العملاء.. عار يتبرأ منه صانعوه


إبراهيم محمد الهمداني

اتسمت أنشطة العملاء والخونة، بمستوى عالٍ من السرية والتخفي، بما من شأنه تحقيق هدف الاختراق من ناحية، والحفاظ على حياة وسلامة الجواسيس والعملاء والخونة من ناحية ثانية، هم أول من يسارع للتخلص منه وتصفيته جسديا، علاوة على محو كل أثر أو علاقة تربطهم به أولا بأول، والتبرؤ من اعترافاته التي تدينهم، بأنها أخذت تحت وطأة التعذيب والإكراه، لأهداف سياسية كيدية لا غير، مطالبة خصومها باعتذار رسمي، وتبرأتها من عار التجسس، وانحطاط استخدام العملاء والخونة، كونه يسلب فاعله شرف الخصومة، وأخلاق المحاربين الشرفاء الموروثة، والتغاظي عنه أو المجاهرة به، قد يخرجه من دائرة التحريم والتجريم، في العرف المجتمعي العام، ويعيد طرحه ضمن دائرة السلوك السياسي الاجتماعي، المبرر بذرائع وهمية، قد تصل إلى التعبير عن الرغبة في التحرر، من استبداد النظام الحاكم، وغير ذلك من الذرائع ذات الصبغة الإنسانية، التي تجيز التعامل مع القوى الخارجية، والاستعانة بها في تحقيق الغاية المنشودة.
لكن ذلك المنطق العقيم، لم يكن مقبولا في الزمن الماضي، حتى لدى قوى الاستعمار ذاتها، حيث كانت ترفض أن تتعامل مع عملائها، تحت قناع الشرف المصطنع، خشية أن يطمع أبناؤها – الرافضون والمعارضون لها – في نيل ذلك الشرف الزائف، على قاعدة “التخابر من أجل التحرر”، ولذلك حرصت على إبقاء عملائها في دائرة القيمة الصفرية، كأدوات وظيفية تستخدم لمرة واحدة فقط، تحت شرط “المال مقابل الخدمة”، وكان إسقاطها أو الاستغناء عنها، يكشف عمق السقوط القيمي والأخلاقي والإنساني، الذي انحدرت إليه، حتى أن مشغليها – بما هم عليه من انحطاط وقبح فكري وسلوكي – يأنفون من الاعتراف بهم، كأتباع وأجراء للخدمة، أو الإشارة إلى دورهم الوظيفي، كشركاء في تحقيق مصالح وأهداف المستعمر، الذي يرفض تسميتهم “أبطال التحرير”، ويرفض منحهم دورا مستقبليا، بعدما وضعوا أوطانهم، لقمة سائغة في فم المستعمر، ذلك لأن الخيانة، كانت العار المتفق عليه بلا خلاف، والعمالة هي الجرم الذي لا مبرر له، والخائن؛ هو تجسيد ذلك العار والشنار الأبدي، المنسلخ عن فطرته وإنسانيته، المنبوذ من الجميع، بما في ذلك مشغليه – رغم إجرامهم وقبحهم – الذي كانوا يتبرأون منه، حفاظا على التزامهم القيمي والإنساني المصطنع..