طوفان الأقصى .. عندما قال الشعب الفلسطيني كلمته في وجه الحصار وتوحش العدو الإسرائيلي


في فجر السابع من أكتوبر 2023، استيقظت المنطقة على زلزال سياسي وأمني غير مسبوق، تمثل في عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام. لم يكن الحدث مجرد عملية عسكرية مفاجئة، بل لحظة مفصلية كشفت عمق الغضب الفلسطيني، وعجز الردع الإسرائيلي، وجاءت كتجسيد لانفجار تراكمات تاريخية من الظلم والحصار والتنكيل.

ظروف وتوقيت العملية .. غضب مكبوت وانفجار لا مفر منه

جاءت العملية في سياق تاريخي متراكم من سياسات العدو الإسرائيلي التي مارست أبشع صور القمع والتنكيل بحق الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة، الذي يخضع لحصار شامل منذ عام 2007، عاش فيه أكثر من مليوني إنسان تحت حصار خانق طال كافة مناحي الحياة، من الغذاء إلى الدواء والكهرباء والمياه.

وإلى جانب الحصار، تصاعدت في السنوات الأخيرة الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، والانتهاكات المتكررة بحق المقدسات الإسلامية ، ناهيك عن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وعمليات القتل والاعتقال والتهجير الممنهج.

لم يكن الشعب الفلسطيني، ولا مقاومته، ليبقوا صامتين أمام هذا التغوّل الإسرائيلي، فجاءت عملية طوفان الأقصى كشرارة أشعلت نيران الغضب المكبوت، ورسالة حاسمة بأن الكيل قد طفح، وأن سياسة الأمر الواقع لم تعد مقبولة.

 

في ساعات الصباح الأولى من يوم السبت 7 أكتوبر، شنّ  المقاومين هجومًا بريًا وجويًا وبحريًا مباغتًا، اخترقوا خلاله الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، وداهموا أكثر من 20 مستوطنة للعدو، وصولًا إلى عمق النقب المحتل.

رافقت الهجوم البري موجة كثيفة من إطلاق الصواريخ طالت العمق الإسرائيلي، بما في ذلك تل أبيب والقدس، ومناطق استراتيجية حساسة، في مشهد أربك المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، التي وُصفت بأنها “عاجزة تمامًا” في الساعات الأولى للهجوم.

خلال العملية، أُسِرَ عدد كبير من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين،  وهو ما اعتبرته المقاومة “ردًا طبيعيًا على جرائم الاحتلال”.

 

الدوافع الحقيقية .. تراكمات القهر وظلم الاحتلال

العملية لم تأتِ من فراغ، بل كانت نتيجة مباشرة لممارسات الاحتلال، دوافعها نتيجة الحصار الخانق على غزة منذ أكثر من 17 عامًا ، دفعت سكان القطاع إلى حافة الكارثة الإنسانية، في ظل صمت دولي وعجز عربي، وكذلك الانتهاكات في المسجد الأقصى، والاقتحامات اليومية والتدنيس المستمر، دون أي رادع أو حساب، والاعتقالات اليومية والتصفية الميدانية بحق أبناء الضفة الغربية والقدس، بمن فيهم الأطفال والنساء، وكذا الاستيطان والتهويد وسياسة ممنهجة لمحو الهوية الفلسطينية وفرض وقائع ديمغرافية وجغرافية جديدة بالقوة، كل ذلك انتهى بانسداد أفق العملية السياسية وغياب أي أمل بتحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

 

شكّل طوفان الأقصى صدمة استراتيجية غير مسبوقة للاحتلال الإسرائيلي، كما أنه فجّر المواقف الدولية، فبينما هرعت دول غربية إلى دعم العدو الإسرائيلي بشكل غير مشروط، تعاطف الكثير من شعوب العالم مع القضية الفلسطينية، وأدانوا السياسات الإسرائيلية التي أدت إلى هذا الانفجار.

أما إقليميًا، فقد أدخلت العملية حسابات جديدة على محور المقاومة، ورسّخت معادلة جديدة بأن غزة لم تعد معزولة أو مستضعفة، بل قادرة على المبادرة وإرباك حسابات العدو.

 

رد الاحتلال .. انتقام عشوائي وتدمير شامل

جاء رد الاحتلال الإسرائيلي على العملية بواحدة من أعتى حملات القصف والتدمير التي شهدها قطاع غزة،  بل والعالم كله ، تم خلالها قصف الأحياء السكنية، المستشفيات، الكنائس، والمساجد، وارتُكبت مجازر جماعية بحق المدنيين، في محاولة للانتقام من السكان، دون تمييز بين مقاوم أو طفل أو امرأة.

لكن هذا الرد العنيف لم يحقق أهدافه العسكرية، بل عزز من وحدة الشعب الفلسطيني، وزاد من تعاطف العالم مع غزة المحاصرة.

 

طوفان الأقصى ليس مجرد عملية عسكرية، بل هو لحظة تحوّل تاريخي في مسار الصراع الفلسطيني مع العدو الإسرائيلي، لقد أثبت الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، أن سياسة الإخضاع والتركيع لن تمر، وأن الكفاح من أجل الحرية مستمر، ما دامت جذور الاحتلال قائمة.

رغم الثمن الباهظ الذي دفعه الفلسطينيون، فإن الطوفان رسم بدماء الشهداء معادلة جديدة، إما الكرامة والحرية، أو استمرار المقاومة حتى النصر.

 

موقع يمانيون.