الجنوب المحتل.. فوضى تحت الوصاية ونهب بلا حدود


لم تعد الفوضى الأمنية والمعيشية في المحافظات الجنوبية المحتلة مجرد أحداثٍ متفرقة أو مظاهر عابرة، بل أصبحت سياسة ممنهجة يرعاها تحالف العدوان السعودي الإماراتي لإغراق تلك المحافظات في دوامة من الصراع والنهب والخراب.

من عدن إلى شبوة، ومن أبين إلى حضرموت، تتكشف يوماً بعد آخر معالم مشروع تدميري هدفه كسر إرادة اليمنيين وتفكيك الجنوب، عبر خلق واقع مأساوي تتحكم فيه المليشيات، وتُدار فيه حياة الناس بقرارات قادة الفنادق وأوامر الضباط الأجانب.

فوضى أمنية شاملة.. ودماء تسيل في شوارع الجنوب

تشهد المحافظات المحتلة انهياراً أمنياً متسارعاً هو الأسوأ منذ بداية العدوان، حيث تحولت المدن إلى ساحات اشتباكٍ مفتوحة بين فصائل المرتزقة التابعة لكلٍّ من الرياض وأبوظبي.
ففي عدن وحدها، سُجل خلال الأيام الماضية أكثر من سبعٍ وعشرين جريمة تنوعت بين اغتيالاتٍ واختطافاتٍ واشتباكاتٍ داميةٍ بالأسلحة الثقيلة وسط الأحياء السكنية، لتصبح حياة المواطنين رهينة رصاص المليشيات وصراعها على النفوذ.

وفي الوقت الذي تعجز فيه أدوات الاحتلال عن ضبط الأمن، تشهد المحافظات الأخرى كسواحل شبوة وحضرموت وأبين حروباً داخليةً طاحنة على موارد النفط والإيرادات الجمركية، فيما تتقاسم فصائل “الانتقالي” وميليشيات طارق عفاش السيطرة على الموانئ والمعسكرات والمناجم، في مشهدٍ يعكس حقيقة الاحتلال متعدد الوجوه.


الاحتلال يزرع الفوضى.. والمرتزقة يتناحرون على الفتات

لا يخفى أن ما يجري في الجنوب هو نتاج مباشر لسياسة تحالف العدوان في تمزيق الجغرافيا اليمنية وتحويلها إلى كانتوناتٍ متصارعة.
فالإمارات، التي تُحكم قبضتها على الموانئ والجزر الجنوبية، تموّل مليشياتها الخاصة في عدن وشبوة وسقطرى، وتستخدمها لتنفيذ أجنداتها الأمنية والعسكرية في البحر العربي وباب المندب.
أما السعودية، فترعى في المقابل فصائل أخرى تدين لها بالولاء، لتبقي الجنوب في حالة توازن هشٍّ يضمن استمرار نفوذها ويمنع أي استقرارٍ فعلي.

هذه السياسة القائمة على “الفوضى المنضبطة” جعلت المحافظات الجنوبية أشبه بـمختبرٍ للفوضى تُدار فيه المعارك بالوكالة، وتُنهب الثروات في وضح النهار تحت حماية قوات أجنبية، بينما يُترك المواطن يواجه الجوع وانقطاع الكهرباء وانعدام الأمن.


انهيار الخدمات.. عقاب جماعي واستثمار في المعاناة

في عدن — المدينة التي كانت تُعرف يوماً بـ“عاصمة الاقتصاد اليمني” — يعيش السكان اليوم أطول ساعات انقطاع كهرباء في تاريخها الحديث، وصلت إلى اثنتين وعشرين ساعة في اليوم.
شبكات المياه متوقفة، والوقود يُباع بأسعار خيالية، والمستشفيات مهددة بالإغلاق، فيما تتضاعف معاناة الناس وسط تعمّدٍ واضح من قوى الاحتلال إبقاء الوضع مأزوماً لإشغال المواطنين بهموم المعيشة عن المطالبة بالسيادة والاستقلال.

وتشير التقارير الميدانية إلى أن ما يجري هو عقاب جماعي ممنهج يهدف إلى ضرب ما تبقى من روح الصمود في نفوس أبناء الجنوب، وإعادة إنتاج واقعٍ من الفقر والتبعية، يخدم مصالح تحالف العدوان ويمهّد الطريق لنهب الموارد بلا مقاومة.


تنظيم القاعدة يعود للواجهة.. ورقة استخباراتية بيد الاحتلال

اللافت أن تنظيم القاعدة عاد للظهور مجدداً في بعض المناطق الجنوبية تحت رعايةٍ غير معلنة من قوات الاحتلال. فبينما تُعلن وسائل إعلام المرتزقة بين الحين والآخر “عمليات لمكافحة الإرهاب”، تُظهر الوقائع أن تلك العمليات لا تتجاوز إعادة توزيع النفوذ بين فصائل المرتزقة، وأن الجماعات التكفيرية تُستخدم كورقة ضغطٍ وإرهابٍ سياسي لتبرير بقاء القوات الأجنبية واستمرار الوصاية الأمنية.

وبحسب مراقبين، فإن تكرار هذا السيناريو في أكثر من منطقة جنوبية يهدف إلى إعادة إنتاج بيئة الخوف والانقسام، بما يسمح للتحالف بالتحكم في المشهد دون الحاجة إلى إدارة مباشرة، مستفيداً من التناقضات القبلية والمناطقية التي غذّاها طوال سنوات العدوان.


احتقان شعبي متصاعد.. وصوت الجنوب يعلو ضد الوصاية

في المقابل، تتنامى موجات الغضب الشعبي في عدن وحضرموت وأبين، حيث خرجت تظاهرات احتجاجية تندد بانقطاع الكهرباء وتدهور المعيشة وفساد سلطات الاحتلال.
يرى ناشطون أن ما يجري اليوم هو بركان غضبٍ شعبي يقترب من الانفجار، خصوصاً مع ارتفاع الأصوات المطالبة بإنهاء الوصاية الخارجية واستعادة القرار الوطني بعيداً عن الرياض وأبوظبي.

شعارات المتظاهرين في المكلا وعدن وشبوة حملت رسائل واضحة: “كفى وصاية.. كفى نهباً.. الجنوب يريد سيادته”.
وهو ما يؤكد أن الوعي الشعبي يتصاعد رغم كل محاولات التركيع، وأن مشروع التحالف في إخضاع اليمنيين يفشل تباعاً كلما اشتدّت معاناتهم.


الجنوب تحت الاحتلال.. صورة مصغّرة لمشروع الهيمنة

الواقع الذي تعيشه المحافظات المحتلة ليس سوى انعكاس مباشر لجوهر مشروع العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن.