من المساعدة إلى التجسس .. الوجه الخفي للمنظمات المشبوهة


لم يعد الحديث عن اختراق المنظمات الدولية، مجرد جدل سياسي أو رؤية مشكّكة في العمل المدني العابر للحدود، بل أصبح حقيقة واضحة أكدتها تحقيقات دولية، ووثائق أممية، وتقارير حقوقية تكشف أن جزءًا من هذه المنظمات لم يعد يتحرك بدافع إنساني، بل يخدم أجندات استخباراتية لدول الهيمنة العالمية، لقد تحولت بعض المنظمات إلى أدوات حرب ناعمة، تتخذ من مفاهيم مثل ’’حقوق الإنسان’’ و’’تمكين المرأة’’ و’’الحرية الفردية’’ ، غطاءً لتغيير البُنى الاجتماعية والثقافية داخل الدول المستهدفة، وتوجيه المجتمعات نحو مسارات تفكك هويتها وتماسكها، بما يخدم مصالح القوى الكبرى.

تقرير / طارق الحمامي

 

منظمات ضمن خرائط النفوذ

أُنشئت المنظمات غير الحكومية لتقوم بأدوار في ظاهر عملها إنسانية، لكن مع مرور الوقت، وخصوصًا منذ العقدين الأخيرين، بدأت دوائر صنع القرار في قوى الهيمنة والاستكبار تدير وفق الأهداف التي أنشأت لأجله كأذرع تمدّد ناعم تُحدث الأثر من الداخل دون صخب، ودون الحاجة لوجود عسكري أو تدخل مباشر، هذا التحول لم يكن عشوائيًا، بل مبرمجًا، من خلال ضخ تمويل ضخم مشروط موجَّه نحو برامج تحمل غايات سياسية وثقافية، ونشر قيم بعينها تتعارض مع هوية كثير من الشعوب، تحت عنوان التحرر والتمكين، واستغلال قضايا حساسة مثل المرأة والطفل واللاجئين لتسهيل الوصول إلى المجتمعات، وتجنيد كوادر محلية لتمرير الأجندة من الداخل بحيث تبدو المطالب محلية رغم أن جذورها خارجية استخبارية بحتة .

ما تكشفه التجارب في أفريقيا  من أوغندا وكينيا والنيجر ودول أخرى دخلها العدو من بوابة المنظمات الدولية، يؤكد أن التحذير من اختراق المنظمات ليس نظرية، بل واقع فيه حالات مثبتة، بعض المنظمات، سواء مموّلة من جهات حكومية أو خاصة، استغلت الحاجة الإنسانية لترويج أجندات سياسية واستخبارية، للسيطرة على مجتمعات هشّة،

وهكذا يفقد العمل الإنساني معناه، ويتحوّل إلى شبكة ضغط تحمل اسم الاستخبارات الاجتماعية، حيث يتم جمع المعلومات، وبناء النفوذ، وتوجيه الذوق العام، وصياغة الوعي، وصناعة رأي عام مصمَّم لخدمة أجندة العدو الصهيوأمريكي، مهندس هذا المخطط والذي وفر الغطاء اللازم لأعمال هذه المنظمات في كل الدول المستهدفة ضمن مشروعه الاستعماري التوسعي.

 

استهداف المرأة .. تحويلها من قيمة إنسانية إلى سلعة ثقافية مستهلكة

من أخطر ما قامت به بعض هذه المنظمات هو ضرب البنية الأخلاقية والاجتماعية للمرأة في عدد من الدول، خصوصًا في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، حيث تتخذ تلك المنظمات تمكين المرأة، شعارًا، لكنها في كثير من الحالات تدفعها نحو اختزال المرأة في الجسد، وعبر برامج إعلامية وثقافية ممولة تدفع إلى تحويل الجسد إلى سلعة وإخراجه من سياقه الإنساني، والترويج لثقافة تعدّ المرأة منتجًا جمالياً لا قيمة اجتماعية أو أخلاقية له، من خلال نشر موضات ثقافية غربية لا علاقة لها بقيم المجتمعات المستهدفة.

ومن أخطر ما ظهر في بعض المبادرات التي تم تمريرها تحت بند الحقوق الجنسية، تقديم الدعارة كعمل اختياري مشروع، والترويج للعلاقات الغير مستقرة كتحرر، وإلغاء الضوابط الأخلاقية بدعوى الاستقلال الجسدي.

والنتيجة، تفكيك البنى الاجتماعية التقليدية التي كانت تحمي المرأة فعليًا، وتحويلها إلى فرد معزول يسهل التأثير عليه وإعادة تشكيله واستغلاله في أعمال تخدم توجهها الاستخباري

ومن بين تلك الأنشطة والمبادرات التي تم تمريريها عبر تلك المنظمات المشبوهة ، تشجيع الاختلاط والفوضى الجنسية بصفتها مظهرًا تقدميًا، تحت عناوين مثل التوعية الصحية، والتربية الجنسية، والحداثة .

حيث دفعت بعض المنظمات برامج مصممة لإعادة تشكيل فهم المجتمعات للعلاقات الإنسانية بصورة تستهدف الخصوصية الثقافية، والقيم الدينية، والأعراف المجتمعية.

بل تم توظيف الخبراء والمناهج لإقناع الأجيال الجديدة بأن التفكك الأخلاقي ليس خطرًا، بل مرحلة من مراحل التطور الحضاري،

هذه البرامج ليست بريئة، ولا معزولة عن أهداف دول الهيمنة. إنها تعمل ضمن شبكة عمل أجهزة الاستخبارات، على إعادة صياغة الإنسان بداية من القيم والسلوك وصولًا إلى نمط الحياة.

 

ارتباط ثقافي استخباري مباشر يخدم أجندات الهيمنة

من خلال تحليل تتبع التمويل، ومسارات الخطاب، وحركة البرامج، يظهر نمط ثابت يتمثل في التمويل الموجه من العدو، تُطبَّق فقط في دول مستهدفة سياسيًا أو ذات نفوذ ضعيف، والقيم التي يتم الترويج لها لتخدم أهداف العدو في إعادة تشكيل المجتمعات، وبناء قواعد بيانات عن النساء، الأسر، البنى الاجتماعية، والعادات، وهذه المعلومات ذات قيمة استخباراتية عالية، وتحويل المجتمع إلى نموذج غربي من الداخل دون أن تُتَّهم الدولة الممولة بالتدخل المباشر.

لقد تحوّلت بعض هذه المنظمات إلى ما يمكن تسميته استخبارات ثقافية، تعمل على صناعة نموذج إنساني جديد يخدم مصالح مراكز القوة.

 

أثر هذا التحول على الأمن القومي للمجتمعات

هذا التحول الخطير يؤدي إلى تفكيك بنية الأسرة التي تعتبر خط الدفاع الأول عن هوية المجتمع، وضرب منظومة الأخلاق واستبدالها بمفاهيم تجارية تركز على الجسد والرغبة، وخلق أجيال بلا ارتباط بالهوية، ما يسهّل السيطرة عليها فكريًا وثقافيًا، وكذلك إضعاف الإرادة المجتمعية في مواجهة أي عدوان أو احتلال خارجي، وتشكيل رأي عام مُوجَّه يضغط على الحكومات لاتخاذ قرارات تخدم دول الهيمنة.

 

تحذير مبكر للسيد القائد من خطر المنظمات

منذ وقت مبكر حذر السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله،  من نشاط بعض المنظمات الدولية العاملة تحت عناوين مخادعة تهدف لنشر ثقافة التدجين، مؤكدا أن هناك منظمات مرتبطة بقوى الاستكبار تسعى لتدجين الأمة وتمييعها وإشغالها بالأمور التافهة وهناك منظمات مهمتها تشويه صورة حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وإظهارها بأنها حركات عنيفة، مشيراً إلى أنه بالرغم من كل المظلومية التي يعانيها الشعب الفلسطيني تأتي منظمات تدعوه لأن يكون مسالما ووادعا!

وتساءل السيد ، لماذا لا تتوجه المنظمات المشتغلة بنشر ثقافة التدجين إلى أمريكا والغرب وإسرائيل لتدعوهم إلى ترك العنف والتخلي عن الأسلحة الفتاكة ، أما في اليمن ما إن وقع العدوان حتى هجمت منظمات باسم السلام ورفض العنف تشتغل بين أوساط الناس بدعوات التدجين.

من جانب آخر ، كشف السيد القائد عن تورط بعض المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني باليمن وضلوعها في تحريك تلك الخلايا التجسسية، مستغلة غطاء العمل الإنساني لخدمة العدوين الأمريكي والإسرائيلي، وعلى رأس تلك المنظمات برنامج الأغذية العالمي WFP)) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

 

ختاماً 

إن المنظمات التي ترفع شعارات إنسانية لم تعد سوى واجهات ناعمة للاستخبارات الحديثة، تعمل على اختراق المجتمعات، واستهداف المرأة وتفكيك الأسرة، ونشر ثقافة انحلالية، وتحويل الإنسان إلى مستهلك بلا جذور، وإسقاط المجتمعات من الداخل دون طلقة واحدة.

وهذا أخطر من أي تدخل عسكري،  لأن أثره عميق، مستمر، ومحمي دوليًا تحت اسم حقوق الإنسان.

ويبقى الرهان على الوعي الذي تجسد في اليمن كنموذج مقاوم لكل أشكال الاستهداف، وتحصين المجتمع وتعزيز ارتباطه بالمنهج القرآني وهويته الإيمانية .

 

 

يمانيون.