُسْلُوْب الخداع والتَّضْـليْل”.

وحينها لم يلتفت أبناءُ المحافظات الجنوبية إلى كُلِّ ذلك التطمين ومحض النصح والنذير المبكر من الاستهداف من قبل الغزاة ومرتزقتهم، وأن “ما يفعلُه هادي اليومَ يستهدفُ استئصال القضية الجنوبية”، وفعلاً استطاع الغزاة ومرتزقتهم تغييبَها ولم تعد تستطيعُ “حراكاً”، وها هي الأحلامُ الوردية بـ”جنات عدن” والمغلّفة بـ”الشرعية” التي أتى بها الأمريكي والإسرائيلي والسعودي تلمَعُ في سكاكين داعش والقاعدة لتقيمَ إماراتها، والاغتيالات والاشتباكات والفوضى على أشدها في كلّ منطقة دخلها الغزاة في الجنوب.

الدوافع والغايات من استهداف الشعب اليمني

كُلُّ الخطوات التي أقدمت عليها قوى الشر خلال عامٍّ من الأحداث التي دارت رحاها على أرض اليمن، وما ظهَرَ على فلتاتِ تصريحات أسيادهم تُنبئ بأن العدوانَ مخططٌ إسرائيليٌّ بامتياز، ويصُبُّ في مجرى تآمُري وتجزيئي وتدميري للـيَـمَـن؛ بُغيةَ تقسيمِ البلد إلى ولايات تظل في تناحر دائم وتسودُها الفوضى.

وما تكشّفَ مِن ترتيباتٍ عَمِدَ الغُزاةُ إلى إرسائها منذ أن استجلبوا جحافلهم إلى اليمن، بتسليم مدن ومديريات بل ومحافظات بكاملها للقاعدة وداعش.. كل ذلك يؤكدُ أن السعوديةَ ومَن يقف وراءها، يستهدفون من حملتهم المسعورة على اليمن إثارةَ الفتن وإدخالَ البلد في صراع وحُرُوبٍ دائمة؛ لإشغاله بنفسه عن أن يكونَ له دورٌ في قضايا الأمة الكبرى، وهذا ما نوّه له السيدُ عبدُالملك الحوثي في خطابه غشية يوم العدوان الخميس 26 مارس 2015م الموافق 6 جمادى الأولى 1436هـ، بأن “السعوديةَ نفّذت من خلال هذا العدوان مخططاً إسرائيلياً، وأن السعوديةَ استهدفت المنطقة بإثارة الفتن والحُرُوب،.. والغزاةُ أدواتٌ ودُمَىً للمشروع الأميركي الإسرائيلي». مضيفاً «إن قوى شر تقدِّمُ الدعمَ اللوجستيَّ والمخابراتي لصالح أميركا واسرائيل، والنظام السعودي هو جارُ السوء الذي لا يحترمُ شعبَنا الـيَـمَـني الكريم،.. وأن المشروعَ السعوديَّ تآمري وتجزيئي وتدميري للـيَـمَـن واليوم الغُزاة أرادوا تقسيمَ البلد إلى ولايات،.. فيما يؤكد أن “النظام السعودي وغيره من الأنظمة هي مجرد أدوات في يد الأمريكي ويد الإسرائيلي هم خدم هم عبيد هم أدوات قذره، هم عملاء يشتغلون لمصلحة أولَئك، استهدافهم لليمن يصب في ظل هذا التوجه، لكنهم فشلوا؛ لأن الشَّعْـبَ الـيَـمَـنيَّ ليس لقمةً سهلةً يستطيعُ أَحدٌ ابتلاعَها»..

على الدوام صدق وثبات

وما يظل دامغاً في الإدراك الجمعي لليمنيين وكل المتابعين لخطابات السيد في العالم، أنها تسيرُ بمسار منطقي واحد وفي خطٍّ رسالي واحد، وأيضاً ذلك الثبات مع كل خطاب، الذي يتحلّى به الرجل الاستثنائي في هذا العصر، وهزيمة الواثق بالله والشامخ رغم التكالب الكبير على اليمن، والصدق وعدم التناقض الذي قلما تجدُه في خطابات الزعماء والقادة.. وهناك جملةٌ ملازمة لذهنية كل المتابعين لخطابات السيد، تلك مثّلت غايةَ الإقدام والرافع لمنسوب المعنويات لدى الشعب اليمني، وكان لها وقعُــها الكبيرُ لدى العدو قبل الصديق.

“إن الخياراتِ مفتوحةٌ للرد على هذا العدوان في حال استمراره، وأن الشَّعْـبَ الـيَـمَـنيَّ قويٌّ وسيدافعُ عن بلده ضد هذا العُدُوانِ بكلِّ الطرُقِ والوسائل”