وكما هو معلوم فنتن ياهو حدّد أهدافًا لجريمته وأعلن عنها بشكل واضح وصريح تتمثل في تحرير الرهائن لدى حركات المقاومة في غزة وتدمير حماس؛ وَلأَنَّ نتن ياهو مجرم وليس محاربًا؛ فقد استخدم كُـلّ ما يمكنه استخدامه لتحقيق أهداف جريمته، ومع ذلك لم يتمكّن من الإفراج عن الأسرى أَو من يصفهم بالرهائن، ولم يتمكّن من تدمير حماس وحركات المقاومة في قطاع غزة، رغم اقترافه جيشه جريمة موصوفة قانونًا بأنها إبادة جماعية، توزعت أفعالها بين أولًا: القتل الجماعي المباشر باستخدام القنابل والصواريخ التي ألقتها على غزة الطائرات الحربية، وكذلك قذائف الدبابات والمدفعية والأسلحة الرشاشة، التي استهدفت التجمعات السكانية المدنية، وثانيًا: إلحاق أذىً جسدي ونفسي بالغ الخطورة بالسكان المدنيين، وثالثًا: إخضاعهم عن عمد لظروف معيشية شديدة القسوة هدفها إبادتهم.

وشمل الاستهدافُ تدميرَ كافة مقومات حياة السكان في قطاع غزة من مستشفيات ومخازن غذاء ودواء وأماكن يمكن للسكان اللجوء إليها بعد تدمير الأحياء السكنية، كالمدارس وغيرها من الأماكن العامة، وكل ذلك؛ بهَدفِ وصول نتن ياهو لتحقيق أهداف جريمته، وَإذَا كان يمكن للمحارب في أية مرحلة من مراحل النزاع المسلح، أن يوقف عملياته العسكرية لأسباب إنسانية، أَو لتدخل طرف ثالث بالوساطة بين الطرفين المتنازعين، فَــإنَّ المجرم لا يمكنه أن يتوقف مطلقا عن أفعال جريمته لأسباب إنسانية؛ باعتبَار أن الجانب الإنساني منعدم لديه تمامًا!

ولا يمكن كذلك مناقشة حالة الوساطة بين المجرم والضحية؛ باعتبَار أن التوسط لدى المجرم للتوقف عن أفعال جريمته مسألة غير أخلاقية، فليس هناك من وسيلة للتعامل مع المجرم إلا بمنعه بالقوة عن اقتراف الجريمة، أَو قمعه بالقوة أَيْـضًا في حال بدأ في اقتراف أفعالها، وَإذَا ما كان هناك من حديث عن وسيط أَو وسطاء لدى المجرم من جانب طرف أَو أطراف أُخرى، فَــإنَّ الوسيط أَو الوسطاء لا يخرج وصفهم عن كونهم مجرمين؛ فـ لا يتوسَّطُ لدى المجرم إلَّا مجرمٌ مثلُه!

وما هو معمول به في القانون الداخلي في جميع الدول أن ارتكاب فعل من جانب أي فرد/ الدولة موصوف هذا الفعل في القانون بأنه جريمة، فَــإنَّ السلطة المختصة تبادر إلى وقف مرتكِب السلوك الإجرامي، وتعمل على اتِّخاذ الإجراءات التي حدّدها القانون لمعاقبته، وفي حال لم تكن السلطة المختصة حاضرة في مسرح الجريمة، فَــإنَّ الأفرَاد العاديين غير المكلفين قانونًا، قد يتدخلون لمنع المجرم من ارتكاب جريمته بدوافع إنسانية، ويمكن أن يؤدي تدخلهم لمنع المجرم من ارتكاب جريمته وتحقيق غايته الإجرامية، ويوصف فعله في هذه الحالة بأنه شروع في الجريمة، يعاقَب عليه وإن كان قد خاب أثرها؛ بسَببِ لا دخل لإرادته فيه، وهو منعه إما من جانب الجهة المختصة أَو من جانب الأفرَاد العاديين.

وينطبقُ ما ورد في القانون الداخلي بشأنِ سلوك الأفرَاد وارتكابهم ما يعد من الأفعال جرائم معاقَب عليها قانونًا، ينطبق ذلك تمامًا على الدول واقتراف أية دولة سلوك يعد وَفْـقًا للقانون الدولي جريمةً معاقَبًا عليها قانونًا؛ إذ يوجب القانون الدولي على الجهة المختصة، وهي هنا منظمة الأمم المتحدة والأجهزة التابعة لها وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي التدخل الفوري لمنع الدولة من اقتراف السلوك الإجرامي، وقمعها ومعاقبتها في حال ارتكابها له.

ولا يصح القول هنا إن الجهة المختصة وهي منظمة الأمم المتحدة، يمكن أن تكون غائبة عن مسرح الجريمة، ذلك أن الجريمة في القانون الدولي يسبقها مؤشرات أَو نوايا معلنة من جانب الدولة باتّجاه اقتراف الجريمة، ولذلك استخدمت اتّفاقية 1948م بشأن منعِ جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها مصطلحين، الأول يتعلق (بمنع) اقتراف فعل جريمة الإبادة والجماعية في حال اتضح أن النوايا المعلَنة أَو المؤشرات المستخلَصة من المعطيات الواقعية تتجهُ نحو اقترافِ الجريمة، والثاني يتعلَّقُ (بقمع) مقترفها في حال بدأ في تنفيذِ أفعال جريمته.

ولا يمكن في القانون الداخلي أن تتنصل الجهة المختصة (وزارة الداخلية) عن واجبها في منع الجريمة وقمع مقترفها؛ لأَنَّ تنصلها سيعني سقوط هيبة الدولة، وسيادة الفوضى بدلًا عن النظام والأمن العام، والأمر يختلف بالنسبة للقانون الدولي فالجهة المختصة (منظمة الأمم المتحدة) تنصلت فعلًا عن القيام بواجباتها كما هو واضح في الوقت الراهن في حالة جريمة غزة، وهذا التنصل يمثل مؤشرًا مهمًّا على قرب انهيار هذه المنظمة ماديًّا، بعد أن انهارت أخلاقيًّا بتنصلها عن واجباتها، لكن واجب منع الجريمة وقمع مقترف أفعالها لا يسقط بحال من الأحوال عن الدول أفرَادًا وجماعات، ويجسد هذا المعنى موقف اليمن ومحور المقاومة من التصدي لمقترف الجريمة في حالة غزة، وهو الكيان الصهيوني، وهذا التدخل كان يمكن أن يؤدي إلى نتيجة فورية في مواجهة الكيان الصهيوني المقترِف المباشر لجريمة الإبادة الجماعية، لكن الانهيارَ الأخلاقي المهول، الذي أصاب الأنظمةَ الحاكمةَ في الدول العربية والإسلامية ودول العالم، خفَّف من أثار هذا التدخل؛ باعتبَار أنه لم يكن تدخُّلًا في مواجهة مقترف الجريمة فحسب، بل في مواجهة شركائه من حكومات الغرب وحكومات العرب.

ولذلك فقد واجهت صنعاء اليمن ما سُمِّيَ بـ “تحالف الازدهار” الذي شكَّله شركاء جريمة الإبادة الجماعية لردع الفعل المؤثر من جانب اليمن في مواجهة الكيان الصهيوني، وما تلاه من عمليات عسكرية صهيوغربية، وواجهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عدوانًا مماثلًا، وفي الحالتين أعلن المجرم ترامب أهدافه ففيما يتعلق باليمن أعلن أنه سيبيد الحوثيين، والإبادة لا يمكن أن يعلن عنها إلا مجرم ولا يعلنها محارب، وحين فشل المجرم ترامب في تحقيق أهداف جريمته لجأ مُكرَهًا إلى وقف أفعالها؛ بسَببِ الفعل المقاوم المؤثر من جانب الشعب اليمني.

وينطبق ذات القول على الجريمة الصهيوغربية بحق الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فقد صدرت عن المجرمَين نتن ياهو وترامب مواقف معلنة في حالة زهوهما بتوهمهما تحقيق هدف الجريمة بالضربة الاستباقية التي استهدفت قيادة الصف الأول في الحرس الثوري والجيش الإيراني والعلماء النوويين؛ فقد طالب حينَها نتن ياهو الشعب الإيراني بالتعاون معه لتحقيق الأهداف المشتركة، وطالب المجرم ترامب الإيرانيين باستسلام غير مشروط، وحين حوّلت الصواريخ الإيرانية مدنَ الأراضي المحتلّة والمقارَّ الأمنية والعسكرية والبحثية إلى ركام، توسَّل المجرم نتن ياهو ترامب لاستخدام طائراته الشبحية في قصف بعض المواقع الإيرانية؛ ففعل، وقال بعدها: هذا كُـلّ ما لدينا كفى لنعد إلى التفاوض!

وكما أسلفنا فالمجرم لا يمكن أن يتوقف مطلقًا من تلقاء نفسه لدوافعَ إنسانية، وأن ما يوقف المجرم هو الفعل المؤثر فقط، ولقد كان الفعل الصادر عن الجمهورية الإسلامية مؤثِّرًا فعلًا، أَدَّى إلى توسل المجرمين ترامب ونتن ياهو بالأنظمة العميلة في المنطقة للتوسط لوقف استمرار الهجمات الصاروخية الإيرانية؛ بسَببِ تأثيرها المتصاعد على العدو الصهيوني، كما حصل بالفعل بالنسبة لتأثيرات الرد اليمني على جريمة العدوان الصهيوغربية.

واليوم يجتمع ثنائي الجريمة في البيت الأبيض في محاولة يائسة وبائسة لترميم الصورة الردعية التي هشمتها الردود المؤثرة من جانب يمن الحكمة والإيمَـان وإيران الإسلام، ولا تزال تهشمها الأفعال المؤثرة من جانب المقاومة الباسلة في غزة العزة والصمود، والتي دفعت ثنائي الإجرام ترامب ونتن ياهو للبحث عن مخرج من الورطة والمأزق الكبير، الذي يتعرض بسَببِه جيش الكيان الصهيوني يوميًّا لعمليات تنكيل أحرجت المجرم النتن صاحب عملية (عربات جدعون)، وشريكه المجرم ترامب صاحب (أبواب الجحيم)، وبوابتها مؤسّسة غزة الإنسانية الأمريكية، التي عملت على نصب الفخاخ والشراك لإحراق الشباب الفلسطيني، لكنها لم تفلح فقد أحرقت (حجارة داوود) (عربات جدعون) النتنة، وأخمدت جحيم ترامب المستعرة.

وفوق كُـلّ ذلك جاء الرد اليمني الصاعقُ اليوم في العملية المشتركة بالصواريخ والطيران المسير باتّجاه الموانئ الصهيونية في الأراضي المحتلّة، ليسقط أية فرصة لدى ثنائي الجريمة ترامب ونتن ياهو لاستثمار العدوان الصهيوأمريكي على الموانئ اليمنية المدنية، بأنه أحدث إنجاز مطروح على طاولة نقاش هذَين المجرمين، وقد سبق هذا الرد تصدي الدفاعات الجوية اليمنية للطائرات الصهيوأمريكية بصواريخ منتجة ومطوَّرة محليًّا، وهذا التصدي الذي أربك الطائراتِ المهاجمةَ ومن شأنه أن يربك أَيْـضًا أجندة ثنائي الجريمة ترامب ونتن ياهو.