ثلاثة عناوين هامة ومفصلية للحفاظ على الهوية الإيمانية وبناء الإنسان


في مناسبة الهوية الإيمانية اليمنية ، عيد جمعة رجب في العام 1442هــ، ألقى السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، خطابًا مهمًا حمل في مضمونه رؤية شاملة للهوية الإيمانية، وقدّم من خلاله دروسًا فكرية وتربوية تلامس جوهر معاناة الإنسان المعاصر وأزماته النفسية والقيمية، وأعاد الاعتبار للإيمان بوصفه مشروع حياة متكامل، لا عبئًا ثقيلًا، ولا قيدًا على الإنسان، بل ضرورة وجودية لا تستقيم الحياة بدونها، وأساسًا لبناء الفرد والمجتمع، ومعيارًا حاسمًا للربح والخسارة في الدنيا والآخرة، 

تقرير / طارق الحمامي

الإيمان ضرورة إنسانية لا عبئًا إضافيًا
ركز السيد القائد في مستهل حديثه عن الهوية الإيمانية على تصحيح المفهوم الخاطئ الذي ينظر إلى الإيمان باعتباره عبئًا يقيّد الإنسان أو يضيّق عليه حياته، وأكد أن هذه النظرة لا تعكس الحقيقة، بل تعبّر عن فهم مغلوط لطبيعة الإيمان ودوره في حياة الإنسان، وبيّن أن الإيمان في حقيقته حاجة إنسانية أساسية، لأنه السبيل الوحيد لتحقيق ما يتطلع إليه كل إنسان، وهي الحياة الطيبة. مستشهداً بالآية الكريمة في قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}، ليؤكد أن الحياة الطيبة ليست وعدًا نظريًا، بل نتيجة حتمية للإيمان والعمل الصالح.
وأوضح السيد القائد، أن البديل عن الحياة الطيبة هو الشقاء، وأن الإنسان، بفطرته يرفض الشقاء، ويسعى إلى الطمأنينة والرضا والاستقرار النفسي، ومن هنا، فإن الإيمان ليس ترفًا فكريًا، بل شرطًا أساسيًا لصلاح الحياة.
كما شدد السيد القائد على أن الإيمان يربط الإنسان بالله سبحانه وتعالى، فيشعر الإنسان من خلال هذه الصلة بأنه ليس وحيدًا في مواجهة تحديات الحياة، بل مستند إلى ربٍ رحيم، قادر، كريم، بيده الخير كله، وهذه الصلة ليست شعورًا وهميًا، بل علاقة حقيقية تنعكس في واقع الإنسان، وتمنحه الطمأنينة والثقة والرجاء.

الإيمان وبناء الإنسان المتوازن نفسيًا وأخلاقيًا
انتقل السيد القائد إلى الحديث عن الأثر العميق للإيمان في بناء الإنسان من الداخل، مؤكدًا أن أول متطلبات الحياة الطيبة هو السلام النفسي والاتزان الداخلي، وأوضح أن الإنسان إذا تحرك في حياته منسجمًا مع فطرته الإنسانية، وملتزمًا بتوجيهات الله الحكيمة، فإنه يعيش حالة من الرضا والطمأنينة، بينما يؤدي الانحراف عن الإيمان إلى صدام داخلي مع الفطرة، ينعكس في صورة قلق نفسي، وشعور دائم بالذنب، واضطراب وجداني.
وأشار السيد القائد إلى أن كثيرًا من الناس يسعون وراء السعادة من خلال أوهام زائفة، كالإفراط في المتع والشهوات، أو التحرر من الضوابط الأخلاقية، لكن هذه المسارات لا تقود إلا إلى مزيد من الشقاء، وتراكم الهموم، وفقدان المعنى الحقيقي للحياة.
وربط السيد القائد بين الانحراف عن الإيمان وتفشي الجريمة في المجتمعات، مؤكدًا أن الجرائم بمختلف أشكالها،  الأخلاقية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية،  هي نتيجة مباشرة لانهيار القيم والسمو الروحي. فالإيمان، بما يحمله من منظومة أخلاقية وقيمية، يشكّل السياج الحقيقي الذي يحمي المجتمع من الفساد والانحراف.
وبيّن أن المجتمع الذي يبني حياته على أساس الإيمان هو مجتمع تسوده الألفة، والتعاون، والاحترام المتبادل، بينما المجتمعات التي تبتعد عن الإيمان، مهما امتلكت من قوانين وأنظمة، تظل عرضة للانهيار من الداخل.

الإيمان معيار الربح والخسارة في الدنيا والآخرة
في هذا العنوان، قدّم السيد القائد قراءة دقيقة لمفهوم الربح والخسارة، مؤكدًا أن الإنسان بطبيعته يسعى للربح، لكنه كثيرًا ما يخطئ في تحديد معاييره، وأوضح أن هناك من يظن نفسه رابحًا حين يجمع المال بطرق محرمة، أو يصل إلى المناصب عبر الظلم، أو يضحّي بالقيم مقابل مكاسب آنية، لكن هذه الأرباح، في ميزان الحقيقة، تافهة وضئيلة، إذا ما قيست بالخسائر الكبرى التي تترتب عليها، وعلى رأسها خسارة الصلة بالله.
وأكد السيد القائد أن أعظم خسارة يمكن أن يتعرض لها الإنسان هي فقدان علاقته بالله، لأن هذه الخسارة تجرّ معها فقدان الطمأنينة، والشقاء النفسي، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، حتى وإن بدا الإنسان ناجحًا في نظر الآخرين.

وفي المقابل، يقدّم الإيمان بوصفه الخيار الرابح بلا خسارة، مستشهدًا بالآيات القرآنية التي تحسم القضية بوضوح، في قوله سبحانه وتعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ}، ليؤكد أن الفلاح الحقيقي محصور في الإيمان والعمل الصالح، كما شدد السيد القائد على أن باب الإيمان مفتوح للجميع، دون تمييز بين ذكر وأنثى، أو بين غني وفقير، أو بين صاحب جاه ومحروم، ما يجعل الخيار الإيماني الخيار الأعدل والأشمل، والمتاح لكل إنسان أراد الخير لنفسه.

ختاماً 
يقدّم السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله، في جمعة رجب 1442هـ في إطار رؤيته العميقة للهوية الإيمانية،  تعريف معنى الحياة الطيبة، ويضع الإيمان في موقعه الحقيقي كحاجة إنسانية، وأساس لبناء النفس والمجتمع، ومعيار للفلاح والخسارة.
ويؤكد أن الإيمان ليس قيدًا ولا حرمانًا، بل طريق السعادة الحقيقية، وأن كل مسار آخر، مهما بدا مغريًا، ينتهي بخسارة الإنسان لنفسه ومستقبله.
وبذلك، فإن خطاب السيد القائد هو دعوة واعية لإعادة بناء الوعي، وحسم الخيار، والعودة إلى الإيمان بوصفه الطريق الآمن للحياة الطيبة في الدنيا، والفوز الأبدي في الآخرة.

 

 

يمانيون.