الشاشات… المتّهم الأول في حرمان الأطفال من لغتهم
في عالم تحوّل سريعًا نحو الرقمية، يكبر جيل من الأطفال تحيطه الشاشات من كل جانب، ليتبيّن اليوم أن هذا الاعتماد المفرط بات يؤثر مباشرة على قدرة الصغار على الكلام، ويقود إلى موجة غير مسبوقة من التأخر اللغوي وانعدام النطق لدى أطفال الثالثة وما قبلها. فخلال السنوات التي تلت جائحة كورونا، أصبح كثير من الأطفال يدخلون عيادات النطق عاجزين عن التعبير إلا بكلمات معدودة، فيما يصف الأهل أبناءهم بـ”الأذكياء” لأنهم يعرفون استخدام الأجهزة اللوحية، من دون أن يدركوا أن الذكاء الرقمي لا يعوّض فقدان المهارات اللغوية الأساسية.
الأخصائية تشير إلى أن نصف حالات مشاكل النطق الحالية بين أطفال ما قبل المدرسة ترتبط مباشرة بالاستخدام المفرط للشاشات، إذ حُرم هؤلاء من اللعب، والخيال، والغناء، والتفاعل المباشر—all أسس لا يمكن لتطبيقات الهواتف أن تقدّم بديلًا عنها. فبدل أن يحظى الطفل بفرص تطوير لغته عبر ملاحظة الأشياء من حوله أو الاستماع لحكاية من والديه، يقضي معظم وقته أمام محتوى سريع الإيقاع يشتت انتباهه ويضعف تركيزه. ومع غياب التواصل الحقيقي، تظهر نوبات الغضب، وتأخر المهارات، وصعوبات تعلّم قد ترافق الطفل سنوات طويلة.
وتكشف استطلاعات حديثة أن 20% من أطفال المرحلة الابتدائية يعانون صعوبات تواصل تفوق ما يناسب عمرهم، فيما يرى ثلاثة أرباع المعلمين أن الأهالي يعيشون حالة إنكار سببها الشعور بالذنب والخجل. وفي المقابل، توصي بتقليل وقت الشاشة إلى أدنى حد ممكن للأطفال دون سنتين، وتشجع على تعويضه باللعب الحر، والأنشطة الخيالية، ولحظات الأحاديث الصغيرة التي تبني اللغة كلمة كلمة.
ولعل قصة الطفل “أيدن” مثال صارخ: طفل في الثالثة لا ينطق إلا بـ”ماما”، رغم قدرته على فتح التطبيقات على الـ”آيباد”. وبعد تقليل الشاشات، والعودة إلى اللعب والتفاعل، استعاد تدريجيًا اهتمامه بالعالم الحقيقي، وبدأت لغته تتحسن. الرسالة واضحة: اللغة لا تُبنى بالضوء الأزرق للشاشات، بل بالعين التي تلتقي عينًا، والحديث الذي يبدأ بكلمة صغيرة وينتهي بعالم ينمو داخل الطفل.