تأمُّلات في دلالات سقوط شبكة التجسّس ضد اليمن
بقلم ـ منصور البكالي
تكشف العملية الأمنية النوعية “ومكرُ أُولئك هو يبور” عن بنية أمنية يمنية ويقظة عالية الجهوزية، للعمل بموازاة المواقف العسكرية، وتوقعات تحَرّكات الأعداء المسبقة، وفق أسس قرآنية وعملية وخبرة استخباراتية تراكمية ممتدة منذ الحروب الأولى على صعدة وما تلاها.
أيضًا تُظهِرُ اكتساب اليمن خبرات واسعة عن طبيعة العمل الاستخباراتي للعدو وتحَرّكاته في العديد من دول المنطقة، وكيف يفكر ويخطط وينفذ عملياتها داخل دول محور المقاومة والاستفادة من تلك الدروس، وربطها بالواقع اليمني والأخذ في الاعتبار المتغيرات، وطبيعة الاختراق السعوديّ الأمريكي الطويل الأمد للمؤسّسات اليمنية، وبعض الأحزاب والجماعات والأسر في المجتمع اليمني، إضافة إلى التواجد الواسع للمنظمات الأممية بعد العدوان على اليمن، وطبيعة أدوارها المشبوهة، واستغلال حاجة الناس وبطالة الشباب.
وتبنِّي خطط أمنية ذات أبعاد استراتيجية ونفَس طويل، تجعلُ الأخطاء فيها شبهَ معدومة، وتنمي مستوى الدقة، وترسل رسائل سياسية وعسكرية وأمنية للعدو مفادها أن كافة جهوده مكشوفة وتحت الرصد والمراقبة مع عدم التأثر بنتائج بعض الإخفاقات، واعتبارها دروسًا مهمة لتطوير وتحديث العمل الأمني وفرصًا لمواكبة المتغيرات، والعمل وفق خطط تسبق العدوّ بخطوات، وتمسك بمختلف خيوط المؤامرة.
ومما يؤكّـد ذلك أن شبكة التجسس المعقدة التي عملت بإدارة مشتركة بين الاستخبارات الأمريكية والموساد التابع للكيان الصهيوني، وبغطاء لوجستي سعوديّ، نشرت بتفاصيل دقيقة لا تخشى صنعاء من الإفصاح عنها في هذا التوقيت، بقدر ما تعبر عن فضح للمخطّط وتعبئة عامة للوعي الشعبي وإقامة للحجّـة على الطرف السعوديّ، وإنذار مبكر يسبق خطوات رادعة، زمانُها ومكانُها مقرونان بمستوى تغيُّر السلوك العدائي، وتنفيذ الالتزامات السعوديّة تجاه اليمن، ومنحه فرصة أخيرة لمراجعة جل الحسابات.
ومع أن الدورَ الوظيفي للنظام السعوديّ داخل المشروع العدواني، ظهر جليًّا في اعترافات الخلية، وأن غرفة العمليات الرئيسية كانت متمركزة في السعوديّة، التي يدير الاتصالات والتوجيهات واللقاءات والتدريبات فيها ضباط أمريكيون وصهاينة بجنسيات بريطانية.
ومن المعطيات التي تكشف حجم التورط السعوديّ في هذا المخطّط الخبيث، خضوع عناصر الخلية لتدريبات مكثّـفة بين 2024 و2025 م، تضمنت تقنيات تمويه متقدمة، وأجهزة مراقبة مموهة تأخذ أشكالًا بسيطة كأجهزة التحكم بالسيارات، إضافة إلى هواتف مبرمجة لسحب البيانات، وشرائح تتبع تُزرع داخل المركبات.
وهذا التطويرُ التقني يؤكّـد أن العدوان الذي فشل خلال عامين من وقف الإسناد اليمني لغزة، بكل تحالفاته البحرية، وضرباته الجوية، وكما فشل جرّ السعوديّة لحرب مُعلَنة ضد اليمن؛ خشيةً من دفع فاتورة التكلفة للرد اليمني المباشر، زيَّنَ للرياض الموافقةَ على محاولة نقل الحرب إلى قلب الجبهة الداخلية، مستهدِفًا قراءة جاهزية صنعاء العسكرية والأمنية في مرحلة إقليمية حساسة، لكنها تلقت في الوقت نفسه ردًّا أمنيًّا يؤكّـد أن قدرات اليمن الأمنية كانت على أتم الجهوزية، ولديها من الخبرة والرصد ما يفشل مخطّطات الأعداء.
ورغم تعقيد الأدوات المستخدمة، نجحت الأجهزةُ الأمنية اليمنية في تفكيك العمل “العنقودي” للخلية والوصول إلى خطوط التحكم الخارجية؛ ما كشف هشاشةَ البنية الاستخباراتية للعدو الأمريكي–الصهيوني، وزيادة مناعة الأجهزة اليمنية وفاعليتها، وتوسع مداركها ومجالات الرصد أمامها، ووأد دور الرياض وأدواتها وعملائها المحليين بمجهر الصبر والنصر الأمني المكشوف، الذي يحبط اندفاعَ العديد من الخونة والعملاء، ويعزز خطط وبرامج الجهوزية الميدانية للمعركة البرية والجوية والبحرية والأمنية على حَــدٍّ متوازٍ.
وتوضح الوثائقُ طبيعةَ التنسيق الثلاثي، واستقلال قرار صنعاء، في جوهره، ويعكس قلق واشنطن وكيانها المدلل من تأثير اليمن في المعادلة الإقليمية، ومن أية جولة مواجهة قادمة، بقدر ما يعبر عن حجم الخوف والارتباك السعوديّ أمام اليمن، ورهاناتها على تهربها من الوفاء بالاستحقاقات الإنسانية في ملف الأسرى ودفع المرتبات، وإعادة الإعمار، في محاولة لاستثمار عامل الوقت، وما سينتج عنه في الداخل اليمني، في ظل استمرار الحصار والمعاناة.
لكن الوعي الشعبي لليمن العظيم يقف اليوم حجر عثرة أمام مخطّطات الأعداء، وهذا ما تعكسه الوقفات الشعبيّة للقبائل اليمنية المباركة للإنجازات الأمنية، ورسائلها النارية للطرف السعوديّ، وجهوزيتها القصوى لخوض غمار المواجهة وتأديب كُـلّ دول العدوان على الجمهورية اليمنية، وتجديد الولاء والبيعة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله – وتفويضه في اتِّخاذ الخيارات المناسبة، لردع الأعداء والاقتصاص لكل قطرة دم يمني، ووقف المعاناة، بحتميات النصر الموعود والجهاد المقدس.
بدورها، تتلقى القيادة السياسية والثورية والعسكرية والأمنية في صنعاء مطالب شعبها، وما يصدر في بينات تلك الحشود المستنفرة والمسلحة، كالتزامات وواجبات وطنية لا فكاك عن القيام بها.
لتحسم الأمر بتأكيدها على أن أي نشاط عدائي ينطلق من أراضي دول العدوان سيواجه برد مباشر، في إطار معادلة ردع مكتملة الأركان وبالغة الحجّـة.
وأمام هذا المتغير الاستراتيجي نستطيع القول بأن اليمن رسّخ مكانة الأجهزة الأمنية، وقواته المسلحة البحرية والبرية والجوية، وبات أقوى في مواجهة حرب الظل التي تديرها أمريكا والكيان المؤقت بشراكة وتنفيذ دول العدوان العربية، والخونة والجواسيس المحليين، وإن يمن ما بعد إسناد غزة أصبح أكثر حضورًا وتأثيرًا وقوةً، ويحظى بتعاطف ومبايعة داخل الشعوب العربية والإسلامية.
وقادم المواجهات ضد السعوديّة كفيل بتغيير رسم المنطقة برمتها، إن لم يعِ ابن سلمان مصداقية وثبات العهود والمواثيق تجاه الشعب اليمني.