من عدوان التحالف إلى التمدد الصهيوني.. اليمن يواجه مشروع الهيمنة من صنعاء إلى القرن الإفريقي


مبارك حزام العسالي

كاتب يمني

ما تشهده المنطقة اليوم لم يعد مُجَـرّد أزمات متفرقة أَو صراعات محلية معزولة، إنه تعبير مكشوف عن مشروع هيمنة شامل يستهدف اليمن أولًا، ثم يمتد لضرب الأمن القومي العربي من بوابة البحر الأحمر والقرن الإفريقي.

ومن هذا المنطلق، فإن أية قراءة للأحداث الجارية لا يمكن أن تنطلق من وهم “الشرعية” المصنَّعة، ولا من تبرير عدوان التحالف السعوديّ-الإماراتي، بل من حقيقة واضحة مفادها أن اليمن يتعرض منذ سنوات لعدوان خارجي ممنهج، وأن ما يسمى بالتحالف لم يكن يومًا مشروع دعم دولة، بل مشروع تفكيك وهيمنة وخدمة لأجندات غير عربية.

إن ما يجري في حضرموت والمهرة يفضحُ زيفَ رواية التحالف بالكامل، ويكشف أن الخلاف السعوديّ-الإماراتي ليس خلافًا على مصلحة اليمن أَو شعبه، بل صراع نفوذ بين طرفين اشتركا منذ البداية في العدوان، ثم اختلفا على تقاسم الجغرافيا والموانئ والثروات.

فالسعوديّة تنظر إلى شرق اليمن كامتداد أمني لحدودها، بينما تتعامل الإمارات معه كجزء من مشروع بحري وتجاري وعسكري عابر للحدود، يمتد من سواحل اليمن إلى القرن الإفريقي، ويتقاطع بشكل مباشر مع المصالح الإسرائيلية.

ولا يمكن فهم الدور الإماراتي بمعزل عن موقعه الوظيفي بعد التطبيع، حَيثُ تحولت أبوظبي إلى رأس حربة إقليمي يخدم المشروع الصهيوني تحت غطاء عربي زائف.

فقد انخرطت الإمارات في السيطرة على الموانئ والجزر، ودعمت تشكيلات مسلحة خارج أي إطار وطني، وسهّلت اختراق البحر الأحمر وباب المندب، في انسجام واضح مع الأهداف الإسرائيلية الرامية إلى تطويق المنطقة العربية والتحكم بشرايينها البحرية.

وفي هذا السياق الخطير، يأتي الاعتراف الإسرائيلي بما يسمى “أرض الصومال” ليكشف الوجه الحقيقي لما يُحاك في المنطقة.

فهذا الاعتراف لا يمثل خطوة دبلوماسية معزولة، بل يشكل تهديدًا استراتيجيًّا مباشرًا لليمن، وللبحر الأحمر، وللأمن القومي العربي برمّته.

إن وجودًا إسرائيليًّا في القرن الإفريقي يعني عمليًّا تطويق الجغرافيا العربية من الجنوب، وتهديد الملاحة الدولية، والضغط على الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، وفي مقدمتها اليمن ومصر والسعوديّة والسودان.

وفي مواجهة هذا التمدد الخطير، جاء موقف صنعاء واضحًا وصريحًا ومنسجمًا مع طبيعة المعركة، حَيثُ أكّـدت أن أي تواجد إسرائيلي في أرض الصومال سيُعتبر هدفًا عسكريًّا مشروعًا لصنعاء.

هذا الموقف لا يمكن فصله عن رفض اليمن الحر لكل أشكال الوصاية والهيمنة، وهو إعلان بأن معركة اليمن لم تعد دفاعًا عن أرضه فقط، بل دفاعًا عن موقعه ودوره في حماية أمن المنطقة.

إن توصيف الوجود الإسرائيلي كهدف عسكري يعني إسقاط أي غطاء سياسي أَو دولي عنه، وتحميل كُـلّ من يسهّل أَو يموّل أَو يغطّي هذا التمدد، وفي مقدمتهم الإمارات، مسؤولية أي تصعيد قادم.

ويحمل هذا التصريح دلالات عميقة، فهو أولًا يؤكّـد أن صنعاء تنطلق من موقع الفعل لا رد الفعل، وأنها تمتلك من عناصر القوة ما يجعل تهديدها ذا صدقية عملية.

كما يعكس وعيًا استراتيجيًّا بأن البحر الأحمر والقرن الإفريقي جزء لا يتجزأ من الأمن الوطني اليمني، وليس ساحات بعيدة يمكن تجاهلها.

وهو في الوقت ذاته رسالة ردع لكَيان الاحتلال مفادها أن زمن التمدد الآمن قد انتهى، ورسالة إدانة لكل الأنظمة العربية التي اختارت التواطؤ أَو الصمت.

وفي هذا الإطار، يكتسب استهداف السعوديّة فجر، أمس للمعدات العسكرية القادمة من الإمارات إلى ميناء المخا دلالة إضافية، فهو يؤكّـد أن التحالف نفسه بات يتفكك من الداخل، وأن أدوات العدوان بدأت تتصادم فيما بينها.

هذا الاستهداف لا يمكن تفسيره كحرص على اليمن أَو سيادته، بل كصراع بين شركاء عدوان اختلفوا على إدارة الغنائم، بعد أن دمّـروا البلاد وقتلوا شعبها.

وهو دليل إضافي على أن ما يسمى “التحالف” لم يكن يومًا كيانًا متماسكًا، بل تجمع مصالح مؤقتة سَرعانَ ما ينقلب بعضها على بعض.

إننا، من موقعنا الواضح، نرفض الاعتراف بما يسمى “حكومة الشرعية”، ونعتبرها غطاءً سياسيًّا لعدوان خارجي، ونرفض عدوان التحالف السعوديّ-الإماراتي جملةً وتفصيلًا، ونرى أن معركة اليمن اليوم هي معركة سيادة وكرامة، ومعركة وعي في مواجهة مشروع صهيوني-غربي تُستخدم فيه أدوات عربية.

وما لم تدرك الأُمَّــة العربية حجم هذا الخطر، فإن القادم سيكون أشد، ولن يقتصر على اليمن وحده.