قراءةٌ في البُعد الديني والإنساني في خطابات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

السيد-عبدالملك-بدرالدين-الحوثي

للكاتب / حمود عبدالله الأهنومي

تكمن أهمية خطابات السيد القائد سلام الله عليه وتنظيراته في أنها خطابات تعالج واقعا يعايشه الناس، وتنظيرات ترافق التطبيقات، وتعالجها، وتصحح مسارها، هناك من المنظرين من يمكنه أن يزخرف الكلمات، وينمق العبارات، ولكنها لا تجد مستندا يدعمها، ولا واقعا لاختبارها، فيجعل متلقيها في حيص بيص من أمره، إن الكلمة التي تأتي من واقع، أو تذهب إليه، هي الكلمة التي يجب أن يتوقف عندها الحكماء والناقدون، لا ليس هذا فحسب، بل إن خطاباته أيضاً خطابات قائد عالم عظيم ثبتت جدارته وكفاءته وحنكته وحكمته وفلسفته وقيادته في محطات مختلفة، ومنعطفات قيادية خطيرة.

خطابات السيد وكلماته خطابات دينية إسلامية، فهو قائد مؤمن عالم متدبر لكتاب الله مستن بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويشكل الدينُ حياتَه الرئيسة، ويمثل العقلُ والقرآنُ الكريم وصحيحُ سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصادرَه الرئيسة، إنه زعيم مؤمن يعيش أجواء وبيئات القرآن، يتحرك بآدابه، ويأمر بتوجيهاته، تحتشد خطاباته بآيات القرآن الكريم اهتداء واستدلالا، وهداية وحجاجا، وتصحيحا ونصيحة، تنضح بالإيمان القوي، وتتدفق من خلالها الثقة المطلقة بالله تعالى.

القائد المؤمن الذي يخاطب الجميع بخطاب القرآن، حتى أولئك الأعداء المستكبرين، فمن بداية العدوان، وهو لا يكل عن تقديم النصح للقوم الطاغين، لا يفتأ أن يذكِّرَهم باليوم الآخر، وبمفاهيم الدين، وبأهمية الخوف من الله وحسابه، يقفو في ذلك آثار الأنبياء والمرسلين، ويسلك مسالك الدعاة المصلحين، يعظهم أن يخافوا الله ربهم، وأن يطّرحوا الكِبر والخلق السيء جانباً، وكذلك كان أولياء الله يفعلون، ولا زالوا.

الدين في خطاباته

في خطاب المولد النبوي للعام الهجري الجاري، ذكر كلمة الدين 27 مرة، ونطق بلفظ الجلالة 93 مرة، وذكر القرآن في 19 مكانا، وورد لفظ (الإسلام ومسلمين) أكثر من 80 مرة، وما فتئ يردد مفردات الرحمة 12 مرة، والعدل 10 مرات، وصرّح بالقيم في 51 تصريحا، وأورد مفردة الأخلاق في 31 موردا، ووردت المبادئ والمبدأ في 24 مكانا. وهذا مؤشر شكلي على ارتباط الرجل بالدين وبالقرآن والإسلام، وارتباطه الشعوري الكبير بالله تعالى، وثقته المطلقة بنصر الله، وأن الدين لديه ليس مجرد ادعاء أو طقوس جامدة لا تحرك الواقع ولا تغير سيئه.

إنه الحضور الكثيف لمفردات الخير، والحسن، والصلاح، والرشاد، والحرمة، والرحمة، والكرامة، والعزة، والعدل، والإحسان، والرقي، والأصالة، وغيرها من مفردات الدين المعروفة، والتي لطالما جعلها في خطاباته وكلماته من مكونات الدين الأساسية.

إن الثقافة القرآنية التي صنعت أمة لا تخشى إلا الله، وتواجه طغاة ومستكبري العالم على أرض الواقع في الصحراء والجبال هي الأمة التي تقتدي بقائدها ومعلمها، الذي تشرَّب آداب القرآن في واقعه، واستلهم أحكامه وتعاليمه في حياته، وأوجد لها واقعاً وظلالاً في رؤاه ومفاهيمه وهو يتحدث عن مشاكل العالم ومشروع الخروج من أنفاقه المظلمة.

قربه من الله

من أول يوم في العدوان وهو يبشر شعبنا وأمتنا الإسلامية وأحرار العالم جميعاً، بأن هذا العدوان متوعّدٌ بالهزيمة، وأن هذا الشعب موعود بالنصر، في خطاب 20 مارس 2016م قال للمعتدين: “مهما كانت إمكانياتكم فأنتم في موقف الضعف وموقف الخزي” “مهما كانت إمكاناتكم فالله أقدر والله أكبر والله أعظم وهو إلى جانب شعبنا”، وأذاع فينا سويا أن الله وعدنا النصر حين قال: “الله قال (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) هذا وعد من الله”، ولا بد أن ينتصر المؤمنون به.

يقول: “نحن في هذا الشعب رهاننا على الله اعتمادنا على الله متوكلون على الله، وهم متوكلون على أمريكا، ورهانهم على أمريكا، ومتوكلون على أمريكا”، “والله للاعتماد على الله أعظم عزا وأضمن نصراً من الاعتماد على أي أحد في العالم”، “عامل القوة أننا معتمدون على الله وهم معتمدون على أمريكا”.

هذه هي الثقة العظيمة واليقين الكامل في هذا القائد الأسوة، اليقين الذي انعكس على رجال الرجال في جبهات العز والشرف والرجولة، والذين أعجزوا العالم – بعد عام من ملاحم الصمود والثبات والتحرك الجاد – تفكيراً وإعجاباً عن ماهية القوة التي بها يتحركون ويثبتون، وعن حقيقة الإيمان الذي به يضاجعون الموت القادم من الجهات الست ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وكأنه الأنيس الذي عرفوه طويلا، أو الغائب الذي انتظروه كثيراً.

مشروعه الإسلام العالمي

الإسلام في نظره هو الناظم العظيم الذي به يمكن أن تتحقق سعادة البشرية، القائد سلام الله عليه يقدم الإسلام في صورته المحمدية القرآنية، يتصور الإسلام بصورته العالمية التي جاء بها لحل مشاكل البشرية، يتحدث عن الإسلام بأنه مجموعة من القيم ومنظومة من الآداب والوعي والسلوكيات والمشروعات العملية التي بها يتحقق رضاء الله سبحانه وتعالى، منظومة تربط بين البشرية وتحسسها بأنها أسرة واحدة، إنه يرى أن البشرية ستكون أسعد وأكمل لو أخذت بتعاليم الفطرة، وهداية الإسلام، يقول سلام الله عليه: “الإسلام دين الفطرة، دين القيم، دين الأخلاق”، “الإسْــلَامُ الذي هو منظومة من القيم التي تربط بين البشرية وتحسسها بأنها أسرة واحدة من نفس واحدة،.. يقول الله في قرآنه يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى (يا أيها الناس) خطابٌ للبشرية كلها، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، هذا هو الإسْــلَام الذي يؤسس للروابط الإنْـسَـانية بين المجتمع البشري بكله ويقدم للمجتمع البشري من المبادئ والقيم والأَخْلَاق ما يكفل له ويحقق له أن يعيشَ هذا الشعور الأخوي الأسرى، أن يعيش التضامن، أن يعيش التعاون، أن يعيش التفاهم، أن يعيش المواساة، أن يعيش التعاضد، بدلاً عن التظالم والتناحر والاستهداف، على ما هو قائم اليوم في واقع البشرية، الإسْــلَام بهديه العظيم والمبارك الذي يعطي الإنْـسَـان رؤية ونوراً وبصيرة تجاه الواقع بكله، فلا يعيش أعمى ولا يعيش قابلاً للخداع والتضليل وساذجاً في تفكيره يتمكن أي ضال أَوْ أي مضلل بالأسلوب الإعْــلَامي أَوْ بالأسلوب الثقافي أَوْ بالأسلوب الفكري من أن يجره إلَى المتاهات..

القُــرْآن الكريم يعطيه أعلى مستوى من الوعي، قال اللهُ عنه (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) إلَى النور وهكذا هو الإسْــلَام العظيم الذي يحول الأُمَّــة إلَى أمة لها رسالة تنشد الحقَّ تسعى إلَى الخير، وتحمل إرَادَة الخير وتسعى لنشر الخير في العالم أجمع وإحقاق الحق وإقامة العدل، الإسْــلَام الذي هو دينُ ألفة وَإخاء وتعامل وتفاهم، يقول الله فيه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، يقول الله فيه (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) يقول الله فيه (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)، هذا الإسْــلَام العظيم الذي أثمر في الواقع، تجربة معطاءة عظيمة”.

هكذا يقدم السيد القائد الإسلام، وهكذا يفهمه، وهكذا يتعامل من خلاله، بحيث يستوعب العالمين جميعا، ويجعل من الناس جميعا أسرة واحدة، تحكمهم القيم والأخلاق والفطرة السوية، حيث القرآن مصدر الإسلام يعتبر “النور الذي يخرج به الناس من الظلمات، وقيم وأخلاق يتخلق به الإنسان، ويبني واقعه على أساسها، وفي مقدمة تلك القيم الرحمة، والإحسان، والعدل، والصدق، إلى غيرها من الأخلاق مع زكاء النفس، وطهارة القلب، للارتقاء بالإنسان ليرقى إلى مستوى الكرامة الإلهية، وبدون هذه القيم يتحول الإنسان إلى وحش مفترس، ويفقد كرامته الإنسانية”.

الإسلام حاجة بشرية ومشروع خير

يرى أيضا أنه يمثل حاجة البشرية، وضرورة لحل مشاكلها، وهو دين التحرر الذي يعلمنا الحرية، وهو الذي أرسى معالم الحرية بمعناها الصحيح، وهو الذي أتى ليعيد الكرامة لهذا الإنسان، ثم يخلص إلى القول بأن الإسلام “ضرورة، هو خير، هو مشروع خير، ورحمة للبشرية جمعاء، وهو مشروع أتى لينتصر”، وفي العبارة الأخيرة ما يظهر حضور اليقين واستشعار المعية لله رب العالمين، واعتقاد النصر المبين.

ثنائية الخير والشر وجاهلية مشروع أمريكا وأتباعها

ينطلق في هذه الرؤية من خلال طرح القرآن الكريم الذي يأمر بالبر والقسط إلى المخالفين لنا في الدين، وأن محمداً نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بعث رحمة للعالمين، أي أنه لا يعتمد تقسيم العالم إلى الإسلام والكفر، ولكنه يقسم العالم بين الإسلام الذي ينحاز للإنسان، ولكرامته، والكفر الذي يستعبد الإنسان، ويهينه، إنه يتحدث دائما عن ثنائية الخير والشر، والرشاد والفساد، هو يرى العالم تهيمن عليه قوى الشر وعلى رأسها أمريكا، وأدواتها في المنطقة، السعودية وإسرائيل، هذه القوى التي تمثِّل الجاهلية الأخرى، والتي باتت تشكِّل خطرا كبيرا على الإنسان قتلا وإفسادا وتدميرا، وتنكيلا، قوى الشر العدوانية، التي فاقت الجاهلي القديم في قتله وإفساده لما تملكه من أدوات تدميرية أشد فتكا وأكثر تدميرا، لقد أصبحت عبارته عن “إسلام السعودية وديمقراطية أمريكا” محطة انتباه وتركيز لأولئك المغفلين الذين عولوا كثيرا على حضارة أمريكا المادية، وأولئك الذين ظنوا خيرا في إسلام النظام السعودي، الإسلام التكفيري الوهابي الذي أنتج داعش والقاعدة؛ لقد كشف أن إسلام السعودية صورة للتحريف والانحراف عن الدين الحق، المحرفون والمنحرفون من اليهود (إسرائيل)، ومن النصارى (أمريكا) ومن المسلمين (آل سعود) جميعا في جبهة واحدة، ويسير آل سعود في ركاب مشروع الأمريكيين حيث لا مشروع لديهم، لقد أشار إلى بعدهم عن الإسلام من حيث تبعيتهم لأمريكا وإسرائيل، والعدوان على اليمن جمعَهم جميعاً في صف واحد، وقدموا بذلك “الصورة المشوَّهة للدين”؛ “لِأَنه يكفي التكفيريين والقوى التي تحسب نفسَها على الإسْــلَام كالنظام السعودي يكفيهم ويكفي الناس عنهم أنهم في جبهة أَمريكا وظهروا علناً وبالوضوح حلفاءَ لإسرائيل، هم في جبهة أَعْـدَاء الأُمَّــة”.

أمريكا ممثلة قوى الاستكبار والطغيان عملت على طمس معالم الرسالة ونسف أخلاقها وإضاعة قيمها، فجلبت الشقاء على الشعوب، وأغرقت العالم في مشاكل كبيرة، وعملت على الانحراف به إلى طريق الهلاك، وعدوانهم على اليمن هو جزء من هذه النزعة الشريرة التي ينطلقون لإشباعها.

يقول: “فجاهلية اليوم تمتلك أعتى وأفتك أَنْوَاع الأسلحة التي تتمكن من خلالها من تنفيذ الإبادة الجماعية والقتل الجماعي للآلاف من الأطفال والنساء، وللإنْـسَـان القُدرة على أن يخمنَ أَوْ يقدرَ الأرقام من قتلى البشرية من ويلات جاهلية اليوم بالملايين، أطفالاً ورجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً، نتيجة إمْكَانات جاهلية اليوم، جاهلي اليوم أَمريكي أَوْ إسرائيلي، سعودي أَوْ إمَارَاتي أَوْ غيره، جاهلي اليوم بوحشيته بتجرُّده من الإنْـسَـانية يستخدم الطائرات، يستخدمُ القنابل المحرّمة والأسلحة المحرّمة دولياً، يستخدم أفتك أَنْوَاع الأسلحة؛ ليقتل الآلافَ والآلافَ من الأطفال والنساء بطريقة وحشية بشعة، لا تستطيع إلَّا أن تقولَ إن الذي يفعل ذلك متجرّد من كُلّ الشعور الإنْـسَـاني، يعيش تَمَــاماً الحالة الغريزية التي يعيشها أيُّ وحش أي حيوان متوحش”، يرى السيد أن ذلك لبُعدهم عن الدين الحق، بنوره القرآن، ووعيه وأخلاقه وقيمه، وخلوهم عن مشروعه العملي.

السيد يرى في هذه الثنائية أيضاً أن قوى الخير وهي قوى التغيير موجودة في العالم، وفي الأمة الإسلامية، هو بواقعية يقدِّم حلولا أيضاً ولا يكتفي بتشخيص الأمراض، يتحدث عن ثنائية الشر والخير في هذا العالم، وهي رؤية القرآن الكريم الذي طالما تحدث عن الشر والخير، وجزاء الخير على الخير، والشر على الشر، وهي أيضا رؤية كثير من الفلاسفة، ومنهم فلاسفة المسلمين، وعلى رأسهم الزيدية والمعتزلة، والذين عبّروا عنها بالحسن والقبح. يقول السيد: “اليوم هناك الكثير من القوى المتطلعة للتغيير، القوى الساعية إلَى التحرُّر، القوى التي تدرك خطورة الواقع، فيها الخير وفيها البركَة، عندما تنشط عندما تطور أداءها عندما تتعاون أكثر عندما تفعّل هذه المسارات الثلاثة في إطار صُنع الوعي، أن تتسع دائرة الوعي، تعزيز القيم والأَخْلَاق في النفوس، العمل على الدفع بالأُمَّــة نحو مشروعها الحقيقي؛ لتكون أمة لها مشروع لها هدف لها رسالة لها دور في الحياة تسعى لتحقيقه”.

ينطلق السيد من قراءات واقعية، ومن رؤية إنسانية عامة لما يجري في العالم، هو لا ينظر إلى المسألة بمنظار محلي، حتى العدوان على اليمن، يضعه في مسار الإفساد الذي مرنت عليه قوى الشر في العالم، ودأبت عليه مشاريع الاستكبار والطغيان؛ هو يقرأ الواقع قراءة كلية، ويقيِّم المجريات على أساس مشروعي الخير والشر، ويعتبر البشرية أسرة واحدة.

علاقة العدوان على اليمن بمشروع الشر العالمي

في ظل عالم تهيمن عليه أمريكا راعية الشر الأولى في العالم يرى السيد أنه من الطبيعي أن “يتم شرعنة جرائم العدوان على اليمن بقتل الأطفال والنساء والمساكن والمشافي والأسواق”، وردّد كثيرا أن أمريكا لا يمكن أن تكون جزءا من صلاح العالم مهما بلغت قوتها المادية، لأنها جزء مهم من فساد وإفساد هذا العالم، ولكن وفي ظل فهمه العالمي للأسرة البشرية الواحدة دعا في خطاب 30 مارس 2015م أحرار العالم إلى التضامن مع مظلومية الشعب اليمني ومواجهة قوى الشر في العالم؛ لأن التهاون في مواجهتها هو تشجيع على الشر في كل العالم. وهي دعوة تنطلق من فهمه للبشرية السوية على أنها أسرة واحدة، يلزمها التضامن والتعاضد والتناصر.

الشعب والأمة والعالم

تتمحور اهتمامات السيد في خطاباته في دوائر متداخلة، فهو الذي شغف بالشعب، والذي طالما افتخر به وتحدث عنه ووله به، ويكفي أنه كرر كلمة (شعب) و(يمن) و(شعبنا) عشرات المرات، أما كلمة (أمة) فقد وردت في خطاب المولد النبوي عام 1436هـ حوالي 43 مرة، وفي خطاب عام 1437هـ الذي يعتبر ضعف السابق فقد وردت حوالي 126 مرة، فالأمة الإسلامية حاضرة في وعيه بجدارة، وقضية فلسطين القضية المركزية للمسلمين تأخذ حيزا أساسيا في وعيه وخطاباته كالتزام تجاه الأمة العربية والإسلامية، وأما كلمة (عالم) وَ(شعوب) وَ(بشرية) وَ(الناس) فقد تكررت عشرات المرات، وأخذت حيزا كبيرا من كلمات خطاباته، وهي تشير إلى أنه ينظر إلى هذه الدوائر باتزان، فهو المهموم بهموم وطنه، والمتألم بآلامه، والمنطلق مع آماله، ولكن أيضا هو القائد الذي لا يمكن أن يستغرقه وطنُه وشعبُه عن قضايا أمته؛ لأنه دين والتزام، وكذلك لا بد أن يضع تلك الرؤى في حيزها العالمي حيث البشرية أسرة واحدة، ويحن بعضها إلى بعض، ويناصر بعضها بعضا.

شعب الإيمان والحكمة

لم أجد قائدا يعتز بشعبه مثلما يعتز السيد عبدالملك الحوثي بشعبه في خطاباته وكلماته واهتماماته، ولهذا من الطبيعي جدا أن يبادل شعبه المحبة والوفاء، فكلماته ملأى بالتقدير والاحترام والثناء على هذا الشعب الكريم، ولو كان السيد شاعرا لأبلغ القول وأجاد النظم في مديح شعبه، ويكفي أن أسوق هذه العبارات التي قالها في خطاب 25 مايو 2015م: “لقد عبر شعبنا بمواجهته عن أصالته وعن قيمه وأخلاقه وعن عزته وإبائه وعن إيمانه وأنه شعب الإيمان والحكمة وشعب الأنصار وشعب الأوس والخزرج، ويمن عمار والأشتر”، “شعب تعوّد في إيمانه وترسخ في قناعاته أن لا يرهب إلا من الله، وأن لا يركع إلا لله”.

السيد ينظر إلى الشعب من منظار هويته الإيمانية، فهو الشعب المؤمن الواعي التقي، إنه شعب الإيمان والحكمة، الذي أثنى عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، الشعب الذي حين يحتفل بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يتميز عن كل الشعوب الأخرى بما يشير إلى ما وصفه السيد بـ: “عظيم المحبة، وأكيد المودة، والارتباط الوجداني والإيماني الراسخ بخاتم الأنبياء محمد (ص)”، إنه الشعب الذي يقف مناهضا لأمريكا، مناهضا لقوى الشر في العالم، الذي استُهْدِف بعد أن سعى في استعادة حريته وكرامته، ونفي التبعية والارتهان عن واقعه.

هذا الشعب بهويته الإيمانية (يمن الإيمان) في مفهوم السيد القائد لا يمكن أن يكون عدوانيا؛ لأنه شعب راقٍ وأصيل، ومؤمن، ومسلم بحق، والإسلام يجعل صاحبه كما – قال السيد – راقياً مؤمناً موحداً لله سبحانه، يحمل القيم، ويترفع عن السفاسف، ويحمل رسالة الخير، إنه دين القيم ودين الأخلاق، ودين الألفة، ودين المحبة والتعامل، والتفاهم.

إن ما يسطره شعبنا اليوم من بطولات وأمجاد وتصد أسطوري للعدوان تحدث عنه السيد من أول خطاب، بل حذر المعتدين من مغبة العدوان على اليمن قبل أن يبدأ العدوان، لقد أخبرهم أن دفاع الشعب عن نفسه وحريته وكرامته جزء أصيل من ثقافته ووعيه الإيماني والتزامه التاريخي، يقول: “الإسلام دين الحرية الذي يأمرنا بأن لا نقبل أن نستعبد”، وجعل سلام الله عليه من مظاهر الانحراف عن الدين الحق أن يغيَّب الدين في أساسياته وأبجدياته، كالرحمة، والعدل، والإحسان، ويتم الاقتصار فيه على بعض العبادات الشخصية، التي يسمح الطاغوت والاستكبار بإقامتها بشرط عدم تفعيلها، كما يحدث في ما يسمى بـ(إسلام السعودية) وشيوخ دعوتها، بينما إذا كانت هذه العبادات ضمن مشروع الأمة الواحدة، والأمة الإسلامية فإن لهذه الشعائر والعبادات فعالية واضحة، وتأثيرا كبيرا.

نتائج وتوصيات

من خلال هذا التطواف القصير في بعض محاضرات وخطب السيد يتضح أننا أمام مفكر وقائد ومرب يجب أن لا يضيعه قومه، وأن يعملوا على الارتباط به ارتباطا وثيقا للوصول إلى مرحلة النضج، وإلى مرحلة النتائج الإيجابية لهذه النظرة الواعية والمتزنة.

ومن كانت هذه أدبياته وهذا وعيه وهذه فلسفته التي كلما أمعن فيها الناظر وجد شيئا عجابا، فجدير به النصر، وخليق به القيادة والزعامة، وقل أن يكون لشعب قيادة بهذا المستوى من العلم والحكمة والشجاعة وحسن التدبير ووضوح الرؤية؛ لهذا نرى مشروع الشر والفساد وأدواته يحاولون النيل منه ومن حركته وزعامته. لقد آن الأوان أن نكون مع قائد نفخر بأنه قائدنا وزعيمنا في فعاله ومقاله ورؤيته وفلسفته وعلمه وشجاعته، فقد نلنا ما كفانا إلى آخر الدهر زعماء جهلة وأغبياء ذوي عي وطمطة وبلادة إلا في صروف الشر وأنواع البلاء.

تتميز رؤية السيد وفلسفته لكثير من القضايا بالوضوح والالتزام والموضوعية واستمدادها من القرآن الكريم، كما أنها رؤى موضوعية أثبتت واقعيتها وصدرت لتكون حلولا عملية للمشكلات التي تعصف بالعالم؛ الأمر الذي يساعد على إجراء المزيد من الدراسات والقراءات والاستكثار منها وإبلاغها إلى كل أحرار العالم؛ حيث نحن اليوم في يمن الإيمان أمام مشروع عالمي قابل للتطبيق.

إن ما لوحظ على سلوكات أنصار الله وأبناء الشعب اليمني الذي ينتمي إلى الهوية الإيمانية اليمانية والتي يمثلها السيد بحق من استقامة وحسن سلوك ومعاملة مع العدو والصديق وفي الحرب والسلم ومن غياب تام للسلوكيات التي طبعت حركات الإسلام السياسي فظاعة وبشاعة ليس إلا ترجمة عملية لهذه الرؤية الإسلامية الوطنية المنبثقة عن تلك الهوية اليمانية الإيمانية، التي تنتمي لمشروع الخير في هذا العالم، بينما نرى ما يمارسه العدو السعودي والأمريكي من بشاعات وفظاعات منقطة النظير كشفت إلى حد كبير زيف دعاوى الإسلام السعودي والحضارة الأمريكية، لقد أثبت السيد ورجاله أنهم ينطلقون من واقع أصيل وراق، وأنهم فعلا يمثلون الإسلام المحمدي الأصيل، الذي جاء رحمة للعالمين، وهدى للبشرية، بينما تبين بوضوح أن أمريكا وأدواتها أعداء الفطرة والإنسانية والإسلام، إنهم أنصار الشر، وأعداء الخير، وهو ما يجب العمل على توعية الناس به من واقع معرفي وتأصيلي.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدُ لله رب العالمين.