التخاذل تحت راية الحق .. الخيانة التي غيّرت مجرى التاريخ


في ظلال دعاء مكارم الأخلاق ، من أهم الدروس في فكر الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، التي قدمت النصوص المفصلية التي تربط بين الإيمان والوعي، وبين السلوك الفردي والمصير الجماعي للأمة، مقدماً أبعاداً دلالية تؤسس لنظرية قرآنية في المسؤولية التاريخية، حيث يتحول التقصير الفردي إلى جريمة حضارية، ويتحوّل الوعي إلى شرط للنصر.

أعده للنشر / طارق الحمامي

 

 النفاق الخطر المتحرك 
ينطلق الشهيد القائد في الدرس من فكرة مركزية تؤكد أن النفاق كيان عالي الخطورة ومتطور ينمو ويبتكر أدواته باستمرار، في مقابل إيمان قد يضعف ويتآكل إن لم يُغذَّ بالوعي والبصيرة، وهنا يُعيد الشهيد القائد تعريف معادلة الصراع، في أن المشكلة ليست فقط في وجود المنافقين، بل في تقاعس المؤمنين عن تطوير إيمانهم ووعيهم، هذا التحليل يخرج بالنفاق من صورته  الفردية إلى كونه خطراً استراتيجياً قادراً على اختراق المجتمعات من الداخل، والتأثير في النفوس، وزرع التثبيط والخذلان دون أن يُكتشف بسهولة، مستشهداً بما ورد في قوله سبحانه وتعالى :

البصيرة أهم شروط النصر 
يستحضر الشهيد القائد محطات تاريخية مفصلية من مسيرة الأمة، من عهد الإمام علي عليه السلام  وصولاً إلى الإمام زيد، ليؤكد أن الهزائم الكبرى لم تكن بسبب قلة المصلين أو الذاكرين، بل بسبب ضعف البصيرة، والرسالة هنا شديدة الوضوح، والعبادة دون وعي قد تتحول إلى عبء، والتدين بلا بصيرة قد ينقلب إلى أداة هدم، كما يقدّم الشهيد القائد نقداً جريئاً للتدين السطحي، الذي يكتفي بالمظاهر، لكنه يعجز عن الثبات عند الامتحان أو فهم تعقيدات الصراع.

التخاذل جريمة ممتدة عبر الأجيال
من أخطر ما طرحه الشهيد القائد، تحميلُ التخاذل مسؤوليةً تاريخية تتجاوز لحظة الفعل،  فالتقصير في نصرة الحق لا يُعد فشلاً آنياً، بل سبباً مباشراً لفساد ممتد يصيب أجيالاً وشعوباً بأكملها، ووفق لذلك فإن من يتخاذل تحت راية الحق يساهم في انتصار الباطل، ويصبح شريكاً في كل انحراف لاحق نتج عن ذلك الانتصار للباطل .

 العرب والمسؤولية الكونية
يمنح الدرس العرب موقعاً خاصاً في معادلة الهداية العالمية، انطلاقاً من كون الرسالة نزلت بلسانهم وفي بيئتهم، ومن هنا، فإن تقاعسهم لا ينعكس عليهم وحدهم، بل على البشرية جمعاء، وهنا يحمل الشهيد القائد العرب المسؤولية ويحوّل الاصطفاء،  من امتياز إلى تكليف ثقيل، قوامه حمل الرسالة لا التفريط بها.

من المعلومة إلى اليقين
يفصل الشهيد القائد بعمق بين الإيمان بوصفه معرفة ذهنية، والإيمان بوصفه يقيناً مستقراً يحكم السلوك، والمشكلة، كما يراها، ليست في غياب المعلومات القرآنية، بل في عدم تحوّلها إلى يقين حيّ يضبط المواقف ويمنع الارتباك عند الشدائد اليقين هنا ليس شعوراً عاطفياً، بل حالة وعي راسخة تُنتج الثبات، وتُسقط الشبهات قبل أن تتجذر.

الإخلاص صمام أمان
يؤكد الشهيد القائد تأكيداً حاسماً على مركزية النية، باعتبارها الميزان الحقيقي لقيمة العمل، فالتضحية، مهما عظمت، تفقد معناها إن لم تكن خالصة لله تعالى ، ويكشف كيف أن الرياء وحب التقدير الشخصي، والسعي لبناء الذات على حساب الجماعة، هي من أخطر أسباب التفكك الداخلي، لأنها تُنتج مشاريع متنافسة داخل الصف الواحد، وتمنع الانسجام مع الهدي الإلهي الجامع.

ختاماً 
يؤسس الشهيد القائد في هذا الدرس لفهم قرآني عميق لمعركة الوعي، ويعيد تعريف الإيمان باعتباره مشروعاً متكاملاً من البصيرة واليقين والإخلاص، ويحذر من أن أخطر الهزائم ليست العسكرية، بل التربوية والفكرية، التي قد تنتهي بالتخاذل.
إنه خطاب يحمّل الفرد مسؤولية الأمة، ويحمّل الأمة مسؤولية الإنسانية، في رؤية صارمة لكنها واضحة، إما وعيٌ يرقى إلى مستوى الرسالة، أو تقصيرٌ يفتح الباب لكل أشكال النفاق والضلال.

 

 

يمانيون.