٢١ سبتمبر.. الثورة التي ترجمت النشيد الوطني «لن ترى الدنيا على أرضي وصيا» من أقوال إلى أفعال


تقرير/محسن علي

تُعد استعادة استقلالية القرار اليمني وتحريره من الوصاية الخارجية أحد الأهداف والمخرجات الرئيسية لثورة 21 سبتمبر، فقد كانت اليمن قبل الثورة تُوصف بأنها “حديقة خلفية للمملكة العربية السعودية”، وأن الرياض كانت تتدخل في شؤونها وتتحكم في قرارها، كما أن الوجود الأمريكي، الذي تم طرده بعد الثورة، حيث كان يُنظر إليه على أنه أخطر أشكال الوصاية التي تمنع اليمن من اتخاذ قراراته السيادية.

النشيد الوطني من أقوال إلى أفعال
وعلى مدى ٤ عقود ظلت الانظمة المتعاقبة على حكم اليمن منذ ٢٦ سبتمبر وحتى ثورة ٢١ سبتمبر تتغنى بكلمات النشيد الوطني ككلمات تعزف بالألحان وتردد بالألسن فقط، فيما الواقع كان يشهد على عكس ما يقال، ولم ير النشيد الوطني النور من رحم الخداع والتظاهر بالوطنية، إلا بعد ان أشرقت شمس ثورة الشعب اليمنية المباركة التي انصفته وترجمت أبياته من الأقوال إلى الأفعال.

السياق والأهداف
اندلعت ثورة 21 سبتمبر 2014 في اليمن كحركة شعبية واسعة شريفة ونظيفة زخالصة تدعمها قبائل اليمن دون أية تدخل خارجي، وقت كانت البلاد تعاني من تدهور اقتصادي واجتماعي حاد، وتفشي الفساد، وسوء الإدارة، بالإضافة إلى تزايد النفوذ الأجنبي الذي كان يُنظر إليه على أنه يمس بالسيادة الوطنية وجاءت الثورة كرد فعل على هذه الظروف، بهدف إحداث تغيير جذري في بنية الحكم وتحرير القرار الوطني من التبعية الخارجية.

اهداف الثورة
تضمنت الأهداف المعلنة للثورة إنهاء الوصاية الأجنبية، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء دولة يمنية مستقلة وذات سيادة وتحققت في الواقع العملي، بعد مشاركة فئات واسعة من أبناء الشعب اليمني، مما عكس وعيًا جماهيريًا بأهمية استعادة الكرامة الوطنية والتحكم في مصير البلاد بعد كان انظمة العمالة قد رهنت كل شؤون وقرارات اليمن للخارج.

الثورة تحقق مضامين النشيد الوطني
لم تقتصر تداعيات ثورة 21 سبتمبر على الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية فحسب، بل امتدت لتشمل الرموز الوطنية، وفي مقدمتها النشيد الوطني اليمني، الذي مطلعه “رددي أيتها الدنيا نشيدي” وختامه «لن ترى الدنيا على ارضي وصيا» جعلته الثورة في نصب عينيها وحافظت على كلماته وألحانه، وشهدت دلالاته وتفسيراته تحولات في الخطابات الرسمية والشعبية والمحافل والمناسبات،.
فقد ركز الخطاب الثوري المصاحب للايام التصعيد الثوري الذي كان يلقيه السيد القائد يحفظه على تعزيز معاني السيادة والاستقلال والرفض لأي وصاية خارجية، وهي المعاني التي تتجلى بوضوح في كلمات النشيد، و أصبحت الثورة تُقدم على أنها تجسيد حي لروح النشيد الذي يدعو إلى الفخر باليمن كأرض حرة لا تقبل الوصاية، كما أعادت الاعتبار للعديد من الشخصيات الوطنية التي كانت مغيبة أو محاربة في الفترات السابقة، واعتبرتها رموزًا للحركة الوطنية اليمنية.

٢٠١٥ غروب شمس أمريكا في اليمن

كان أحد أبرز التداعيات المباشرة لثورة 21 سبتمبر هو التغير الجذري في الوجود والنفوذ الأمريكي داخل اليمن، فبعد سيطرة الثوار على العاصمة صنعاء، شهدت البلاد خروجا مذلا للقوات المارينز الأمريكية وضباط وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) التي كانت قد جثمت على منطقة شيراتون في العاصمة صنعاء، وحولتها الى ثكنة وقاعدة عسكرية تمهيدا لاحتلال اليمن والسيطرة عليه بشكل مباشر، في حين كانت قد حولت قاعدودة العند الجوية في محافظة لحج الى قاعدة اخرى، ومنذ العام ٢٠١١م وحتى ٢٠١٤م شهدت هذه الفترة استقدام الالاف من الجنود الامريكيين بهدف ذريعة محاربة الارهاب.

فشل المشروع الامريكي
اعتبر هذا الانسحاب المذل بمثابة فشل كبير للمشروع الأمريكي في اليمن، وتأكيدًا على أن الثورة قد أطاحت بما وصف بـ “حكم السفارة” الأمريكية التي كانت تتحكم في القرار اليمني.
وقد أشارت مصادر متعددة إلى أن القوات الأمريكية غادرت صنعاء “بدون سلاح ومجردة من الأسلحة”، مما يعكس حجم التحول الذي أحدثته الثورة في موازينالقوى حيث لم يكن مجرد حدث عابر، بل كان نتيجة مباشرة لجهود الثورة في “طرد المارينز الأمريكي بعد احتلالهم لأحياء من العاصمة والمراكز الحيوية وتحكمهم بالاتصالات اليمنية فنيًا وإداريًا”، وقد اعتبر قائد الثورة أن “هروب المارينز من صنعاء فشل للمشروع الأمريكي في اليمن”، وأنه يمثل “الخلاص من الهيمنة والسيطرة الأمريكية.

بالإضافة إلى ذلك، يُنظر إلى الثورة على أنها كسرت “هيبة الأساطيل الأمريكية”، حيث أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية والبريطانية من عدة نقاط استراتيجية تحت ضغط ما وصف بـ “الضربات اليمنية”، هذا التحول، عكس اليمن من دولة محاصرة إلى دولة “مهابة تُحسب لها ألف حساب.

استقلالية القرار اليمني بعد الثورة
أكدت الثورة على الالتزام الصارم بسيادة اليمن واستقلاله، وأعلنت سعيها لتحرير كل شبر من الأراضي اليمنية، وقد تجلى ذلك في القيام بصناعة وتطوير القدرات العسكرية الذاتية، مما عكس رغبة في الاعتماد على الذات في حماية السيادة الوطنية ويرى مؤيدو الثورة أن 21 سبتمبر نقلت اليمن من “هشاشة الوصاية إلى السيادة”، وأنها أدت إلى “إسقاط الوصاية عن اليمن، واستقلال قراره، وتفوق قدراته العسكرية، وثبات موقفه الداعم للقضية الفلسطينية، كما أن الثورة، بحسب هذا المنظور، “أفشلت مشروع احتلال اليمن وأخرجت الشعب اليمني من الوصاية الخارجية واقتلعت الأيادي الأمريكية وأنهت تواجد قواتها وعززت القناعة لدى أبناء الشعب باجتثاث الغزو المتدثر بعباءة المبادرة الخليجية التي كانت في الحقيقية مؤامرة كبرى تنفذ أجندات أمريكا كان من ضمن أجندتها تقسيم اليمن وتحويله الى كنتونات صغيرة.

في الختام، شكلت ثورة 21 سبتمبر نقطة تحول في تاريخ اليمن الحديث، حيث تمكنت من تغيير مسار السياسة الخارجية لليمن وتقليص التأثيرات الخارجية، مما أدى إلى تعزيز استقلالية القرار اليمني، ومع استمرار التحديات، تظل ثورة 21 سبتمبر حدثًا محوريًا في السردية اليمنية المعاصرة، يجسد تطلعات الشعب نحو الحرية والاستقلال.