الهوية الإيمانية أساس النهوض.. والتفريط في المسؤولية جريمة أضاعت الأمة

الهوية الإيمانية أساس النهوض.. والتفريط في المسؤولية جريمة أضاعت الأمة


تقرير – أحمد قحيم

تعيش الأمة الإسلامية اليوم واقعًا مؤلمًا من الذلّ والهوان والانقسام، بعد أن كانت خير أمة أخرجت للناس، تحمل نور الله ورسالة نبيه للعالمين.. فقد انقلبت الموازين حتى أصبح العدو الأمريكي الصهيوني هو من يفرض قراره ومشاريعه، فيما انشغلت الأنظمة والشعوب بأهواء الدنيا، وغابت عن جوهر الدين ومقاصده.
هذه الأزمة ليست قدرًا محتومًا، ولا نتيجة تفوق الأعداء، بل هي ـ كما يؤكد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه ـ بسبب الابتعاد عن هدى الله والتفريط في المسؤولية التي كلّف الله بها عباده المؤمنين.

فحين تفقد الأمة هويتها الإيمانية، وتتنكر لرسالتها، وتعرض عن أوامر ربها، تكون قد وضعت نفسها في طريق الخذلان، وسلّمت مصيرها لأعدائها.


الهوية الإيمانية.. جوهر الوعي وميزان الانتماء إلى الله

الهوية الإيمانية ليست شعارًا يُرفع أو انتماءً شكليًا يُتغنّى به، بل هي منهج حياة يُترجم الإيمان إلى عملٍ ومسؤولية وجهاد.
يقول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي: “الهوية الإيمانية هي الوعي بالله في واقع الحياة، وهي ما يمنح الإنسان عزته وكرامته واستقلال قراره.”

وفي هذا المعنى يوضّح الشهيد القائد أن الإيمان ليس في القول، بل في الحركة والعمل والثقة بالله. فالمؤمن الحق هو من يعيش القرآن واقعًا وسلوكًا، لا من يكتفي بتلاوته أو حفظه.
إن الهوية الإيمانية ـ كما يشرح الشهيد القائد ـ هي ما يمنح الإنسان توازنًا روحيًا وفكريًا يقيه من الضياع، لأنها تربطه بالله مباشرة، وتحرّره من التبعية لغيره. وحين تفقد الأمة هذه الهوية، تفقد معها روحها وكرامتها واستقلالها، وتتحول إلى تابعٍ ذليلٍ للأنظمة الطاغوتية والاستكبار العالمي.


التفريط في المسؤولية.. انحدار الأمة من موقع الاستخلاف إلى الذل

لقد جعل الله العرب والمسلمين ورثة الرسالة وموقع الاستخلاف في الأرض، وخصّهم بشرف حمل القرآن وهداية العالمين. لكنهم ـ كما يقول الشهيد القائد ـ فرّطوا في هذا التكليف العظيم، وتخلّوا عن دورهم، فاستحقوا الذلة والمسكنة التي يرونها اليوم.. “نحن كعرب، ونحن من أمة نبي الله محمد صلى الله عليه وآله، نعيش تحت أقدام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، لأننا فرّطنا في مسؤولية عظيمة.”

لقد كانت مسؤولية الأمة أن تكون شاهدة على الناس، تقيم العدل وتنشر النور، لكنها اليوم صارت شاهدة زور على الباطل، تصمت عن الجرائم، وتساير المعتدين.
إن التفريط في المسؤولية الإيمانية ـ كما يقرر القرآن الكريم ـ ليس مجرد خطأ، بل جريمة روحية وتاريخية، لأنها تفتح الطريق أمام الباطل ليتحكم في مصير الأمة، وتمنح المستكبرين فرصة تسخيرها لخدمتهم.
وهكذا، ما من ضعفٍ أو هزيمةٍ نعيشها اليوم إلا وهي انعكاس لتخلّينا عن واجبنا الإلهي في مقاومة الباطل وإقامة الحق.


الابتعاد عن هدى الله.. أصل الخذلان الإلهي

حين تبتعد الأمة عن هدى الله، فإنها تفقد بوصلة الطريق وتُحرم من تأييد السماء.
يقول الشهيد القائد في دروسه القرآنية: “الابتعاد عن هدى الله، والجرأة على رفض أوامره، يسبب للإنسان أن يُخذل.”

وهذا الخذلان لا يأتي فجأة، بل هو نتيجة تراكم طويل من الإعراض واللامبالاة، حيث يتحول الإيمان إلى مجرد كلمات تُقال، وتُفصل العبادة عن الحياة، ويُترك القرآن على الرفوف بدل أن يُتّبع في الواقع.
إن الإعراض عن هدى الله هو جذر الانهيار الحضاري للأمة، لأنه يقطع صلتها بمصدر قوتها، ويجعلها رهينة للأهواء والضغوط الخارجية.
يقول الشهيد القائد: “كم من الناس يقولون آمنا، وأعمالهم كلها تقول كفرنا، لأن قلوبهم لم تؤمن بالله، ولم تصدق بوعده، ولم تطمئن إلى نصره.”

فمن لم يثق بالله لن ينصره الله، ومن لم يسلك سبيله لن يُكرمه بعزه، ومن أعرض عن نوره، غشيه ظلام الذلة والضياع.


هدى الله.. رحمة وتشريع للنهوض لا عبء على الإنسان

من المفاهيم المغلوطة التي حذّر منها الشهيد القائد أن بعض الناس ينظرون إلى أوامر الله وكأنها تكاليف ثقيلة، في حين أن الله سبحانه يقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
إن منهج الله قائم على الرحمة والحكمة، وكل أمرٍ فيه هو لمصلحة الإنسان وسعادته. فحين يأمر الله بالجهاد، أو الإنفاق، أو الوحدة، فهو يفتح للأمة باب عزتها وكرامتها، لا باب معاناتها.
لكن حين يُغلب على الناس الضعف والشك، يظنون أن السير في طريق الله مستحيل، فيقعدون، فيخذلهم الله بعد أن خذلوه.
يقول الشهيد القائد: “كلما أمرنا الله بشيء فهو من رحمته بنا، ومن شأن الرحيم أن يهيئ لنا السبل للوصول إليه.”

وهكذا يتحول التديّن إلى طاقة نهوض إذا فُهم على بصيرة، وإلى قيدٍ خانقٍ إذا حُرّف عن مقاصده الإلهية.


العزة الإيمانية.. وعد الله لمن آمن وعمل الصالحات

لا يمكن للأمة أن تستعيد عزتها إلا بالعودة إلى الله، فالكرامة لا تُستورد، والعزة لا تُمنح من الأمم المتحدة ولا من واشنطن أو الرياض أو “تل أبيب”، بل تُنال من الله وحده.
يقول السيد القائد: “من أراد العزة فليطلبها من الله، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولن تكون إلا لهم إذا عادوا إلى هدى الله.”

إن العودة إلى الله ليست شعارًا، بل مشروعًا حضاريًا كاملاً يبدأ بإحياء الإيمان في النفوس، وبناء الوعي بالمسؤولية، واستعادة الثقة بوعد الله، والتحرك في سبيله بثقةٍ وجهادٍ واستقامة.
حينها فقط تتحقق معادلة النصر الإلهي التي وعد بها القرآن:
{إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}،
وإلا فسيظل الخذلان هو العقوبة العادلة لمن فرّط في مسؤوليته وأعرض عن ربه.


 الهوية الإيمانية طريق النهوض من جديد

إن ما تعيشه الأمة من هوانٍ اليوم هو نتيجة مباشرة لفقدان هويتها الإيمانية، وتفريطها في المسؤولية، وابتعادها عن هدى الله.
ولا سبيل لاستعادة مجدها إلا بالعودة إلى الله عودةً صادقةً وشاملة، تُعيد الإيمان إلى موقع القيادة في حياتها، وتُفعّل القرآن في واقعها، وتجعل من المسؤولية الإيمانية منهجًا للنهضة والبناء.
فالإيمان ليس مجرد شعورٍ قلبي، بل هو موقف وجهاد وبذل وعمل، ومن سار على هذا الطريق بصدق، نال تأييد الله وعزته، ومن أعرض عنه، عاش خذلانًا لا يرفعه إلا التوبة والرجوع.

وهكذا، تبقى الهوية الإيمانية هي أساس النهوض وضمانة الاستخلاف، فيما يظل التفريط في المسؤولية والابتعاد عن هدى الله أخطر جريمة أضاعت الأمة وأخّرتها عن موقعها الذي أراده الله لها: أمةً شاهدةً على الناس، تقيم الحق وتنصر المستضعفين، وتعبُد الله حق عبادته.

موقع 21 سبتمبر.