خطاب السيد القائد في الذكرى الـ11 لثورة 21 سبتمبر.. تأصيل للتحرر وترسيخ لوعي الأمة


في الذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر المجيدة، ألقى قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي خطابًا تاريخيًا حمل في طياته أبعادًا متعددة، عقائدية وسياسية وإنسانية، جسّد من خلالها روح الثورة ومكانتها، وأعاد رسم معالمها كحدث تحرري ممتد في الزمان والمكان، لا كمجرد محطة عابرة في تاريخ اليمن. لقد كان الخطاب وثيقة سياسية وروحية جامعة، تربط الماضي بالحاضر، وتستشرف المستقبل بثقة وثبات.
خطاب السيد القائد لم يكن خطابًا عاديًا في مضمونه ولا في توقيته، بل جاء ليؤكد أن الثورة لا تزال مشروعًا حيًا نابضًا بالوعي والإيمان، ومرتكزًا لصمود الشعب اليمني في معركته مع قوى الطغيان والاستكبار. وإذا كان كثيرون قد انتظروا ما سيقوله السيد القائد في هذه المناسبة، فإن الخطاب جاء أكبر من التوقعات، جامعًا بين التأصيل القرآني والقراءة السياسية العميقة، وموجّهًا بوصلة الأمة نحو المستقبل.
ومن هنا، فإننا أمام قراءة تحليلية لأبرز محاور الخطاب ودلالاته، بما يكشف مكانة ثورة 21 سبتمبر باعتبارها مشروعًا متجددًا يواكب التحديات ويصنع المستقبل.

ثورة خالصة بلا تبعية

منذ بداياتها، حاول الأعداء تصوير ثورة 21 سبتمبر كصنيعة خارجية أو نتاج تدخل إقليمي. لكن السيد القائد حسم هذا الجدل بوضوح قاطع، قائلاً: «لم تكن ثورة 21 سبتمبر صناعة خارجية ولا نتيجة دعم خارجي، بل هي ثورة شعبية يمنية خالصة».
بهذا التأكيد، أعاد السيد القائد، الثورة إلى جذورها الشعبية، وربطها بإرادة اليمنيين ومعاناتهم وتضحياتهم. هذه العبارة لم تكن مجرد توصيف، بل ردّ قاطع على كل محاولات التضليل الإعلامي التي سعت لتشويه حقيقة الثورة وطمس طابعها الوطني الأصيل.

نقاء البدايات.. ثورة نظيفة

الثورات في التاريخ غالبًا ما تلطخت بالدماء والانقسامات، لكن السيد القائد قدّم شهادة صريحة عن تميّز الثورة اليمنية قائلاً: «لم تُسجَّل في مسار ثورة 21 سبتمبر مذابح ولا مجازر ولا انتهاكات، رغم اتساع الغضب الشعبي».
هذه الكلمات تعكس سمو الأخلاق الثورية ونقاء البدايات، إذ لم يكن الهدف الانتقام أو سفك الدماء، بل التحرر والكرامة. هنا تبدو ثورة 21 سبتمبر استثناءً تاريخيًا، حينما أثبتت أن التغيير يمكن أن يتم بوعي ومسؤولية، في انسجام مع القيم القرآنية التي تحرّم الظلم وتدعو للعدل.

إسقاط الوصاية.. الإنجاز الأعظم

من أهم ما أبرزه الخطاب، استذكار واقع اليمن قبل الثورة، حين كان القرار السياسي مختطفًا بالكامل. قال السيد القائد: «لقد كان السفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي لليمن، وكانت بلادنا محتلة قرارُها السياسي».
بهذه الجملة، أعاد القائد للأذهان صورة مريرة من الوصاية الأجنبية التي جثمت على صدر اليمن لعقود. لقد مثّل إسقاط هذه الوصاية أعظم إنجاز للثورة، إذ لم يعد اليمن تابعًا في قراراته ولا مرتهنًا لسفارات الخارج.. إنه تحرر وطني بمستوى الثورات التحررية الكبرى التي غيّرت وجه التاريخ.

مشروع السلم والشراكة.. وفاء وطني وخيانة خارجية

أراد السيد القائد أن يثبت أن الثورة لم تكن مشروع إقصاء أو تفرد بالسلطة، بل مشروع جامع. ولذا ذكّر قائلاً: «ثورتنا لم تكن إقصائية، بل قدّمنا مشروعًا وطنيًا جامعًا، لكن الخارج وأدواته هم من انقلبوا عليه».
هنا يعكس السيد القائد حجم الوفاء الوطني الذي انطلقت منه الثورة، فقدمت “وثيقة السلم والشراكة” لتكون ميثاقًا يضمن مشاركة الجميع.. غير أن التدخلات الخارجية هي التي سعت لإفشال هذا المشروع الجامع، ليُلقى بالبلاد في أتون الفوضى والعدوان.

مواجهة المشروع الأمريكي–الصهيوني

لم يكتفِ الخطاب بالحديث عن الداخل اليمني، بل وسّع الدائرة ليكشف حقيقة الصراع. قال السيد القائد: «العدو الأمريكي والصهيوني هو من يقف خلف إثارة الفتن وتمويل المرتزقة، عبر أدواته الإقليمية».
بهذه العبارة وضع القائد الثورة في موقعها الطبيعي: جزء من معركة الأمة الكبرى. فاليمن، من خلال ثورته، لم يعد مجرد ساحة داخلية، بل بات في قلب جبهة المقاومة ضد المشروع الأمريكي–الصهيوني. وهنا تبرز أهمية الثورة كامتداد للمسار التاريخي للأمة في مواجهة الطاغوت.

الحرية والكرامة.. جوهر الثورة

أراد السيد القائد أن يوضح أن التحرر ليس سياسيًا فقط، بل إنساني ووجودي أيضًا، فقال: «لا يمكن لشعبنا أن يكون عبدًا لله وهو خاضع لأمريكا وإسرائيل».
هذه العبارة تختزل فلسفة الثورة، التي ربطت بين الإيمان بالله والرفض المطلق للطاغوت. فالكرامة الإنسانية لا تنفصل عن التحرر السياسي، والعبودية لله لا تكتمل إلا بالتحرر من المستكبرين. إنها رؤية قرآنية أعادت تعريف الحرية بمعناها الجوهري، لا كما يروّج لها الغرب بشعارات زائفة.

اليمن قبل الثورة.. من حافة الانهيار إلى الإنقاذ

استعاد السيد القائد صورة قاتمة لما قبل الثورة: فساد متجذر، اغتيالات متلاحقة، تمدد للجماعات التكفيرية حتى قلب صنعاء.. ثم قال بوضوح: «ثورة 21 سبتمبر أنقذت اليمن من الانهيار والضياع».
ففي تلك المرحلة، كان الفساد متجذرًا، والاغتيالات تضرب العاصمة، والجماعات التكفيرية تتمدد حتى إلى قلب صنعاء. بهذا الاستحضار، يذكّر القائد الشعب أن الثورة لم تُشعل الفوضى كما يزعم خصومها، بل أنقذت اليمن من مصير مظلم كان سيؤدي إلى انهياره الكامل.

رسائل للداخل والخارج

خطاب السيد القائد حمل رسائل متعددة الاتجاهات:
– للشعب: الثورة مشروع وطني جامع، ومسؤولية حمايتها تقع على الجميع.
– للخارج: اليمن لم يعد تابعًا لأحد، وكل محاولات إخضاعه فشلت وستفشل.
– لمحور المقاومة: اليمن حاضر بقوة في معادلة المواجهة، وثورته جزء من الجبهة الكبرى ضد أمريكا و”إسرائيل”.

بوصلة المستقبل

لم يكن الخطاب مجرد استذكار للماضي، بل خارطة طريق للمستقبل. فقد شدّد السيد القائد على أن:
– الحرية والسيادة خطوط حمراء لا مساومة فيها.
– مواجهة المشروع الأمريكي–الصهيوني واجب ديني ووطني.
– تعزيز الوحدة الداخلية والتماسك الشعبي مسؤولية جماعية.
– تحقيق الاكتفاء الذاتي، والتوجه نحو التنمية المستقلة، جزء لا يتجزأ من مسار الثورة.
– الثورة مشروع حضاري لبناء دولة وطنية مقاومة، عادلة وقوية، تستند إلى قيم الإيمان والكرامة.

21 سبتمبر.. مشروع متجدد

خطاب السيد القائد في الذكرى الحادية عشرة لثورة 21 سبتمبر جاء ليؤصّل الثورة كحركة إيمانية ووطنية وإنسانية، ويحصّن وعي الشعب ضد حملات التشويه والتضليل.
لقد أكد السيد القائد أن الثورة ليست حدثًا عابرًا، بل مشروعًا متجددًا يمنح الأمة القدرة على الصمود والمواجهة، ويجعل من اليمن قاعدة متينة في محور المقاومة، وحجر زاوية في معركة الأمة الكبرى ضد الطاغوت الأمريكي والصهيوني.
إنه خطاب سيبقى علامة فارقة، يؤرخ لمرحلة ويستشرف أخرى، ليبقى اليمن بفضل ثورته حاضرًا بثبات في قلب معركة التحرر الكبرى، صانعًا لمستقبله بصلابة الإيمان وعزيمة الأحرار.