موظفو الأمم المتحدة.. من جواسيس لأمريكا وإسرائيل إلى سَرَقْ لآثار اليمن


تقرير|محسن علي
تصدرت الأنباء مؤخراً فضيحة مدوية في أكتوبر 2025، حيث أحبطت الأجهزة الأمنية والجمارك في مطار صنعاء الدولي محاولة لتهريب قطعتين أثريتين ثمينتين, لم تكن المفاجأة في محاولة التهريب بحد ذاتها، بل في وسيلة النقل والجاني, فقد كانت القطعتان مخبأتين في أمتعة موظف أممي، وكانت وجهتهما جيبوتي على متن رحلة تابعة للأمم المتحدة.
هذه الحادثة لم تكن استثناءً، بل مثلت نقطة تحول كشفت عن نمط منظم لاستغلال الحصانة الدبلوماسية والرحلات الآمنة كـ “قناة تهريب” محمية تتصدرها منظمات وموظفو الأمم المتحدة في اليمن.

الرقم الخطير: 9000 رحلة.. سؤال الهوية والتراث
وفي خضم أزمة إنسانية طاحنة جراء استمرار الحصار الأمريكي السعودي على الشعب اليمني طيلة 10 سنوات حتى اليوم، يواجه مطار صنعاء الدولي تحدياً أمنياً وحضارياً يلقي بظلاله على الدور الحقيقي للمنظمات الدولية, فبينما يُفترض أن تكون الرحلات الأممية شريان حياة، كشفت وقائع حديثة عن استغلال هذا الغطاء الإنساني لارتكاب جرائم مزدوجة تتراوح بين التجسس لصالح قوى معادية والضلوع في نهب التراث اليمني العريق.
تثير هذه الفضيحة تساؤلات حادة حول كثافة النشاط الجوي للمنظمات الدولية في اليمن, فمنذ بدء العدوان في مارس 2015 وحتى أكتوبر 2025، تشير الإحصائيات إلى أن عدد الرحلات الجوية للمنظمات الأممية والإنسانية عبر مطار صنعاء قد تجاوز 9,000 رحلة.
هذا العدد الهائل من الرحلات، الذي يُفترض أنه مخصص للإغاثة، يضع علامات استفهام كبرى حول استغلاله في أنشطة غير إنسانية..!؟.

الفترة الزمنية ..العدد التقديري للرحلات الأممية
مارس 2015 – نوفمبر 2021 بحسب تصريح مدير عام مطار صنعاء ومنظمة برنامج الغذاء العالمي بلغ عدد الرحلات ذهابا وإيابا أكثر من 5500 رحلة جوية ’ فيما سجل من ديسمبر 2021 وحتى اكتوبر2025م أكثر من 3500 رحلة مماثلة.

الوجه الآخر للإغاثة.. اتهامات بالتجسس والتمويل
تأتي فضيحة التهريب لتؤكد معلومات سابقة وجهها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، قائد الثورة، للمنظمات الدولية على رأسها برنامج الغذاء العالمي واليونسيف بأنها تعمل كـ “أدوات تجسس” لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل, في الوقت الذي يتمتع موظفو المنظمات بحصانة دبلوماسية تتيح لهم حرية الحركة والوصول إلى معلومات حساسة مستغلين غطاء العمل الإنساني لتغطية أنشطتهم الاستخباراتية, لتأتي فضيحة محاولة تهريب الآثار كدليل جديد تثبت تورط موظفيها في اتجاه آخر يتمثل بتهريب وسرقة تاريخ اليمن.

كارثة حضارية..8000 قطعة أثرية في زمن العدوان
الأرقام الكلية منذ عام 1994 تشير إلى كارثة حقيقية, تم السطو على وتهريب أكثر من 13,000 قطعة أثرية، وخلال فترة العدوان وحدها (2015 – حتى الآن)، تم تهريب حوالي 8,000 قطعة أثرية. هذه الأرقام تعكس حجماً هائلاً من الجرائم الحضارية المنظمة.

فترة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن.. الكارثة الحقيقية
شهدت فترة العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على اليمن تصعيداً حاداً في عمليات التهريب وخلال خلال هذه الفترة وحدها، تم بيع 2,610 قطعة أثرية في المزادات العالمية، و2,167 قطعة في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها بلغت قيمة القطع المباعة منها 12 مليون دولار، و1,384 قطعة لا تزال محفوظة في 7 متاحف عالمية.

الأرقام المثبتة في المزادات العالمية
وثق تقرير معهد كارنيجي للسلام الدولي 4,265 قطعة أثرية تم عرضها في المزادات العالمية خلال الفترة من 1991 إلى 2022, تم عرض هذه القطع في 16 مزاداً أمريكياً وأوروبياً موزعة على 6 دول غربية., هذه الأرقام المثبتة تمثل فقط جزءاً من الكارثة الحقيقية.

الدول المستقبلة للآثار المهربة
وفقا لمصادر معلوماتية مطلعة فأنه تم تهريب الآثار اليمنية إلى دول عديدة تشمل الكيان الصهيوني المجرم، أمريكا، الإمارات، بريطانيا، بولندا، سويسرا، وألمانيا. وجود آثار يمنية في إسرائيل يثير تساؤلات خطيرة حول الأهداف الحقيقية للعدوان والتهريب المنظم.

إسرائيل.. وجهة الآثار المهربة والهدف الاستراتيجي
تثير وجهات التهريب تساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية وراء هذا النهب المنظم. فقد تم تهريب الآثار اليمنية إلى دول عديدة، أبرزها الكيان الصهيوني المجرم، أمريكا، الإمارات، وبريطانيا.
يُشير وجود الآثار اليمنية في إسرائيل إلى هدف أبعد من الإثراء المالي، وهو طمس الهوية التاريخية والحضارية اليمنية، وبناء سرديات تاريخية مزيفة، وتعزيز مطالبات إقليمية مضللة، مما يربط الجريمة الحضارية بالهدف السياسي للعدوان.

آليات التهريب المنظمة والقنوات المستخدمة
تعمل عمليات التهريب عبر ثلاث قنوات رئيسية, القناة الأولى هي موظفو الأمم المتحدة الذين يقومون بإخفاء القطع في الأمتعة الشخصية، واستخدام الرحلات الأممية الآمنة، والاستفادة من الحصانة الدبلوماسية، وعدم الخضوع للفحص الدقيق’ أما القناة الثانية فهي المنظمات الإنسانية التي تستخدم غطاء العمل الإنساني، ونقل الآثار مع المساعدات، واستغلال ثقة السكان المحليين، والتنسيق مع شبكات التهريب الدولية, فيما القناة الثالثة هي شبكات التهريب المنظمة التي تقوم بجمع القطع من المواقع الأثرية، واستخدام تقنيات متطورة في الإخفاء، البيع عبر المنصات الإلكترونية، والتعاون مع عصابات دولية.

الأهداف الاستراتيجية
السؤال المهم: لماذا إسرائيل تستقبل الآثار اليمنية؟ الإجابة تكشف أهدافاً استراتيجية خطيرة, تسعى إسرائيل إلى إثبات وجود “روايات تاريخية” مزيفة، وبناء سرديات تاريخية مضللة، واستخدام الآثار في الدعاية الإسرائيلية، وتعزيز المطالب الإقليمية المزيفة’ فيما على الصعيد السياسي يهدف التهريب إلى إضعاف الهوية الوطنية اليمنية، وتقويض الصمود الحضاري للشعب اليمني، وتسهيل السيطرة الثقافية والحضارية، ودعم مشاريع التقسيم والتفتيت.

الهيئة العامة للآثار والمتاحف بصنعاء
اتخذت الهيئة إجراءات فعالة للحفاظ على الآثار اليمنية, حيث أصدرت خلال الشهرين (يونيو – أكتوبر 2025) 15 عدداً من قوائم الآثار اليمنية المنهوبة تتضمن تفاصيل القطع المهربة وأماكن تواجدها وسط قيامها المستمر برصد وتتبع القطع الأثرية في المزادات العالمية، وإعداد قوائم معلومات تعريفية عن القطع، والتنسيق مع الباحثين اليمنيين والأجانب، وإرسال ملفات إلى منظمة اليونسكو.
على الصعيد الدولي، اعتمدت اليونسكو قرارها في أكتوبر 2025 لمشروع قرار لحماية التراث الثقافي اليمني، وقعت اليمن على اتفاقية يونيدروا في نوفمبر 2024 ضد الاتجار بالآثار, ورغم هذا القرار إلا أن وتيرة بيع الآثار اليمنية المسروقة في مزادات علنية بالعالم تصاعدت وتيرتها منذ مطلع العام الجاري 2025م

.
الرسالة الموحدة
حكومة صنعاء والشعب اليمني يؤكدان على عدم التسامح مع المنظمات المتورطة في التجسس والسرقة، والحفاظ على الآثار اليمنية من النهب والتهريب، والمساءلة الدولية للمتورطين في هذه الجرائم، واستمرار الجهود لاسترجاع الآثار المهربة والمسروقة مهما كانت التضحيات وتفتح العيون بشكل أكبر على دور المنظمات وجرائمها التي تنفذها تحت غطاء العمل الإغاثي والإنساني.

 

نقلاً عن موقع يمانيون .