الجامع الكبير بصنعاء .. ذاكرة الإسلام الأولى وروح الإمام علي عليه السلام

الجامع الكبير بصنعاء .. ذاكرة الإسلام الأولى وروح الإمام علي عليه السلام


للجامع الكبير في صنعاء مكانةً استثنائية في تاريخ اليمن والتاريخ الإسلامي،فهو يعد أول مسجد بُني في اليمن، وهو ما يمنحه قيمة رمزية ودينية بالغة في الوعي الإسلامي واليمني على وجه الخصوص، ولا تنفصل هذه المكانة عن الدور المحوري للإمام علي عليه السلام في تأسيس المسجد وبناء رسالته الدينية ، وتبرز فيه آثاره عليه السلام بوصفه المؤسِّس الذي ارتبط اسمه ببدايات الدعوة الإسلامية في هذه الأرض المباركة، ولا تقتصر هذه الآثار على الجانب المادي فحسب، بل تمتد لتشمل الأبعاد الدينية والعلمية والرمزية التي ما تزال حاضرة في وجدان اليمنيين.

تقرير / طارق الحمامي

 

التأسيس في صدر الإسلام
أشرف الإمام علي عليه السلام بنفسه على تأسيس الجامع الكبير وبنائه في موضعه المعروف اليوم، وفق توجيه دقيق من رسول الله صلوات الله عليه وآله، لاتجاه قبلته، حيث وجه بناء القبلة باتجاه جبل ضين، في خطوة تعكس علمه وامتثاله الكامل لتوجيهات النبي صلوات الله عليه وآله، وقد شكّل هذا التحديد أساسًا معماريًا ثابتًا حافظ عليه المسجد عبر قرون من التوسعات والترميمات، وتوجد نقوش وكتابات على جدران الجامع تؤكد ارتباط اليمنيين بآل البيت عليهم السلام وارتباط المكان بهم، وتُبرز مكانتهم، ومنها عبارات مثل (محمد رسول الله – على ولي الله – فاطمة أمة الله – الحسنين صفوة الله).

 

الأثر الديني والروحي
ترك الإمام علي عليه السلام بصمته العميقة في البعد الروحي للجامع الكبير، إذ جعله مسجدًا مؤسَّسًا على التقوى والعبادة الخالصة، وقد ارتبط اسم الإمام علي في الوعي الديني بالقيم العليا للإسلام من عدل وزهد وإخلاص، وهي القيم التي انعكست في الخطاب الديني الذي انطلق من رحاب الجامع الكبير، وفي دوره كمكان للذكر والصلاة وتعظيم شعائر الله، ولا تزال  مكتبة الجامع الكبير تحتفظ بمخطوطة قرآنية كُتبت بخط الإمام علي عليه السلام، مما يمنحها قيمة تاريخية وروحانية عظيمة، وتعتبر من كنوز التراث العلمي والثقافي باليمن .

الجامع الكبير مركزًا لنشر الدين وتعليم اليمنيين
لم يكن الجامع الكبير مجرد موضع للصلاة، بل جعله الإمام علي عليه السلام مركزًا إشعاعيًّا لنشر الدين الإسلامي وتعليم الناس القرآن وتعاليم الإسلام وأحكامه، ومن خلاله تعرّف اليمنيون على مبادئ التوحيد، والعدل، والأخلاق الإسلامية، وتحول المسجد إلى مدرسة مفتوحة تُخرّج العلماء والدعاة.
وقد أسّس هذا الدور العلمي والتربوي لعلاقة عميقة بين اليمن والإسلام، واستحقوا عليه أن يمنحهم النبي صلوات الله عليه وآله ، بأهل الإيمان والحكمة، وهي صفة تجلّت عمليًا في الدور الذي أدّاه الجامع الكبير منذ تأسيسه.

 

الأثر العلمي والتعليمي
من أهم آثار الإمام علي عليه السلام في الجامع الكبير بأنه كان ولا يزال منبرًا لتعليم القرآن الكريم، وتفسيره، وأحكام الشريعة الإسلامية، إضافة إلى ترسيخ مبادئ الأخلاق والسلوك القويم، وأسهم هذا الدور في تخريج أجيال من العلماء والفقهاء، وجعل الجامع الكبير من أقدم المؤسسات التعليمية الإسلامية في اليمن.

 الأثر الاجتماعي
لم يقتصر دور الإمام علي عليه السلام على الجانب التعبدي، بل جعل من الجامع الكبير مركزًا لنشر الإسلام، وتنظيم شؤون المجتمع الإسلامي الناشئ، فمن خلاله، تعرّف اليمنيون على قيم الإسلام في العدل والمساواة والتكافل، وتحول المسجد إلى نقطة التقاء اجتماعية تعزّز وحدة المجتمع، وتربط الدين بالحياة اليومية.

 الأثر الرمزي في الذاكرة اليمنية
تجسّد آثار الإمام علي عليه السلام في الجامع الكبير رمزًا دائمًا لعلاقة اليمن المبكرة بالإسلام، ولمكانة الإمام علي الخاصة في قلوب اليمنيين، وقد تحوّل المسجد إلى معلمٍ يحمل دلالات الانتماء الإيماني، ويستحضر سيرة الإمام علي كأنموذج للحاكم العادل والعالم الرباني، ما يعزّز حضور هذه القيم في الوعي الجمعي حتى اليوم.

ختاماً 
إن آثار الإمام علي عليه السلام في الجامع الكبير بصنعاء ليست مجرد شواهد تاريخية، بل هي إرث ديني وحضاري متكامل، امتد من لحظة التأسيس إلى الحاضر، ومن خلال هذه الآثار، يظل الجامع الكبير رمزًا لرسالة الإمام علي في نشر الإسلام، وبناء الإنسان، وترسيخ الإيمان في أرض الإيمان والحكمة.

 

 

يمانيون.