الإمام علي عليه السلام واليمنيون.. قصة حب بدأت بدعوة وانتهت بـ “ادخلوا بسلام”


محسن علي

في كل عام، يحيي اليمنيون ذكرى “جمعة رجب” كرمز للتحول العظيم الذي طبع هويتهم الإيمانية في يوم الولاء الخالد, إنه اليوم الذي شهد دخول أهل اليمن في الإسلام طواعية، على يد رجل اختاره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه المهمة الجليلة وهوالإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام), هذه العلاقة أصبحت عهداً خالداً، توثق بدم الولاء، وتجسدت في قصيدة شعرية أبدية، جعلت من اليمنيين أهل الجنة بلسان الإمام نفسه: ولو كنت بواباً على باب جنة.. لقلت لهمدان ادخلوا بسلام هذه الكلمات كشفت سر هذا الارتباط الروحي والوجداني الذي لا يزال يشكل جوهر الهوية اليمنية الأبية والمقاومة والمجاهدة والصامدة وسر الانتصار الكبير لمحور الجهاد بشكل عام.

 

جمعة رجب.. يوم العهد الإيماني لمبعوث النبوة

في السنة العاشرة للهجرة، أرسل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى اليمن داعياً إلى الإسلام، بعد أن لم تنجح البعثات السابقة في تحقيق المهمة المطلوبة, لذا فقد كانت مهمة الإمام علي مختلفة، فقد اعتمد على الحكمة والبيان، مستخدماً أسلوباً سلمياً يخاطب العقول والقلوب.

وصل الإمام علي (ع) إلى اليمن وتحديدا في العاصمة صنعاء بالقرب من الجامع الكبير، وجمع أهلها في سوق يسمى بسوق الحلقة، وقرأ عليهم كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم ألقى فيهم كلمة بليغة, فكانت النتيجة مذهلة وتاريخية؛ ففي يوم واحد، هو يوم الجمعة من شهر رجب، أعلنت قبيلة همدان، وهي من أكبر وأعرق القبائل ، إسلامها بالكامل، وتبعها سائر أهل اليمن, وقد سُجلت فرحة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الحدث العظيم، حيث رفع يديه الشريفتين إلى السماء وقال: السلام على همدان، السلام على همدان, هذا التحول السريع والجماعي لم يكن ليتم لولا الكاريزما الروحية للإمام علي (ع)، وقدرته على مخاطبة الفطرة الإيمانية العميقة لدى اليمنيين, فكيف لا وهو باب مدينة علم رسول الله صلوات الله عليه وآله.

 

الإمام علي (ع) واليمن.. علاقة حب وولاء

لم تقتصر علاقة اليمنيين بالإمام علي (ع) على لحظة الدعوة، بل تحولت إلى ولاء مطلق وعضد قوي في مسيرته بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحتى اليوم حيث يعد التولي للإمام علي عليه السلام أحد أهم أسس المسيرة القرآنية المظفرة, فلقد وقف اليمنيون، وعلى رأسهم قبيلة همدان، إلى جانب الإمام علي (ع) في أحلك الظروف، وكانوا عماد جيشه في معارك الجمل وصفين والنهروان ضد القاسطين والمارقين والناكثين.

اشتهر اليمنيون، وخاصة همدان، بشجاعتهم وبسالتهم في القتال تحت راية الإمام علي (ع)، حتى أنهم شكلوا جزءاً أساسياً مما عُرف بـ شرطة الخميس، وهم خيرة أصحابه الذين عاهدوه على الموت, وقد قال الإمام علي (ع) فيهم مقولته الشهيرة التي تظهر عمق محبته لهم:

لو كنت بواباً على باب جنة.. لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

هذه المقولة ليست مجرد ثناء، بل هي .

 

“ولو كنت بواباً على باب جنة..”: قصة القصيدة ودلالاتها

تُعد قصيدة الإمام علي (ع) في مدح همدان من أروع ما قيل في الشعر العربي، واعتبرت شهادة نبوية على صدق إيمانهم ووفائهم، وتأكيد على مكانتهم الخاصة في قلبه, وقد جاءت بعد أن رأى شجاعتهم وثباتهم في معركة صفين, وتُروى القصيدة وبجانبها أبيات مختلفة ومنها:

“همدان أحسن جنود الله كلهم.. ما إن يهابون يوماً فيه طعن ” لكن أشهرها وأكثرها تداولاً هي القصيدة الشعرية التي مطلعها ” ولما رأيت الخيل تقرع بالقنا” والذي ربط أواخرها بمصيرهم إلى الجنة وتناقلتها مصادر التاريخ على النحو التالي:

وَلَمّا رَأَيتُ الخَيلَ تَقرَعُ بِالقَنا

فَوارِسها حُمرُ العُيونِ دَوامي

وَأَقبَلَ رَهجٌ في السماءِ كَأَنَّه

غَمامَةُ دَجنٍ مُلبَسٍ بِقُتامِ

وَنادى اِبن هِندٍ ذا الكِلاعِ وَيَحصُباً

وِكِندَةَ في لَخمٍ وَحَيِّ جُذامِ

تَيَمَّمتُ هَمدانَ الَّذينَ هُمُ هُمُ

إِذا نابَ أَمرٌ جُنَّتي وَحُسامي

وَنادَيتُ فيهِم دَعوَةً فَأَجابني

فَوارِسُ مِن هَمدانَ غَيرُ لِئامِ

فَوارِسُ مِن هَمدانَ لَيسوا بُعُزَّلٍ

غُداةَ الوَغى مِن شاكِرٍ وَشبامِ

وَمن أَرحَبَ الشَمَّ المطاعينَ بِالقَنا

وَرَهُمٌ وَأَحياءُ السَبيعِ وَيامِ

وَمِن كُلِّ حَيٍّ أَتَتني فَوارِسٌ

ذوُو نَجَداتٍ في اللِقاءِ كِرامِ

بِكُلِّ رَدينيٍّ وَعَضبٍ تَخالُهُ

إِذا اِختَلَفَ الأَقوامُ شَعَلَ ضِرامِ

فَخاضوا لَظاها وَاصطَلوا بِشَرارِها

وَكانوا لَدى الهَيجا كَشَربِ مُدامِ

جَزى اللَهُ هَمدانَ الجِنانَ فإِنَّهُم

سِمامُ العِدى في كُلِّ يَومٍ خِصامِ

لِهَمدانَ اَخلاقٌ وَدينٌ يَزينهُم

وَلينٌ إِذا لاقوا وَحُسنُ كَلامِ

وَجَدٌّ وَصِدقٌ في الحُروبِ وَنَجدَةٌ

وَقَولٌ إِذا قالوا بِغَيرِ إِثامِ

مَتى تَأتِهِم في دارِهِم لِضيافَةٍ

تَبِت عِندَهُم في غِبطَةٍ وَطَعامِ

أَلا إِنَّ هَمدانَ الكِرامَ أَعِزَةٌ

كَما عَزَّ رُكنُ البَيتِ عِندَ مَقامِ

أَناسٌ يُحِبّونَ النَبيَّ وَرَهطَهُ

سِراعٌ إِلى الهَيجاءِ غَيرَ كَهامِ

فَلو كُنتَ بَوّاباً عَلى بابِ جَنَةٍ

لَقُلتُ لِهَمدانَ اِدخلوا بِسلامِ

هذه القصيدة، التي أصبحت جزءاً من التراث اليمني، تعكس نظرة الإمام علي (ع) إلى اليمنيين كقوة إيمانية لا تُقهر، وأن ولاءهم له هو امتداد لولائهم لله ورسوله, وتمنح اليمنيين شعوراً بالفخر والاعتزاز بهويتهم الإيمانية التي تأسست على يد أمير المؤمنين وسيد الوصيين(عليه السلام), وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -سلامُ الله عليه-، مُخاطباً أهل اليمن في يوم صفين: يا معشر همدان أنتم درعي ورمحي” فقد كان يرى في أهل همدان قوة وعونًا له، وكان يعتمد عليهم كثيرًا، وتظهر هذه العلاقة في كلمات الثناء والدعم المتبادل، حيث كان يلقبهم بـ “درعه وسلاحه”  وما زالوا مذ ذك الزمان حتى عصرنا هذا، درع الإمام ورمح الأمة في وجه الطواغيت والمستكبرين , بقيادة حفيده الكرار السيد العلم القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله.

 

الولاء المتجدد.. اليمنيون اليوم في خندق الإمام علي

الإرتباط التاريخي العظيم بين أهل اليمن والإمام علي, ليس وليد اللحظة أو مجرد ذكرى, وإنما منهج حياة وتأسٍ واقتداء واهتداء جسدته وتوارثته الأسر اليمنية كابرا عن كابر وجيل بعد جيل في صور جسدت أسمى معاني الحب والإنتماء والولاء والعشق الذي لا ينتهي من خلال تخليد اسم الإمام “علي” وزوجه “فاطمة الزهراء عليها السلام” وابنيهما الإمامين الحسن والحسين”, وإطلاق هذه التسميات على المواليد الأطفال والإناث” تيمناً بمحبة أهل بيت رسول الله ومودة لهم, إذ لا تكاد تخلوا أي أسرة من التشرف بهذا الشرف السامي, فاليمنيون اليوم، وهم يواجهون العدوان والحصار والمشروع الصهيو-أمريكي، يجددون هذا العهد الإيماني في كل موقف, وإن وقوفهم الثابت في نصرة فلسطين وغزة، وتصديهم للمحتل، هو امتداد طبيعي لولائهم للإمام علي (ع) الذي كان شعاره نصرة الحق ومحاربة الظلم لتكون كلمة الله هي العليا, وكلمة الذين كفروا السفلى.

 

تظل جمعة رجب نقطة انطلاق وينبوع متدفق، تؤكد أن الهوية الإيمانية اليمنية هي ولاء وهوية جهاد ووعي وبصيرة وتحرك وثقة بالله وتوكل عليه، وأن اليمنيين، كما كانوا في عهد الإمام علي (ع)، هم اليوم في طليعة من يدافع عن كرامة الأمة وعزتها، مجسدين بذلك المعنى الحقيقي لقوله: ادخلوا بسلام“, والمرحلة تقول في زمن كشف الحقائق ” أن لا من يتولى الله ورسوله والإمام علي والذين آمنوا فسيتولى أمريكا وإسرائيل وأولياء الشيطان”.

 

 

يمانيون.