من القطن إلى السيادة.. برنامج تعزيز الصناعات القطنية يفتح جبهة الإنتاج ويعيد بناء اليمن
من القطن إلى السيادة.. برنامج تعزيز الصناعات القطنية يفتح جبهة الإنتاج ويعيد بناء اليمن
في لحظةٍ مفصلية من معركة اليمن الاقتصادية، حيث يتقاطع الحصار مع الحاجة الملحّة لبناء اقتصاد مستقل، جاء إطلاق برنامج تعزيز الصناعات القطنية ليؤكد أن معركة الإنتاج لم تعد خيارًا تنمويًا، بل خيار سيادة وبقاء.. فعالية حضرها القائم بأعمال رئيس مجلس الوزراء، العلامة محمد مفتاح، لم تكن مجرد تدشين برنامج، بل إعلانًا صريحًا عن انتقال الدولة والمجتمع إلى مرحلة إعادة بناء منظومة القيم الإنتاجية، واستعادة الهوية الاقتصادية لليمن بعد عقود من التدمير المنهجي لصالح ثقافة الاستهلاك.
مراجعة الذات اليمنية المنتجة.. استعادة ما هُدم
اعتبر القائم بأعمال رئيس الوزراء أن إطلاق البرنامج يمثل خطوة شجاعة لمراجعة “الذات اليمنية المنتجة”، تلك التي لم تعرف البطالة تاريخيًا، خاصة في الأرياف، حيث كان لكل فرد دورٌ في دورة الإنتاج. وأوضح أن ما تعرّضت له هذه المنظومة خلال العقود الماضية لم يكن تطورًا طبيعيًا، بل تفكيكًا مقصودًا لقيم العمل والإنتاج، واستبدالها بثقافة استهلاكية مدمّرة، أفقدت المجتمع قدرته على الاعتماد على ذاته.
هذا التشخيص يعيد القضية إلى جذورها: المشكلة ليست في غياب الموارد أو القدرات، بل في تدمير منظومة القيم الإنتاجية التي شكّلت أساس قوة اليمن تاريخيًا.
اليمن.. تاريخ في صناعة القطن والملبوسات
استحضر العلامة مفتاح البعد التاريخي والحضاري للصناعات القطنية، مذكّرًا بأن اليمن كان عبر العصور معروفًا بإنتاج وتصدير أجود أنواع الملبوسات، إلى حد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصى بأن يُكفّن بثوبين يمانيين سحوليين، تكريمًا لهذه الصناعة وللشعب الذي أتقنها.
هذا الاستدعاء لم يكن استذكارًا رمزيًا فحسب، بل تأكيدًا على أن الصناعة القطنية جزء من هوية اليمن الاقتصادية والحضارية، وأن إحياءها هو عودة إلى الأصل، لا قفز في المجهول.
من الاستهلاك إلى الإنتاج.. معركة إعادة بناء القيم
أكّد القائم بأعمال رئيس الوزراء أن أخطر ما واجهه اليمن هو تحوّله من شعب منتج إلى مستهلك لكل شيء، مشددًا على أن تجاوز هذا الواقع يتطلب إعادة بناء شاملة لمنظومة القيم، تبدأ من الأسرة، وتمتد إلى المجتمع والدولة.
وبيّن أن الدولة تعمل حاليًا على مراجعة وتقييم وإصلاح المنظومة التشريعية والمؤسسية، وتهيئة بيئة محفّزة للإنتاج في مختلف القطاعات، مؤكدًا أن لا مستقبل اقتصادي مستقر لليمن ما لم ينهض اقتصاد الفرد والأسرة والمجتمع.
توطين الصناعة.. من المعامل الصغيرة إلى التصدير
في رؤية واضحة للمسار المستقبلي، دعا العلامة مفتاح إلى التركيز على إنشاء المعامل الصغيرة باعتبارها القاعدة الصلبة لتوطين الصناعات، وضمان تطورها وازدهارها، مع إعادة الاعتبار لثقافة الإنتاج، وصولًا إلى مرحلة التصدير.
ووجّه رسالة مباشرة لأصحاب رؤوس الأموال، محذرًا من الارتهان للربح السهل عبر الاستيراد، وداعيًا إلى الاستثمار في التصنيع الوطني، انسجامًا مع توجهات ثورة 21 سبتمبر التي تسعى لتحويل اليمن إلى قاعدة صناعية للاكتفاء الذاتي والتصدير، وهو ما يتطلب شحذ الهمم والتحرك الجماعي الجاد.
دعم حكومي وإعلامي شامل للمنتج الوطني
أكد القائم بأعمال رئيس الوزراء أن الحكومة ستعمل على تسهيل وتطوير هذا القطاع عبر الدعم والمساندة والترويج، موجّهًا وسائل الإعلام الرسمية بأن تكون إعلانات المنتج الوطني مجانية، مع تخصيص فقرات لإعلاء قيمة المنتجات المحلية.
كما شدد على دور وزارة الاقتصاد والصناعة والاستثمار في مساعدة المنتجين على الارتقاء بجودة منتجاتهم، والاهتمام بالتأهيل والتدريب باعتبارهما ركيزتين لنجاح أي نهضة صناعية.
أمانة العاصمة.. التمويل والتسويق في قلب المعركة
من جانبه، أعلن أمين العاصمة الدكتور حمود عباد عن دعم الهيئة العامة لتنمية المشاريع الصغيرة والأصغر بمبلغ 600 مليون ريال كقروض ميسّرة للأسر العاملة في المشاريع الصغيرة، إلى جانب التوجّه لإنشاء مراكز لتسويق منتجات الأسر المنتجة، وفرض تخصيص أركان داخل المولات لتسويق هذه المنتجات.
وأكد أن أمانة العاصمة، باعتبارها أكبر تجمع سكاني، يجب أن تكون الوعاء الأكبر للإنتاج والصناعة الوطنية، وأن تلعب دورًا محوريًا في خفض فاتورة الاستيراد وبناء اقتصاد منتج.
الصناعات القطنية.. الحلقة الناقصة وسلسلة القيمة
لفت أمين العاصمة إلى أن الصناعات القطنية لا تزال تعاني من عدم اكتمال سلسلة القيمة، نتيجة استيراد القماش والمواد الخام من الخارج، ما يستدعي استكمال الرؤية الوطنية لتصنيع القطن محليًا، من الزراعة حتى المنتج النهائي، مؤكدًا أن التسويق يمثل الحلقة الحاسمة في نجاح أي مشروع إنتاجي.
كل منزل خط إنتاج.. رؤية التمكين الاقتصادي
بدوره، أكد رئيس الهيئة العامة لتنمية المشاريع الصغيرة والأصغر أحمد الكبسي أن تدشين البرنامج يمثّل مسارًا جديدًا في جبهة الاكتفاء الذاتي، وهي جبهة تمس كل مواطن. وأوضح أن التمكين الاقتصادي مسؤولية جماعية، وأن الهيئة تسعى – مع شركائها – لتحويل كل منزل إلى خط إنتاج، وكل حي إلى مصنع، في إطار رؤية شاملة للاكتفاء الذاتي.
شواهد ميدانية.. جودة تنافس المستورد
عقب الفعالية، اطّلع القائم بأعمال رئيس الوزراء ومرافقوه على معرض للمنتجات القطنية اليمنية، التي قدّمتها ست علامات تجارية محلية بجودة عالية ومواصفات منافسة، في رسالة عملية تؤكد أن الصناعة الوطنية قادرة على سدّ الفجوة ومنافسة المستورد متى ما توفّر الدعم والتكامل.
محطة متقدمة في مسار التحول
إن إطلاق برنامج تعزيز الصناعات القطنية ليس حدثًا تنمويًا معزولًا، بل محطة متقدمة في مسار التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج، وتجسيد عملي لتوجهات ثورة 21 سبتمبر في بناء اقتصاد مستقل، يعيد لليمن مكانته كبلد منتج، ويضع لبنة حقيقية في معركة السيادة الاقتصادية.
موقع 21 سبتمبر.