المولد النبوي الشريف.. فرحةُ الأُمَّــة وميدانُ تعرية المشكِّكين
مبارك حزام العسالي
كاتب يمني
لا يوجد حدث أعظم في تاريخ البشرية من مولد سيد الخلق، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي أضاء بنوره الوجود وأخرج الناس من الظلمات إلى النور. فهو المولود الذي غيّر مجرى التاريخ، وأنقذ الإنسانية من جاهليتها وضلالها، وجعل لها بوصلة الهداية والرحمة. ولذلك فإن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس مُجَـرّد عادة، بل هو إحياءٌ لمعنى الانتماء إلى الرسالة المحمدية، وتجديدٌ للولاء لمن بعثه الله رحمة للعالمين.
المولد.. ذكرى تربط الماضي بالحاضر
إن الاحتفال بهذه الذكرى العظيمة هو تأكيدٌ على أن الأُمَّــة ما زالت متمسكة بجذورها، معتزة بنبيها وقائدها وقدوتها. ففي زمنٍ تتكالب فيه الأمم على أُمَّـة الإسلام، يصبح التمسك بالمولد النبوي رسالة مقاومة حضارية، تقول: نحن أُمَّـة حية لا تموت، ورسالتنا باقية لا تندثر. وهو في الوقت ذاته مدرسة تربوية تغرس في النفوس حب النبي، وتحيي في القلوب الشوق إليه وإلى سيرته العطرة.
لماذا يعترضون على المولد؟
لقد دأب بعض الأصوات الناشزة على الطعن في الاحتفال بالمولد النبوي، متذرعين بحجج واهية كقولهم: “إنه بدعة”، أَو “لم يفعله الصحابة”، وغير ذلك من الترهات التي لا تصمد أمام ميزان العقل ولا روح الدين. وهؤلاء – في الغالب – إما أسرى ضيق فقهي جمد عند ظاهر النصوص، أَو أبواق لمشاريع سياسية تريد سلخ الأُمَّــة من رموزها الجامعة.
فالاحتفال بالمولد ليس عبادةً محدودة الركن حتى يُسأل: أين أمر الله بها؟ بل هو تعبير عن الفرح بنعمة الله الكبرى، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه كان يصوم يوم الاثنين، ويقول: “ذلك يوم وُلدت فيه”. أليس هذا دليلًا على مشروعية الفرح بمولده؟
ثم إن الأُمَّــة عبر قرونها لم تنظر للمولد على أنه بدعة ضلالة، بل جعلته مناسبة للتذكير بالسيرة، وتلاوة القرآن، وإطعام الطعام، وتوحيد الناس حول حب النبي. أليست هذه مقاصد سامية يباركها الدين ويحث عليها؟
الاحتفال بالمولد سلاح ضد الفرقة
المولد النبوي ليس مُجَـرّد طقس، بل هو مساحة جامعة للأُمَّـة، يجتمع فيها الكبير والصغير، الرجل والمرأة، العالم والعامي، على كلمة سواء: “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”. إن من يعادي هذه المناسبة العظيمة إنما يعادي وحدة الأُمَّــة، ويخدم – بوعي أَو بغير وعي – مشاريع التمزق والتفريق التي ينفخ فيها أعداء الإسلام.
تعرية دعاة الإنكار
إن من ينتقدون الاحتفال بالمولد، لا يقدمون بديلًا يجمع الأُمَّــة، بل يزرعون الشقاق ويفتحون الأبواب للفتنة. إنهم يخاصمون الفرح بالمصطفى، ويجعلون من الدين قيودًا ثقيلة بدلًا من كونه رحمة للعالمين. ولعل أخطر ما في خطابهم أنه ينسجم مع محاولات القوى الاستعمارية والصهيونية التي تريد قطع الأُمَّــة عن تاريخها ورموزها، حتى تسهل السيطرة عليها.
المولد.. إحياء للرسالة وتجديد للعهد
إن إحياء هذه الذكرى هو في جوهره تجديدٌ للعهد مع الله ورسوله، واستلهام لخطاب الهداية الذي جاء به النبي. فالاحتفال لا يتوقف عند الأناشيد والموالد، بل يتعداها إلى بعث روح التضحية، واستنهاض الهمم لمواجهة الباطل، وإحياء معاني الرحمة والعدل في الأُمَّــة.
ختامًا.. المولد النبوي الشريف ليس بدعة ولا ضلالًا، بل هو شعيرة جامعة تُذكّر الأُمَّــة بنبيها، وتُسقط الأقنعة عن كُـلّ من يتربص بوحدتها. إن الأُمَّــة التي لا تحتفل بنبيها، ولا تعتز بولادته، ولا تجدد العهد معه، أُمَّـة تُفرّط في أعظم هويتها. ومن هنا، فإن الاحتفال بالمولد النبوي هو إعلان حيّ بأن الأُمَّــة ما زالت وفية لرسالتها، متمسكة بقدوتها، متحدة حول رمزها الأكبر: محمد صلى الله عليه وآله وسلم.