صناعة شهرة على حساب الطفولة… كيف تحوّل الأطفال إلى “منتج رقمي” يستهلكه الكبار؟


في ظاهرة آخذة بالتمدد داخل العالم العربي، تتصدّر صور الأطفال ومقاطعهم القصيرة منصّات التواصل الاجتماعي، ليس بدافع البراءة أو المتعة، بل بغرض تحقيق الربح السريع وصناعة نجومية مبكرة تقتحم عالم الكبار. ومع تصاعد عدد المتابعين وتحول الشهرة إلى سلعة، يجد كثير من الصغار أنفسهم في دائرة استغلال رقمي يخفي وراءه مخاطر نفسية واجتماعية جسيمة، رغم أن الأصل هو حمايتهم وإبعادهم عن دائرة الضوء.

خلال عام 2025، برز محتوى الأطفال كواحد من أكثر الأنواع انتشاراً على “تيك توك” و”إنستغرام” و”فيسبوك”، بينما تسابق العائلات إلى عرض أبنائها في مقاطع يومية تُظهر تفاصيل حياتهم الخاصة، وتدفعهم أحياناً إلى التصرّف بطرق لا تناسب أعمارهم، سواء من خلال وضع مساحيق التجميل أو تقليد الكبار في الكلام والسلوك. لكن خلف هذا المشهد “اللطيف”، تظهر مشكلة أكثر تعقيداً: الطفل يتحوّل إلى وسيلة للكسب، وليس شخصاً يحتاج إلى تربية سليمة ومسار نمو طبيعي.

التحذيرات تتزايد من جهات رسمية وخبراء في علم النفس والاجتماع. ففي تونس، أكد مندوب عام الطفولة أن ظهور الفتيات الصغيرات على المنصات بمظهر أقرب للكبار يربك نموهن ويضعهن في دائرة استغلال محتمل، مشيراً إلى أن القانون يفرض قيوداً صارمة على نشر صور القاصرين، خصوصاً مع توسع شبكات تستخدم الأطفال للابتزاز والمتاجرة عبر الإنترنت. وقد كشفت السلطات التونسية مؤخراً شبكة خطرة استدرجت أطفالاً عبر “تيك توك”، حيث جرى التغرير بهم مقابل مبالغ مالية قبل ابتزازهم بنشر صورهم الخاصة.

في مصر والعديد من الدول العربية، تؤكد القوانين أن استغلال الطفل تجارياً أو اقتصادياً جريمة يعاقَب عليها بالسجن والغرامات المشددة، مع مضاعفة العقوبة إذا كان الجاني أحد الوالدين أو المكلّفين بالرعاية. ويشير المختصون إلى أن أخطر ما يتركه هذا النوع من المحتوى هو تشويه مراحل النمو، إذ يرى الطفل نفسه مادة للتسويق، ما يخلق لاحقاً خللاً في شخصيته وصورته الذاتية، ويؤثر على استيعابه للقيم ومعاني الخصوصية والحماية.

المشكلة لا تكمن في الظهور الرقمي بحدّ ذاته، بل في تحويل الطفولة إلى منتج للربح، وفي غياب المعايير الأخلاقية التي تضع مصلحة الطفل أولاً. ويشدد الباحثون على ضرورة أن يكون أي ظهور للأطفال على المنصات موجهاً لأهداف تربوية واضحة وتحت إشراف واعٍ، وليس بدافع المشاهدات أو الترند، لأن كل ممارسة تُربك الطفولة اليوم ستنعكس على جيل كامل غداً.