الهوية الإيمانية بين الاستهداف والصمود .. دور المسيرة القرآنية المباركة في حماية الوعي اليمني

الهوية الإيمانية بين الاستهداف والصمود .. دور المسيرة القرآنية المباركة في حماية الوعي اليمني


لم يعد الحديث عن استهداف الهوية الإيمانية اليمنية مجرد تحليل سياسي أو قراءة ظرفية، بل أصبح حقيقة دامغة تتجلى ملامحها في كل تفصيل من تفاصيل العدوان الصهيوأمريكي، وأدواته في المنطقة، الذي كشف عن واحد من أخطر مساراته، وهو محاولة الاقتلاع المتعمد لجذور هوية شعبٍ ضاربٍ في التاريخ، وإضعاف صلته بمنظومته الإيمانية التي صنعت منه أمةً صلبة في وجه الغزاة عبر القرون.

تقرير / طارق الحمامي

 

لقد أدرك اليمنيون، منذ اللحظة الأولى لشنّ الحرب الشاملة عليهم، أنّ ما يجري ليس مجرد عدوان عسكري، بل عملية غزو ثقافي وفكري ممنهجة تقودها منظومات العدو الصهيوأمريكي، بأدواتها الإعلامية والاقتصادية والفكرية، وبمشاركة أطراف داخلية من المنافقين والمرتزقة ، تم توظيفها لإحداث شرخ في بنية الوعي اليمني، كل الوقائع تشير إلى أن أول بند في أجندة المعتدين لم يكن الموانئ ولا الجغرافيا ولا النفط، بل الإنسان اليمني نفسه، ذلك الإنسان الذي يحمل منظومة قيم تجعله عصياً على التطويع، ولهذا جاء الاستهداف مركزاً على الوعي، على القيم، على التربية، على المجتمع، على كل ما يشكل الروح اليمنية الأصيلة.

 

الهوية الإيمانية اليمنية .. العقدة التي لم يستطع الأعداء تجاوزها

منذ صدر الإسلام، استحق اليمنيون لقب بلد الإيمان والحكمة، وهذا الوصف الذي أطلقه الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله، جاء تأكيداً لطبيعة هذا الشعب المتجذّر في القيم والأخلاق القرآنية عبر العصور، قاوم اليمنيون كل أشكال الهيمنة الخارجية، وبقيت هويتهم الإيمانية القوة التي تحميهم من التفكك والذوبان.

وهذه الهوية تحديداً هي ما رآه العدو الصهيوأمريكي عقبة كبرى أمام مشاريعه، فشعب يحمل قيماً إسلامية أصيلة، ويعتز باستقلاله، ويملك مخزوناً روحياً وأخلاقياً، لا يمكن تدجينه ولا دفعه إلى التبعية، لذلك كان الاستهداف مباشراً وصريحاً، من خلال تشويه القيم الدينية، وضرب الروابط الاجتماعية، وخلق فجوات بين الأجيال، وإدخال ثقافات دخيلة، وتعميم النموذج الاستهلاكي المفرّغ من المضمون الروحي.

ولم يكن غريباً أن يصرّح قادة العدو، في أكثر من مناسبة، بأن الوعي اليمني هو المشكلة الكبرى التي يجب تفكيكها قبل التفكير في السيطرة على البلد.

 

السيد القائد  .. صوت كشف المؤامرة ووضع قواعد المواجهة

في اللحظة التي كان البعض يتردد في قراءة ما يجري، خرج السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بخطاب واضح وصريح، مسمّياً الأشياء بأسمائها، كاشفاً حقيقة الحرب وهدفها الأخطر، طمس الهوية الإيمانية اليمنية واستبدالها بهوية مستوردة تتناسب مع مصالح الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية.

هذا الخطاب لم يكن انفعالياً أو عاطفياً، بل استند إلى معطيات دقيقة، وقرأ الأحداث في سياقها الحقيقي، فالمؤامرات، كما شرحها مراراً، لا تتوقف عند حدود الطائرات والصواريخ، بل تمتد إلى المدارس، والمنصات الرقمية، والخطاب الإعلامي، والاقتصاد، والمنظمات، والمنابر، وكل ما يمكن أن يُستخدم في تغيير وعي الشعوب.

لقد أسس السيد القائد لمسار مواجهة شامل، يقوم على الوعي أولاً، ثم المواجهة العملية في كل المجالات، وهذا ما جعل المسيرة القرآنية تتحول إلى حركة مقاومة فكرية وثقافية بقدر ما هي قوة دفاعية على الأرض.

يُحذر السيد من أن فقدان الهوية الايمانية يترك الوعي مُستباحاً، لأن أحد أساسات هذه الهوية وسمات المؤمنين هو الوعي والبصيرة،{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}، فالهوية الايمانية وفق هذا الفهم سبيل الاستقلال الثقافي والفكري من الاستعمار، وتحصين وحماية للأمة من الغفلة عن المخططات العدوانية الغربية، ومن التخلف الحضاري عنها، وإخلاء الساحة العالمية لشرورها، وفي ذلك يقول السيد: ((نحن في هذا العصر كأمةٍ مسلمة إذا فقدنا هويتنا الإيمانية، فالنتيجة الحتمية المؤكدة هي الضياع، لا يحمي لنا كأمةٍ مسلمة كياننا ووجودنا ويدفع عنا المخاطر والتحديات التي نعيشها إلا الحفاظ على هذه الهوية، إلا الالتزام بهذا الانتماء بمفهومه الصحيح، وتنقية واقعنا حتى يتطابق مع هذا المفهوم بشكله الصحيح … العدو إذا سيطر على أفكارنا، مفاهيمنا، أثَّر علينا في سلوكياتنا وحياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، حينها سيكون- بلا شك- متحكماً بنا، ومسيطراً على واقعنا بشكلٍ تام، حينها نضيع، نصبح أمةً مستغلة… الإيمان عنصر قوة، الأمة اليوم وهي تواجه الكثير من الفتن والمشاكل والتحديات والمخاطر في أول ما تحتاج إليه الحاجة الملحة الماسَّة جداً هي الوعي، من وعيٍ، وبصيرةٍ، وفهمٍ وثقافةٍ صحيحة، وفكرةٍ سليمة)).

 

المسيرة القرآنية .. السور الذي تصدّع أمامه مشروع العدوان

حين بدأ العدوان الأمريكي وأدواته في المنطقة، حملته الواسعة لتفكيك المجتمع اليمني وتغيير قيمه، كانت المسيرة القرآنية المباركة، قد سبقت إلى بناء الوعي وإعادة ربط الناس بالقرآن كمصدر قوة وهوية،  هذه المسيرة لم تكن مجرد برنامج ديني، بل مشروعاً حضارياً متكاملاً هدفه تحصين الإنسان اليمني من الداخل.

وقد تجلى أثرها في عدة مسارات، وفيي مقدمتها تثبيت الوعي الجمعي، حيث لم يعد الشعب اليمني يتعامل مع ما يجري كأحداث متفرقة، بل كخطة عدوانية تستهدف كيانه وهويته، وكذلك تقوية الروح المعنوية، من خلال  مشاهد الصمود الشعبي لم تُبنَ فقط على الشجاعة، بل على قيم إيمانية عميقة عززتها المسيرة القرآنية، وكذلك إسقاط أدوات الاختراق الداخلي، فكثير من محاولات التأثير الثقافي والسياسي فشلت لأنها اصطدمت بوعي جماهيري متحصّن، وكذلك مواجهة الإعلام الخارجي  فالخطاب التعبوي القرآني قلّل كثيراً من أثر الحرب الإعلامية التي اعتمدت على التشويه والتضليل.

 

تخبط الأعداء أمام صمود الهوية

لا يمكن تجاهل حقيقة أن العدو، رغم إمكاناته الهائلة، فشل في كسر الجوهر الإيماني للشعب اليمني، لقد أرادوا شعباً محبطاً، مفككاً، فاقداً للثقة بقيمه وتاريخه، فإذا بهم يجدون شعباً أشد قوة وتمسكاً بهويته، وأكثر وضوحاً في عدائه للمشروع الصهيوأمريكي، وهذا الفشل لم يكن نتيجة صدفة، بل نتيجة مواجهة واعية قادتها المسيرة القرآنية التي عملت على إحباط كل محاولة للاختراق، وأثبتت أن الهوية الإيمانية ليست شعاراً ولا موروثاً جامداً، بل قوة فاعلة قادرة على إنتاج الصمود والانتصار.

 

ختاماً 

إن محاولة استهداف الهوية الإيمانية اليمنية لم تعد محل نقاش أو جدل، بل أصبحت واحدة من أكثر الحقائق وضوحاً في سياق العدوان المستمر على البلاد، ومن الواضح أيضاً أن المسيرة القرآنية بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي يحفظه الله ، نجحت في سدّ كل المنافذ التي حاول العدو النفاذ منها إلى الداخل اليمني.

لقد أثبت اليمنيون أن الهوية ليست مجرد كلمات، بل سلاح روحي وثقافي قادر على حماية شعب بأكمله من التفكك والتبعية. وما دام هذا الشعب متمسكاً بهويته، فإن كل أدوات الهيمنة الخارجية، مهما تعددت، ستسقط أمام جدار وعي لا يخترق.

 

يمانيون.