الشهيد طه المداني .. أسطورة الصمود وفارس الوفاء
الشهيد طه المداني .. أسطورة الصمود وفارس الوفاء
في كل زمان، وفي كل معركة، يبرز أبطال يجعلون من حياتهم شهادة حيّة على الشجاعة والإخلاص، ومنهم من يترك أثرًا خالدًا في ذاكرة الأمة، الشهيد طه المداني هو أحد هؤلاء الأبطال الذين جمعوا بين الفطنة السياسية والبصيرة العسكرية والحكمة الإدارية، ليكون رمزًا للوطنية الحقيقية، وشاهداً على أن الوفاء للوطن ليس مجرد شعارات، بل عمل متواصل وتضحيات عظيمة، طه المداني لم يكن مجرد قائد ميداني، بل كان مدرسة متكاملة في الصمود، قائدًا حكيمًا ومخططًا عبقريًا، جمع بين التفاني في الدفاع عن الأرض والإبداع في إدارة الملفات السياسية والأمنية، وترك بصمة واضحة في كل مرحلة من مراحل الجهاد المقدس ..
سفير القيادة .. الحكمة السياسية والمفاوضات الحساسة
قبل أن يصبح له حضور ميداني لافت، كان الشهيد المداني سفير القيادة لدى العلماء والأحزاب والمشايخ، يدير الملفات الحساسة بحكمة وحنكة سياسية، لم يكن دوره مجرد التفاوض، بل كان تقديم نموذج عملي في إدارة الملفات المعقدة التي تحتاج إلى دمج بين السياسة والفكر والعمل الميداني.
كان السيد القائد يحفظه الله ، يثق فيه ثقة كاملة لإدارة الملفات الدقيقة، ودوماً ما كان يظهر بصفته رجل الحلول الذكي، الذي يعرف متى يتحدث ومتى يتحرك، ومتى يفرض وجوده بالقوة المتعقّلة، ليصبح نموذجًا يُدرس في فنون القيادة والسياسة.
الحرب الخامسة .. صمود ضحيان ومقبرة الدبابات
عندما نكثت السلطة العميلة ، ببنود الوساطة القطرية وشنّت الحرب الخامسة في 8 مايو 2008م، كان الشهيد المداني في قلب الحدث، لم يكتفِ بالتخطيط، بل قاد جبهة الدفاع عن مدينة ضحيان وقرى الصعيد، فشكل جبهة صلبة في منطقة آل حميدان، وسط صحراء مفتوحة تبدو مستحيلة الدفاع عنها.
بقيادة الشهيد، حقق المجاهدون إنجازًا ميدانيًا فريدًا، أصبح يُعرف لاحقًا بمقبرة الدبابات، حيث تم إيقاف زحف الدبابات والمجنزرات بإصرار لا يلين، وكان لكل تحرك تخطيط محكم يعكس فهمًا عميقًا لفلسفة الحرب الدفاعية، وبعد انتهاء الحرب في 17 يوليو 2008م، لم يكن للراحة مكان، بل شرع الشهيد في إدارة الفعاليات الوطنية، بما فيها المولد النبوي، وأشرف على إدارة المناطق المحررة من بطش قوات النظام.
الحرب السادسة .. معركة المقاش والانتصار الاستراتيجي
في 10 أغسطس 2009م، ومع اندلاع الحرب السادسة، كُلّف الشهيد المداني بالدفاع عن الصعيد بشكل كامل، كانت المعركة ضد زحوفات مجنزرات الفرقة وما عرف أنذاك بالبشمرقة مستمرة لمدة ستة أشهر، حيث أدار معركة المقاش بمستوى من التخطيط الاستراتيجي قلّما يشهد له مثيل.
نجح الشهيد وفريقه في تحقيق نصر مؤزر، حافظ على المناطق المحررة، وبرزت قدرته على الدمج بين الخطط الدفاعية والهجمات المضادة، مؤكدًا فلسفته العسكرية التي تقول إن الطلقة النارية هي الضربة الأخيرة للعدو، وليست الأولى.
تأسيس الأمن الداخلي .. صعدة نموذجًا للأمان والاستقرار
بعد انتهاء الحرب السادسة، أوكل السيد القائد حفظه الله، للشهيد مهمة تأسيس الدائرة الأمنية وإدارتها بشكل مستقل عن الجانب العسكري، شكل الشهيد قسم الأمن الداخلي، وجعل من محافظة صعدة نموذجًا فريدًا للأمن والاستقرار، حيث تناقل الناس أخبار الأمان من كل أنحاء اليمن، حتى أصبح ترك السيارات مفتوحة في كل مكان أمرًا مألوفًا، وكان الهاتف الضائع يُعاد إلى صاحبه دون تأخير.
شهدت صعدة توافدًا كثيفًا من المستثمرين ورؤوس الأموال بعد انتهاء الحرب السادسة، نظرًا للأمن الذي كان يضطلع الشهيد بإدارته، وأصبحت المدينة قبلة للاستثمار والعمل التجاري، مما عزز استقرار المنطقة اقتصاديًا واجتماعيًا.
تحرير صعدة .. عبقرية عسكرية وإدارية
في مارس 2011م، وفي ظل ظلم ما كان يسمى سابقاً بالتحالف القبلي بقيادة عثمان مجلي، كُلّف الشهيد وقادة آخرون بتحرير مدينة صعدة. وأتمّ المهمة خلال يومين فقط دون أي خسائر تُذكر، معتمدًا على التخطيط الدقيق والتنظيم الميداني الذكي، وأظهر قدرة فريدة على إدارة المعركة في مدينة مأهولة بالسكان، بما يوازن بين الأداء العسكري والحرص على سلامة المدنيين.
كانت هذه العملية خير دليل على العبقرية العسكرية للشهيد المداني، التي تجمع بين التخطيط الاستراتيجي، وفهم البيئة الميدانية، والالتزام بالمعايير الإنسانية أثناء الحروب.
تنظيم المناسبات الكبرى .. الكفاءة الإدارية والأمنية
تجلّت عبقرية الشهيد أيضًا في إدارة المناسبات الدينية والوطنية الكبرى، وعلى رأسها المولد النبوي، حيث كان يشرف على تنظيم الحشود الهائلة، ويضع خططًا أمنية دقيقة لضمان انسيابية الحركة وحماية المواطنين، في سنتي 1432هـ – 1433هـ، حضر الملايين إلى صعدة تحت إشرافه، وكانت إدارة الحشود مثالًا يُدرس في الأكاديميات العالمية.
حماية مؤسسات الدولة .. وزارة الداخلية نموذجًا للانسجام
بعد ثورة الواحد والعشرون من سبتمبر المجيدة في العام 2014م، تولى الشهيد مهمة حماية وزارة الداخلية، إحدى أهم مؤسسات الدولة، حيث أشرف على اللجنة الأمنية العليا وأدارها بحكمة ورؤية ثاقبة، خلال ستة أشهر من العمل الدقيق، أنجز الشهيد وأفراد فريقه تنظيمًا فريدًا، حافظ على الأمن، وحال دون أي اختراقات داخلية، رغم طول أمد العدوان وحساسية الوضع.
الشهادة .. الوفاء حتى آخر لحظة
مع اندلاع العدوان السعودي الأمريكي على اليمن في 26 مارس 2015م، لم يكتفِ الشهيد بالإدارة عن بعد، بل انتقل إلى خطوط الجبهات الأمامية، حيث قاتل إلى جانب رفاقه، وأكرمه الله تعالى بالشهادة في 5 يونيو 2015م، رحيله كان خسارة عظيمة لليمن والأمة، لكنه ترك إرثًا من الرجال المخلصين، الذين سيواصلون مسيرته في الدفاع عن الوطن والولاء لله والقائد والمنهج.
إرث خالد .. مدرسة في القيادة والصمود
طه المداني لم يكن مجرد قائد عسكري، بل مدرسة متكاملة في القيادة والتخطيط والمبادئ الإنسانية، فلسفته العسكرية وتجربته الميدانية تُدرّس في الأكاديميات العسكرية، لأنها تمثل الدمج بين التخطيط الدقيق، والوفاء للمنهج القرآني، والحكمة السياسية والشجاعة الميدانية. إرثه باقٍ في كل صعدة، وفي كل مجاهد يحمل مشعل الدفاع عن الوطن والوفاء للقيادة.
يمانيون.