كيّ الوعي الصهيوني.. من هندسة الهزيمة في العقول إلى انكسار الأسطورة في ميدان المواجهة


تقرير – أحمد قحيم

ليست الحرب التي يشنّها العدو الصهيوني على أمتنا حربَ دباباتٍ وصواريخ فحسب، بل هي قبل ذلك وأخطر منه حربٌ على العقول، وإدارةٌ منهجية للهزيمة النفسية، ومحاولة دؤوبة لاغتيال الوعي الجمعي، وتحويل الشعوب من فاعلٍ تاريخي إلى كائنٍ مذعور، ومن صاحب حقٍّ إلى متسوّل بقاء.
ومنذ البدايات الأولى للمشروع الصهيوني، أدرك العدو أن السيطرة على الأرض لا تكتمل إلا بعد السيطرة على الوعي، وأن إخضاع الشعوب يبدأ من تفكيك ثقتها بذاتها، وتشويه بوصلتها، وزرع قناعة العجز واليأس في وجدانها.

هذا التقرير يفتح ملف كيّ الوعي الصهيوني بوصفه سلاحًا مركزيًا في معركة الأمة، ويشخّص أدواته وشواهده، ثم ينتقل إلى الرؤية القرآنية بوصفها الطريق الوحيد للتحرّر من هذا القيد الذهني، والانتصار في معركة الوعي كما في معركة الميدان.


 كيّ الوعي كسلاح استراتيجي

الحرب النفسية: الوجه الخفي للحرب الشاملة

الحرب النفسية، أو ما يُعرف في لغة العصر بـ«حرب الأعصاب» و«حرب الدعاية»، ليست طارئة على التاريخ، لكنها في العصر الحديث تحوّلت إلى علمٍ قائم بذاته، وجزء لا يتجزأ من العقائد العسكرية الكبرى.. وقد بلغت ذروتها خلال الحرب الباردة، حين أدركت القوى العظمى أن كسر إرادة الخصم يسبق كسر جيوشه.

هذه الحرب تبلغ أعلى درجات فاعليتها حين تتوافر ثلاثة شروط:

  1. آلة إعلامية ضخمة تمتلك القدرة على الضخّ والتكرار.

  2. ضعف الوعي التاريخي والسياسي لدى الشعوب المستهدفة.

  3. هشاشة الانتماء العقدي والفكري وغياب الاستعلاء الإيماني.

وهي الشروط ذاتها التي سعت الصهيونية، بدعم أمريكي وغربي، إلى ترسيخها في واقع الأمة.

الصهيونية والسيطرة على الوعي

منذ نشأتها، تعاملت الحركة الصهيونية مع الوعي بوصفه ساحة معركة أولى.. فقبل الاحتلال العسكري، جرى احتلال الرواية:

  • إلغاء الوجود الفلسطيني من التاريخ والجغرافيا.

  • تسويق كذبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».

  • تصوير الصهيوني كضحية أبدية، والفلسطيني كـ«إرهابي».

ومع قيام الكيان الغاصب، تحوّلت هذه الدعاية إلى عقيدة عسكرية، تُدار على مستوى الدولة، وتُدمج في التخطيط الأمني والعسكري جنبًا إلى جنب مع القوة النارية.


إحصاءات وشواهد.. من الدعاية إلى كيّ الوعي المنهجي

جذور كيّ الوعي في المشروع الصهيوني

لم تكن مجازر العصابات الصهيونية في دير ياسين والطنطورة وغيرها أحداثًا عشوائية، بل كانت رسائل نفسية محسوبة، هدفها بثّ الرعب، ودفع الفلسطيني إلى الرحيل القسري. تلا ذلك استثمار «الهولوكوست» كأداة ابتزاز أخلاقي عالمي، مكّنت العدو من احتكار موقع الضحية، وتبرير كل جرائمه تحت عنوان كاذب هو «الدفاع عن النفس».

إعلان عقيدة “كيّ الوعي”

مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، أعلن رئيس أركان العدو الإسرائيلي آنذاك “موشيه يعلون” رسميًا اعتماد عقيدة كيّ الوعي، بهدف ترسيخ قناعة لدى الفلسطينيين بأن المقاومة عبثٌ لا طائل منه.
ومنذ ذلك الحين، أُنشئت أجهزة متخصصة، أبرزها “مركز عمليات الوعي” (MALAT) التابع لاستخبارات العدو العسكرية، لإدارة الحرب النفسية عبر:

  • الشائعات الممنهجة.

  • الحملات الإعلامية السوداء.

  • الهجمات السيبرانية.

  • اختراق الفضاء الرقمي.

حين تتحول الحرب النفسية إلى صناعة منظّمة

لم تبقِ المؤسسة الصهيونية حرب الوعي في إطار التنظير، بل حوّلتها إلى صناعة أمنية متكاملة تُدار بميزانيات ضخمة وأذرع عسكرية وإعلامية واستخباراتية. وفي هذا السياق، أنشأ جيش العدو الإسرائيلي مركزًا متخصصًا تحت مسمى “عمليات تشكيل الوعي”، يعمل بشكل مباشر على تغيير المواقف والمشاعر والسلوكيات لدى الجماهير في الدول والمجتمعات المستهدفة، عبر أدوات الدعاية والحرب النفسية والخداع المنهجي.

ويعتمد هذا المركز على حزمة واسعة من الوسائل، من بينها:

  • بث منشورات ورسائل تشكّك بشرعية المقاومة وتروّج للتعاون مع العدو.

  • السيطرة أو التشويش على محطات إذاعية وتلفزيونية محلية في ساحات الصراع.

  • استخدام مكالمات آلية ورسائل مباشرة تستهدف المدنيين نفسيًا.

  • نشر صور ورموز دعائية مدروسة تهدف إلى خفض منسوب الثقة بالمقاومة وضرب الروح المعنوية للجمهور.

وفي دراسة ميدانية رصدت حملات الدعاية الصهيونية الموجّهة نحو الجمهور الفلسطيني خلال جولات العدوان على غزة، كشف مركز الجزيرة للدراسات عن خريطة مصادر التأثير في الحرب النفسية، حيث تصدّر المشهد:

  • وزراء متشددون في حكومة العدو الإسرائيلي بنسبة تأثير بلغت 19%.

  • وحدة المتحدث العسكري بنسبة 18%.

  • اللجان الإلكترونية المرتبطة بالاستخبارات والخارجية بنسبة 15%.

  • جهاز “الهاسبارا” الدعائي بنسبة 14%.

أما على مستوى التأثيرات المباشرة، فقد أظهرت نتائج الاستبيانات أن:

  • 61% من المشاركين رأوا أن الدعاية الصهيونية تستهدف التشكيك بمشروعية المقاومة.

  • 58.54% اعتبروا أنها تُحدث صراعًا فكريًا وهوياتيًا داخل المجتمع الفلسطيني.

  • 48.78% أشاروا إلى دورها في تهديد وحدة النسيج الاجتماعي وإثارة الانقسامات الداخلية.

ولا تقلّ الأرقام المالية دلالة عن النتائج الميدانية؛ إذ تشير تقارير وتحقيقات إعلامية إلى أن العدو الإسرائيلي واللوبيات الصهيونية أنفقوا نحو 900 مليون دولار فقط لمحاربة حركة المقاطعة (BDS) خلال سنوات، فيما تُقدَّر ميزانية وزارة الشؤون الاستراتيجية الصهيونية، المشرفة على جانب من حملات الدعاية، بحوالي 70 مليون دولار سنويًا.
كما وثّقت منظمات حقوقية أكثر من ألف حالة رقابة وحذف محتوى داعم لفلسطين على منصات التواصل خلال فترة قصيرة، في مؤشر واضح على حجم المعركة الدائرة للسيطرة على السرد والوعي عالميًا.

هذه المعطيات تؤكد أن الحرب النفسية وعمليات كي الوعي ليست نشاطًا دعائيًا عابرًا، بل جبهة مركزية في العقيدة الصهيونية، يُراد منها إعادة تشكيل الوعي، وزعزعة الثقة بالذات، وخلق أسئلة هوية قاتلة داخل المجتمعات المستهدفة، تمهيدًا لإخضاعها سياسيًا وأخلاقيًا.

غزة والضفة: مختبر الحرب النفسية

في غزة، اعتمد العدو سياسة الصدمة والرعب: إبادة جماعية، تدمير شامل، حصار وتجويع، بهدف كسر الحاضنة الشعبية للمقاومة.
وفي الضفة، اتّبع أسلوب الاستنزاف اليومي: مصادرة أراضٍ، اعتقالات، استيطان، لإبقاء المجتمع في حالة إنهاك دائم.

وخلال العدوان الأخير، بلغت هذه السياسة ذروتها مع:

  • إسقاط منشورات تهديدية.

  • رسائل هاتفية جماعية.

  • بثّ أصوات مرعبة عبر المسيّرات.

  • شيطنة المقاومة إعلاميًا عالميًا.

توسيع الجبهة النفسية: لبنان ومحور المقاومة

امتدت الحرب النفسية إلى لبنان، عبر:

  • رسائل تحذيرية واختراق الاتصالات.

  • هجمات سيبرانية نوعية.

  • سياسة اغتيالات تستهدف البنية القيادية.

لكن النتائج جاءت معاكسة تمامًا: فبدل انهيار محور المقاومة، تماسك، وأعاد بناء نفسه، وفرض معادلات جديدة.

انقلاب المعادلة: كيّ الوعي يرتدّ على الصهاينة

المفارقة الكبرى أن هذه الاستراتيجية، التي نجحت جزئيًا في مراحل سابقة، انهارت اليوم.. فقد أثبتت المقاومة الفلسطينية أن:

  • الكيان ليس محصنا بشكل كامل وأسقطت أكذوبة أنه لا يقهر.

  • التفوق التكنولوجي لا يصنع أمنًا.

  • الهجرة المعاكسة داخل المجتمع الصهيوني هي المؤشر الأوضح على انكسار الوعي الصهيوني.


 الرؤية القرآنية للمعالجة.. من الهزيمة النفسية إلى النصر

القرآن: كاشف العدو وهادِي المواجهة

الرؤية القرآنية ليست توصيفًا أخلاقيًا للعدو، بل خارطة صراع كاملة.. فالقرآن كشف طبيعة اليهود النفسية والعسكرية: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى…}
{لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ…}

وبيّن أنهم:

  • جبناء عند المواجهة.

  • مفككون داخليًا.

  • لا يوفون بعهود.

تشخيص الشهيد القائد: أصل الهزيمة

أكد الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه أن المشكلة ليست في قوة العدو، بل في تفريط الأمة بالقرآن، وفقدانها الثقة بالله ورسوله، وتحويل القرآن إلى كتاب تلاوة لا كتاب مواجهة.

الهزيمة كما أوضج الشهيد القائد رضوان الله عليه، نفسية قبل أن تكون عسكرية، وسببها:

  • الابتعاد عن المنهج القرآني.

  • تشويه سيرة الرسول كقائد.

  • قبول الإسرائيليات والروايات المضللة.

السيد القائد: المنهج القرآني هو طريق التحرير

يشدد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- على أن:

  • القرآن كشف كل نقاط ضعف العدو.

  • تسلّط العدو هو عقوبة على تفريط الأمة.

  • النصر مشروط بالاعتصام بحبل الله، ووحدة القيادة، والتحرك الإيماني.

وأن أي مواجهة لا تنطلق من رؤية قرآنية محكوم عليها بالفشل، مهما امتلكت من عتاد.


معركة وعي وهوية وإرادة

إن معركة الأمة اليوم ليست معركة حدود فحسب، بل معركة وعي وهوية وإرادة.
وكيّ الوعي الصهيوني، الذي راهن عليه العدو طويلًا، بدأ يتهاوى أمام وعي المقاومة، وعودة الأمة إلى القرآن، واصطفافها حول خيار الجهاد.
وحين تنتصر الأمة في معركة الوعي، يصبح سقوط الكيان الغاصب وزواله تحصيل حاصل، فهو وعدًا إلهيًا وأمرًا حتميًا لا ريب فيه.

موقع21 سبتمبر.