الوحدة اليمنية بين الشعار والممارسة.. كيف كشفت ثورة 21 سبتمبر زيف الخطاب الوحدوي ومشروع تمزيق اليمن
الوحدة اليمنية بين الشعار والممارسة.. كيف كشفت ثورة 21 سبتمبر زيف الخطاب الوحدوي ومشروع تمزيق اليمن
تمثل الوحدة اليمنية أحد أهم الثوابت الوطنية لدى ثورة الـ21 سبتمبر المباركة، فهي ليست مجرد شعار أو حدود جغرافية، بل هي صمام أمان لاستقلال الدولة وقدرتها على اتخاذ القرار الوطني بعيدًا عن أي وصاية خارجية. هذه الرؤية لم تُصاغ كخطاب نظري، بل كإطار استراتيجي مترابط، يربط بين وحدة الأرض، وضمان سيادة القرار، وإدارة الموارد الوطنية بشكل يضمن أولاً مصالح الشعب اليمني، وثانياً القدرة على مواجهة أي تدخل خارجي. من هذا المنطلق، اعتبرت صنعاء منذ البداية أن الوحدة ليست قيمة مجردة، بل معيار عملي يقيس قوة الدولة ومصداقية القوى السياسية في حماية الأرض والشعب، وأن أي خطاب وحدوي لا يترجم إلى سيادة فعلية يبقى واجهة فارغة، سهلة التوظيف لمشاريع التفكيك والهيمنة.
ومع بدء العدوان الظالم على اليمن، الذي قادته السعودية والإمارات بدعم أمريكي وإشراف صهيوني، تحولت الوحدة من اختبار نظري إلى معيار كاشف للمواقف العملية. هنا انكشفت الحقيقة كاملة: قوى وأحزاب كانت تُعلن دفاعها عن الوحدة والسيادة، اختارت في الميدان الاصطفاف مع الخارج، والتحول إلى أدوات ومرتزقة يخدمون مشروع التقسيم وإلغاء وحدة البلاد بين الشمال والجنوب. هذا الانحراف لم يكن تكتيكًا عابرًا، بل استراتيجية تحالفية مستمرة، تكشف أن الخطاب الوطني كان مجرد غطاء، وأن الولاء الفعلي انتقل من الأرض والشعب إلى القوى الأجنبية. وهكذا، أصبحت الوحدة معيارًا عمليًا وواقعيًا يقيس المصداقية، حيث برزت ثورة 21 سبتمبر ليس فقط كحركة سياسية، بل كعامل كشف، يميز بين من يقف في صف السيادة ومن يتحول إلى جزء من مشروع العدوان وتفكيك الدولة اليمنية.
دعاة الوحدة وتسليم الجنوب لمليشيا الإمارات.
مع بدء العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي على اليمن في مارس 2015، ظهرت الولاءات الحقيقية لقوى سياسية طالما ادعت الدفاع عن الوحدة الوطنية. سيطرت مليشيات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا على المعسكرات والموانئ والمرافق الحيوية في عدن ولحج وأبين، وصولًا إلى القصر الرئاسي، بينما غابت مؤسسات الدولة المركزية عن أي دور فعلي. هذا الواقع مكن الإمارات من فرض نفوذها على الموارد وإدارة المؤسسات الحيوية، ضمن مشروع لتفكيك الدولة الوطنية.
برز التواطؤ السياسي والإعلامي من بعض قيادات حزب الإصلاح، الذين قدموا الغطاء السياسي للسيطرة الانفصالية وغطوا على توسع نفوذ المليشيات، واعتبروا وجودها “أمر واقع” لا يمكن تغييره. المواقف الإعلامية المعلنة لهذه القيادات أظهرت التناقض بين الخطاب الوحدوي والواقع الميداني، مؤكدة أن الولاء الفعلي كان مرتبطًا بمصالح خارجية، وليس بحماية الأرض والشعب.
المقاومة الوطنية في صنعاء، ممثلة بالجيش والقوات المسلحة والمكونات السياسية، تصدّت للمليشيات واستعادت مؤسسات الدولة، مؤكدين أن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعار إعلامي، بل ممارسة عملية تتطلب إرادة وطنية وحماية فعلية للسيادة أمام المشاريع الانفصالية.
الأثر الاجتماعي والاقتصادي للسيطرة الانفصالية كان مباشرًا، إذ أدى شلل المؤسسات إلى توقف الخدمات الأساسية، وتفاقم الأزمات المعيشية في الجنوب، ما كشف أن التفريط بالسيادة لا يضر الدولة فحسب، بل يمس حياة المواطنين، ويحوّل الجنوب إلى ساحة تنفيذية لمخططات خارجية، في وقت كان من المفترض أن يكون مركزًا للاستقرار والخدمات.
الدور السعودي والإماراتي في تفكيك اليمن وصمت المرتزقة
التحركات الإماراتية في الجنوب لم تقتصر على الدعم اللوجستي، بل شملت بناء مليشيات محلية خارج أي إطار مؤسسي للدولة، أبرزها المجلس الانتقالي، الذي أعلن عن نفسه رسميًا في مايو 2017 بعد سنوات من السيطرة على المعسكرات والموانئ والمرافق الحيوية. هذا المشروع الانفصالي جاء بعد تفكيك ممنهج لمؤسسات الدولة في عدن، وإخراج القرار الأمني والعسكري من يد أي سلطة يمنية جامعة، ما أتاح للإمارات تثبيت نفوذها على الأرض وتحويل الجنوب إلى ساحة تنفيذية لمصالحها.
في أغسطس 2019، تمكنت هذه المليشيات من السيطرة على القصر الرئاسي ومقرات الحكومة، وطردت ما يُسمّى بـ “الشرعية” بالقوة، مع غطاء إماراتي مباشر. خلال هذه الأحداث، بقيت بعض القوى السياسية المحلية، بما في ذلك قيادات حزب الإصلاح وأتباع الهالك عفاش، صامتة، أو قدمت غطاءً سياسيًا وإعلاميًا، ما ساعد في تمرير السيطرة الانفصالية دون أي مواجهة فعلية، وأكد أن الولاء لبعض هذه القوى كان مرتبطًا بمصالح خارجية أكثر من الولاء للوطن.
على الجبهة الشرقية، دعمت السعودية إنشاء قواعد نفوذ موازية للسلطة الرسمية في المهرة وحضرموت، وسيطرت على الموانئ والمطارات والمنافذ البرية دون أي تفويض وطني. هذه السيطرة الأمنية والاقتصادية عززت من نفوذ التحالف، بينما صمت المرتزقة المحليون أتاح استمرار الهيمنة على الأرض، مما جعل المشروع الانفصالي والاستيطاني قابلًا للتطبيق عمليًا ومستمرًا على المدى الطويل.
نتيجة هذه التدخلات كانت خلق واقع متكامل لتفكيك الدولة، حيث أصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية تحت السيطرة الأجنبية بشكل فعلي، مع أدوات محلية صامتة أو متواطئة. الممارسات اليومية أثبتت أن الخيانة للوحدة الوطنية لم تعد مجرد شعارات، بل واقع ملموس، يظهر في تعطيل مؤسسات الدولة وفرض نفوذ خارجي على القرار السياسي والأمني والاقتصادي.
21 سبتمبر والوحدة الوطنية كمشروع يرفض التفكيك
ثورة 21 سبتمبر أرست تعريفًا عمليًا للوحدة الوطنية باعتبارها مشروع سيادة واستقلال قرار، لا مجرد شعارات مكتوبة على الورق. منذ بداية العدوان، أكدت صنعاء أن أي تدخل خارجي أو محاولات لتقسيم اليمن لن تمر، وأن حماية الأرض والموارد والسيادة الوطنية هي المعيار الفعلي للوحدة.
على الأرض، تمسكت الثورة بالمؤسسات الوطنية الموحدة في المناطق غير المحتلة، ورفضت أي ترتيبات سياسية أو أمنية تقلل من سلطة القرار الوطني أو تخضعه لمصالح قوى خارجية. في الوقت نفسه، كانت مليشيات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيًا تسيطر على الجنوب والشرق، بينما أكدت بيانات قيادة 21 سبتمبر الرسمية أن أي حل سياسي يجب أن يقوم على وحدة الأرض وسيادة الدولة، وأن التفريط بالسيادة خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
الأحداث في عدن، شبوة، أبين، المهرة وحضرموت أظهرت بوضوح أن كل توسع لمليشيا الإمارات وكل نفوذ سعودي على المنافذ الاقتصادية قابل للمواجهة الوطنية. موقف الثورة كان ثابتًا: رفض التفكيك، حماية السيادة، وضمان أن مشروع الوحدة الوطنية يبقى خيارًا شاملًا لكل اليمنيين، لا للتجزئة ولا للتنازل عنه.
هذا الموقف العملي للثورة رسّخ الوحدة كمشروع وطني حقيقي، يقيس مصداقية القوى السياسية على الأرض، ويثبت أن الدفاع عن الدولة الموحدة يتطلب إرادة وطنية فعلية، مواجهة مباشرة للعدوان، واستعادة المؤسسات، بعيدًا عن الشعارات الزائفة والغطاء الإعلامي للمرتزقة.
الوحدة الوطنية معيار السيادة والاستقلال
ثورة 21 سبتمبر أثبتت أن الوحدة الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع إعلاميًا، بل مقياس حقيقي لمصداقية القوى السياسية وقدرتها على حماية الأرض والشعب والسيادة الوطنية. الوقائع أظهرت أن القوى التي تعاونت مع العدوان السعودي الإماراتي الأمريكي أو قدمت الغطاء للمليشيات الانفصالية لم تكن مجرد غافلة عن مسؤوليتها، بل خالفت إرادة الشعب واستُخدمت كأدوات لتفكيك الدولة.
في المقابل، أكدت صنعاء أن الحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية ممكن عبر إرادة وطنية صادقة وجهد مستمر لحماية مؤسسات الدولة. الوحدة الوطنية ليست شعارًا يُتداول في البيانات، بل ممارسة فعلية تتطلب مواجهة التدخلات الخارجية، استعادة الأرض، وضمان سيادة القرار الوطني على كامل التراب اليمني.
ختامًا، يؤكد هذا التقرير أن مشروع الوحدة هو خط الدفاع الأول عن الدولة، وأن أي خطاب وحدوي لا يترجم إلى حماية فعلية للمؤسسات والموارد هو واجهة زائفة تُستخدم لتنفيذ أجندات خارجية. قوة الوطن الحقيقية تُقاس بالوفاء لمبادئ السيادة والوحدة، وليس بالشعارات الفارغة، وأن اليمن قادر على مواجهة أي محاولات لتقسيمه طالما هناك إرادة وطنية صادقة وحماية فعلية للقرار الوطني.
موقع 21 سبتمبر.