الاستجابة التي تحيي الأمة .. قراءة دلالية لمعنى الحياة القرآنية في فكر الشهيد القائد


في آية قرآنية عظيمة، يخاطب الله تعالى المؤمنين بنداء مباشر وحاسم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} ، آيةٌ قصيرة في مبناها، عميقة في دلالاتها، شكّلت محوراً مركزياً في قراءة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، الذي تعامل معها بوصفها قاعدة قرآنية ناظمة للعلاقة بين الإيمان والحياة، وبين الدعاء والعمل، وبين الدين والواقع، فما الذي تعنيه ’’الاستجابة’’؟ وما المقصود بالحياة، التي يدعو الله ورسوله إليها؟ وكيف تنعكس هذه المفاهيم على واقع الأمة؟

تحليل / طارق الحمامي

 

 الاستجابة بوصفها فعلاً لا شعاراً
ضمن سلسلة دروس آيات من سورة آل عمران ’’الدرس الثاني’’ ، ينطلق الشهيد القائد من وضوح الخطاب القرآني في الآية، معتبراً أنها لا تحتمل الغموض أو التأجيل، فالدعوة الإلهية هنا ليست دعوة للتأمل النظري أو الاكتفاء بالتصديق القلبي، بل نداء يتطلب فعلاً واستجابة عملية، ويؤكد أن منطق الآية بسيط ومباشر، دعوة وأمر من الله سبحانه وتعالى الله ، والرسول صلوات الله عليه وعلى آله بلّغ، وعلى المؤمنين أن يستجيبوا ، ومن هنا، يرى أن تحويل الاستجابة إلى مجرد أقوال أو أدعية منفصلة عن السلوك، يُفرغ النص القرآني من مضمونه الحقيقي.

 ’’لِمَا يُحْيِيكُمْ’’ .. أي حياة؟
في صلب القراءة الدلالية، يتوقف الشهيد القائد عند قوله تعالى ’’لِمَا يُحْيِيكُمْ’’، معتبراً أنها مفتاح الفهم للآية كاملة، فالحياة لا تُفهم بوصفها مجرد البقاء البيولوجي، وإنما حياة الوعي والبصيرة، وحياة الكرامة الإنسانية، وحياة التحرر من الخضوع للباطل، وحياة الأمة التي تتحرك بمسؤولية تجاه قضاياها، وبذلك، تصبح الاستجابة شرطاً للدخول في هذه الحياة، لا مجرد مظهر من مظاهر التدين.

 الاستجابة قبل الدعاء 
يربط الشهيد القائد هذه الآية بقوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، ويستخلص من هذا الربط قاعدة أساسية، أن الاستجابة الصحيحة هي المقدمة الطبيعية لقبول الدعاء، فالدعاء في هذا السياق ليس أداةً بديلة عن الالتزام، بل نتيجة له، ولا يكون له أثره الحقيقي إلا إذا صدر عن واقع منسجم مع ما يدعو إليه الإنسان بلسانه.

 النموذج النبوي وتكامل الإيمان والحركة
في قراءته للسيرة النبوية، يرفض الشهيد القائد تصوير النبي صلوات الله عليه وآله، بوصفه شخصية منعزلة أو مكتفية بالدعاء، مشيراً إلى أن أول ما قام به في المدينة كان، بناء المسجد كمنطلق جامع، وتنظيم المجتمع، وتوحيد الصف، ومواجهة التحديات السياسية والعسكرية، ويخلص إلى أن المسجد في التجربة النبوية لم يكن مكان عزلة، بل مركز فعل وتغيير، وهو ما يعكس طبيعة الاستجابة التي دعا إليها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم .

 الفصل بين القول والعمل
ضمن هذا الإطار، يقدّم الشهيد القائد نقداً واضحاً لحالة الانفصام التي قد يعيشها المجتمع المسلم، حيث يكثر الدعاء في المنابر، بينما تسير الممارسات العملية في اتجاه مغاير لقيم القرآن ، ويرى أن هذا التناقض يُحوّل العلاقة مع الله إلى كلمات، في حين تُترجم العلاقات الأخرى إلى أفعال ومصالح، وهو ما يُفقد الاستجابة معناها الحقيقي، كذلك دلالة الكلمة في سياق الاستجابة، مميزاً بين كلمة تُحيي الوعي وتحفّز المسؤولية، وكلمة تُخدّر الواقع وتبرّر العجز، ويؤكد أن قيمة الكلمة تُقاس بقدرتها على تحريك الأمة نحو الفعل، لا بتكرارها المجرد.

ختاماً 
تقدّم قراءة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه،  للآية القرآنية :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِـمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَـمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْـمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ، تصوراً متكاملاً للإيمان بوصفه مشروع حياة، لا حالة وجدانية منفصلة عن الواقع، فالاستجابة، مؤكداً على أن الاستجابة هو الشرط الذي تُقاس به حيوية الأمة وصدق إيمانها.

 

 

يمانيون.