المبعوث الأمريكي توم بارك نقل عن الوزير روبيو تأكيده أن الهدف هو “دولة لبنانية قوية قادرة على مواجهة حزب الله ونزع سلاحه”. أي إن المقصود ليس تعزيز قوة لبنان لمواجهة العدوّ الصهيوني وإخراجه من المناطق المحتلّة، وإنما لتصفية حساب داخلي مع حزب الله.

هذه هي أقذر وأخبث رؤية أمريكية–إسرائيلية، وافقت عليها الحكومة اللبنانية في وقتٍ تتشدق فيه بالسيادة وترفض أي تدخل عربي أَو إيراني، بينما تفتح الأبواب مشرعة أمام الوصاية الأمريكية والصهيونية تحت غطاء “السيادة اللبنانية”!

هنا يطرح السؤال نفسه: ما واجبُ حزب الله وشعب لبنان وحاضنة المقاومة الإسلامية وهم أمام تحدٍّ كبير قد يفوق في خطورته المواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني؟

الحكومة اللبنانية كلّفت ما تسميه “الجيش اللبناني” بمصادرة السلاح وحصره. لكننا نعرفُ أن هذا الجيشَ –الهَشَّ والضعيف– مرسوم على الورق أكثر مما هو موجود على الأرض، ولن يستطيع حتى أن ينفض الغبار عن نفسه. فكيف له أن يواجه مجاهدي حزب الله الذين صنعوا الانتصارات الكبرى ضد الكيان الصهيوني؟

المخطّطُ الأمريكي–الإسرائيلي واضح: خلق مواجهة مباشرة بين الجيش اللبناني وحزب الله. والحزب لا يريد هذه الحرب، لكنه في المقابل لن يفرّط بسلاحه؛ لأَنَّه شرفه وسلاح سيادته. وَإذَا فُرضت عليه مواجهة ضد الجيش؛ فلن يتراجع عن واجبه العقائدي والديني في حماية لبنان والدفاع عن شعبه، حتى لو قاد الأمر إلى حربٍ واسعة تمتد على كامل الجغرافيا اللبنانية. وحينها، وبدلًا عن أن يتوجّـه سلاح المقاومة نحو العدوّ الصهيوني كما اعتاد، سيُرغم الحزب –بفعل الحكومة– على توجيهه نحو الجيش دفاعًا عن الشرف والسيادة المنتهكة بورقة أمريكية.

الخطورة الأكبر أن الجيش اللبناني، بعجزه المعروف، سيستعين حينها بالكيان الصهيوني نفسه، أَو بما يُسمى بفلول “داعش” داخل لبنان أَو القادمة من سوريا، في محاولة لتطويق حزب الله. ومع ذلك، يظل الحزب حذرًا، يتحاشى الانزلاق إلى حرب داخلية، لكنه في حال فُرضت عليه فلن يتخلى عن ترسانته العسكرية مهما كانت التضحيات.

إنَّ محاولات نزع سلاح حزب الله تأتي ضمن مشروع أشمل لإنهاء المقاومة في المنطقة لتخلوَ للاحتلال الإسرائيلي ليهيمنَ عليها ويقيمُ ما يسعى له (إسرائيل الكُبرى).

غير أن الحزب يعتبر سلاحه جزءًا لا يتجزأ من سيادة لبنان وحمايته من الاحتلال الصهيوني، بل هو عنوان السيادة الفعلية بعد الجهاد والمقاومة. ومن المستحيل أن يتنازل عنه تحت أي ظرف، ولو اقتضى الأمر إعلان الحرب ضد من يعتدي على هذا السلاح.

ختامًا، يبقى الوضع في لبنان دقيقًا ومتأزمًا في ظل هذه التطورات، وتبقى قدرة حزب الله على الصمود والتعامل مع هذه التحديات عاملًا حاسمًا في تحديد مسار الأحداث، ليس في لبنان وحدَه، بل في المنطقة بأسرها.