أربعون يوماً من الهدنة المعلّقة.. خروق صهيونية تعيد غزة إلى أجواء العدوان

أربعون يوماً من الهدنة المعلّقة.. خروق صهيونية تعيد غزة إلى أجواء العدوان


تقرير
بعد مرور أربعين يوماً على اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتضح صورة مغايرة تماماً للوعود التي رافقت الإعلان عن الاتفاق.

فعلى الرغم من أن الاتفاق كان يفترض أن يضع حداً لآلة العدوان المستمرة منذ عامين، فإن الميدان يُظهر أن كيان الاحتلال الصهيوني تعامل معه بوصفه فرصة لإعادة تموضع واستكمال الضغط العسكري والإنساني بوسائل أقل صخباً وأكثر اتساعاً في الاستهداف.

تصاعد الخروق وتنوع أشكال الاعتداءات
ووفق المعطيات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سجّل العدو 393 خرقاً موثقاً منذ أولى ساعات تنفيذ الاتفاق.. هذا العدد الكبير يعكس نمطاً ثابتاً أكثر منه سلوكاً طارئاً.

وتوزعت الخروق بين 113 حالة إطلاق نار مباشر استهدفت المدنيين والمنازل السكنية، و174 عملية قصف جوي وبري، و85 عملية هدم طالت منازل ومنشآت مدنية ومرافق خدمية، إضافة إلى 17 عملية توغل مدرع داخل أحياء مأهولة بالسكان، نفذت خلالها قوات الاحتلال عمليات اعتقال وخطف شملت 35 مواطناً فلسطينياً.

هذا التنوع في أشكال العدوان يشير إلى استراتيجية ممنهجة تقوم على إدامة التوتر داخل القطاع، ومنع السكان من التقاط الأنفاس، وإبقاء البيئة الأمنية في حالة قلق دائم، بما يجعل الاتفاق غير قادر على إنتاج أي استقرار فعلي.

الخسائر البشرية.. ثمن متواصل رغم الاتفاق
هذه الاعتداءات المتتابعة أسفرت عن استشهاد 279 مدنياً، بينهم نساء وأطفال وشرائح من كبار السن، إلى جانب إصابة 652 آخرين في هجمات مباشرة.

وتؤكد الجهات الصحية أن بعض الإصابات وقعت نتيجة استهداف واضح لمناطق سكنية كانت خارج نطاق المواجهات، ما يؤشر إلى استمرار سياسة الضرب العشوائي أو المقصود ضد المدنيين.

السياق الأوسع.. عامان من العدوان الممتد
وتأتي هذه التطورات في ظل آثار العدوان المتواصل منذ عامين، والذي خلّف وفق وزارة الصحة في غزة نحو سبعين ألف شهيد وعشرات الآلاف من المفقودين، إضافة إلى موجات واسعة ومتكررة من النزوح القسري.

هذه الخلفية تجعل أي خرق جديد مضاعف الأثر، لأن القطاع يعيش أصلاً حالة إنهاك حاد على المستويات الصحية والإنسانية والبنية التحتية.

القطاع الصحي.. انهيار غير مسبوق رغم الهدنة المعلنة
ويمر القطاع الصحي في غزة بمرحلة يمكن وصفها بأنها الأسوأ منذ بدء العدوان. وتشير المعلومات إلى أن أكثر من 80% من المستشفيات خرجت عن الخدمة بسبب الدمار أو نقص الوقود أو تعطّل الأجهزة الطبية.

أما المستشفيات المتبقية فتعمل بطاقة لا تتجاوز 30%، مع عجز كبير عن استقبال الحالات الحرجة أو التعامل مع الإصابات التي تقع بشكل يومي نتيجة الخروق.

كما تستمر قوات الاحتلال في إغلاق المعابر ومنع سفر الجرحى للعلاج، في وقت يتم فيه وقف دخول الأجهزة والمستلزمات الطبية، بما في ذلك مواد التخدير وأدوية العناية المركزة. ويؤكد أطباء في القطاع أن عدداً من الوفيات كان يمكن تجنبه لو توفرت أبسط الإمكانات الأساسية.

المساعدات الإنسانية.. التزام منقوص وهندسة تجويع متعمدة
وعلى صعيد الإغاثة، لم يلتزم كيان الاحتلال سوى بـ 30% من الكميات المتفق عليها من المساعدات الإنسانية والغذائية.

وتفيد مصادر حكومية في غزة بأن الاحتلال يمنع دخول المواد الغذائية الأساسية، خصوصاً اللحوم والبروتينات، في خطوة تعد خرقاً واضحاً للبروتوكول الإنساني المرافق للاتفاق.

هذه السياسة تندرج ضمن ما يصفه خبراء محليون بـ هندسة التجويع، وهي استراتيجية تهدف إلى إنهاك المجتمع من الداخل، وإضعاف قدرته على الصمود، وإجباره على القبول بأي معادلات سياسية أو أمنية تفرض لاحقاً.

التقييم السياسي والأمني.. اتفاق على المحك
ومع تزايد حجم الخروق وتراجع التزامات العدو، يواجه اتفاق وقف إطلاق النار تهديداً حقيقياً بالانهيار.

فالمشهد العام يشير إلى أن العدو يتعامل مع الاتفاق باعتباره إطاراً مرناً يسمح له بإعادة ترتيب قواته وتحقيق مكاسب ميدانية محدودة دون خوض مواجهة مفتوحة.

وفي المقابل، يعاني الفلسطينيون من استمرار استهداف المدنيين وتدهور الأوضاع الصحية وفشل دخول المساعدات.

وفي ظل غياب ضغوط دولية فاعلة، تتزايد المخاوف من تحول الاتفاق إلى مجرد إطار شكلي لا يحمل أي ضمانة لوقف الاعتداءات، وهو ما يدفع العديد من الجهات الفلسطينية إلى المطالبة بتدخل دولي أكثر صرامة يلزم كيان الاحتلال بتطبيق التزاماته.

خلاصة
الأربعون يوماً التي تلت اتفاق وقف إطلاق النار كشفت أن العدوان لم يتوقف فعلياً، بل أعيد إنتاجه بصيغ مختلفة.

فالخروق اليومية، وتواصل استهداف المدنيين، وانهيار القطاع الصحي، وتقييد المساعدات، كلها مؤشرات على أن الاتفاق أصبح عاجزاً عن حماية السكان أو تثبيت الحد الأدنى من الاستقرار الإنساني.

وفي ظل استمرار هذه الانتهاكات، يبقى مستقبل الاتفاق رهناً بمدى قدرة المجتمع الدولي على الضغط لوقف الاعتداءات، وبمدى قدرة الفلسطينيين على الصمود أمام سياسات الاستنزاف المستمرة.