سبيل الله.. التفوق اليمني في معادلة الصراع العالمي


تعرضت الأمة العربية والإسلامية – على مدى قرون متعاقبة – لعمليات اغتيال فكري واستهداف ديني، نتج عنها تغييب قسري، لثقافة الجهاد الاستشهاد، وتعطيل فريضة القتال في سبيل الله، وهو ما أسفر عن سقوط الأمة، في حالة مزرية، من الخضوع والخنوع والاستسلام والاستلاب الكامل لأعدائها، وبالتالي سيطرته الكاملة عليها، ونهب ثرواتها وخيراتها، واستهداف القوى الحية من أبنائها، وسلبها كل عوامل النهوض والقوة.

كتابات / إبراهيم محمد الهمداني

 

الأمر الذي جعل نتنياهو – زعيم الكيان الإسرائيلي الغاصب – إبان عدوانه على غزة عام 2023م، يتوجه إلى الرؤساء والزعماء العرب والمسلمين، بالأمر الصريح بأن يلتزموا الصمت، بينما ينفذ هو وحلفاؤه، عدوانهم الإجرامي وحرب الإبادة الشاملة، على المدنيين العزل، من أبناء قطاع غزة، دون أن يجرؤ أحد منهم، على أن ينبس ببنت شفه، بل ذهب معظمهم إلى التواطؤ والخيانة، ضد غزة خاصة، وقضية الإسلام والمسلمين (فلسطين) عموما، ولم يشذ عن ذلك الموقف المخزي المشين، سوى ثلة من المؤمنين الصادقين، الذين حافظوا على هويتهم الإيمانية، في اليمن ولبنان وإيران، وبعض القوى الحرة، في مختلف بلدان العالم.

كان موقف اليمن المشرف مميزا، ومتفردا على مستوى العالم، لأنه انطلق من منطلق ديني إيماني، استجابة لصريح الأمر الإلهي، بالجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، بعيدا عن العناوين القومية والوطنية وغيرها، ولذلك مضى الإسناد اليمني حتى النهاية، رغم عظمة التضحيات المادية والبشرية، وقوافل الشهداء العظماء من القادة، على مختلف المستويات، وتوالي الأثمان الباهظة، التي قدمهاالشعب اليمني، إلا أنه لم يهن أو يضعف أو يستكين، واستطاع الاستمرار إلى النهاية، ليضع حدا لعربدة الإجرام الصهيوأمريكي الغربي، ويرغمهم على قبول الهدنة، كما أرغم الأساطيل البحرية وحاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية، في ذات المعركة، على الهروب والخضوع والاستسلام لشروط اليمن، وإعلان الهزيمة والتخلي عن حليفها الإسرائيلي، الذي جاءت من أجل حماية سفنه، وحمايته من صواريخ ومسيرات الإسناد اليمني، ذلك لأن اليمن – بقيادته الثورية وقيادته السياسية وشعبه وجيشه – انطلق من منطلق الواجب الإيماني، والالتزام الديني والقيمي والإنساني، مجسدا ثقافة الجهاد والاستشهاد، والبذل والعطاء والتضحية، وإحياءً لفريضة القتال في سبيل الله تعالى، التي كتبها الله على عبادة، فريضة تعبدية، واختارها لهم نهجا لإحلال السلام، لا بديل عنه إلا الاستسلام والخضوع لعدو الله وعدوهم.

كان عنوان سبيل الله، هو العنوان الأقوى والأبرز، والأقدر على مواجهة أعتى وأطغى وأشرس، تحالف عدواني عالمي، استهدف اليمن أرضا وإنسانا، بمختلف وسائل واستراتيجيات الحرب الصلبة والناعمة، منذ ما يقارب إثني عشر عاما، حيث كان قرار المواجهة – حينها – طيشا وانتحارا محضا، وكان مشروع القتال في سبيل الله، رهانا خاسرا مسبقا، خاصة في ظل الفوارق الهائلة، في الإمكانات والقدرات والتحالفات، وكان مشروع “الحياد” حينها، هو منطق الحكمة والرأي السليم، كما كان مشروع إدانة الجلاد والضحية على السواء، وتحميل “جماعة أنصار الله” الوزر الأكبر، كونهم من استجلب العدوان، هو المشروع النموذجي، بينما كانت مشاريع “الشرعية” و”حراس الجمهورية” و”المجلس الانتقالي”، وغيرها من المسميات البراقة، تدعي خيار المواجهة والدفاع عن الوطن، والقتال في سبيل الوطن، لكن عداوتها المزعومة لقوى العدوان الصهيوسعوأمريكي، لم تكن أكثر من قناع شمعي، سرعان ما ذاب بتأجج نيران حقدها وعداوتها، لمن تسميهم “جماعة الحوثي”، الذين اتهمتهم بأنهم “أذرع إيران”، ويعلمون لصالح “أجندة خارجية”، وأنهم عملاء وخونة، في ترديد ببغاوي لمقولات العدو الإسرائيلي والأمريكي، بينما قدموا أنفسهم، بوصفهم ممثلي حكومة الشرعية، وقوات جمهورية طارق عفاش، وقوات دولة جنوب الزبيدي، وأنهم القوى الوطنية الحاملة لمشروع التحرير، والأحق بحكم البلاد، خاصة وأنها تحظى باعتراف دولي.

تساقطت تلك المشاريع الزائفة، التي قاتلت أبناء اليمن، تحت مسميات وعناوين وطنية كاذبة، وانقلب عليها اتباعها، الذين انهار بهم مشروع القتال والتضحية في سبيل الوطن، الذي لم يكافئ تضحياتهم، بما انتظروه من المغانم المادية، ولذلك تحول مشروع الجنوب العربي، إلى الارتزاق العلني للإماراتي والصهيوني، وأصبحت “الحكومة الشرعية” رهينة أمر أصغر ضابط سعودي، وتحول طارق عفاش، قائد “حراس الجمهورية”، إلى الصهيوني الصغير قائد حراس الصهيونية، وبالتالي سقطت كل مسميات وعناوين مشاريع المواجهة والتحرير، معلنة تبنيها مسمى “العمالة والخيانة”، ومشاريع التطبيع العلني، كونها المشاريع المربحة في نظرهم، مقابل بؤس مشروع الوطن في أعينهم، إذ لم يعد فيه ما يملأ جشع أطماعهم، وما يسد شهية فسادهم، بينما في الجانب الآخر، بقي مشروع القتال في سبيل الله، بوصفه فريضة دينية وخيارا إلهيا، هو المشروع القرآني الحضاري الإنساني، الأحق والأجدر بالبقاء والنهوض بالوطن، واستطاع بكوادره السياسية والحكومية، إثبات أن اليمن بأكمله، هم أنصار الله، وأن أعضاء ورئيس المجلس السياسي الأعلى، هم رجال دولة بامتياز، وأن حكومة “صنعاء” – إن جاز التعبير – هي أول حكومة يمنية وطنية، لم تخضع في تعيينها، لإملاءات السفارات الأجنبية واختيارات السفراء، كما أنها أول حكومة إسلامية، تخضع في تقييم إدائها السنوي للمعيار الإلهي، حيث كان الله تعالى هو القائم بعملية التقييم المباشر، فهو الذي اختار “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه”، شهيدا كريما عظيما في ضيافة الله سبحانه وتعالى، “ومنهم من ينتظر”، لإتمام مهمته وإنجاز مسؤوليته، وكلا الفريقين لم يحيدا عن نهج سبيل الله، “وما بدلوا تبديلا”.

هكذا قدمت ثقافة الجهاد والاستشهاد، سر عظمة التجارة مع الله، وقدم اليمنيون – من خلال عنوان سبيل الله بمفهومه الشامل – الشاهد الأكبر، على عظمة المشروع القرآني، وحقيقة الانطلاق من منطلق المسؤولية الدينية أمام الله تعالى، وقدم اليمن – قيادة وجيشا وشعبا – أعظم تجربة جهادية تحررية، في إسناد غزة، أصبحت بنجاحها المذهل، وإسقاطها كل الرهانات والتحالفات المحلية والعالمية، رقما صعبا في معادلة الصراع العالمي.