21 سبتمبر.. بناء الدولة اليمنية


بقلم /بشير ربيع الصانع

ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر كانت محطة فارقة غيّرت مسارَ اليمن، ووضعت البلاد أمام واقع جديد قائم على الإرادَة الشعبيّة والسيادة الوطنية، وما تحقّق في سنواتها الماضية لم يكن قليلًا، بل هو حصيلة وعي جمعي تحَرّك لإنقاذ وطنه من براثن الفساد والتبعية، وصنع لنفسه موقعًا بين الأمم الحُرَّة.

من أهم ما تحقّق كان التحول الأمني الكبير. فقد نجحت الأجهزة الأمنية في تفكيك الخلايا الإجرامية وإحباط المخطّطات التي استهدفت العاصمة والمحافظات المحرّرة، لتطهر اليمن من الحسابات الأمنية الخارجية التي لطالما لعبت دورًا في إشاعة الفوضى وزرع الخوف. وبات المواطن يشعر باستقرار مختلف، مصدره يقظة الدولة وحضورها الفعلي في حماية المجتمع.

أما في ميدان التصنيع العسكري، فقد حملت الثورة اليمنية البلاد إلى مرحلة جديدة كليًّا. خلال سنوات الحصار والعدوان تفتقت العقول اليمنية عن مشاريع كبرى وضعت البلاد على طريق الاكتفاء الذاتي في التسليح. من المدافع والذخائر والمدرعات المصنعة محليًّا، إلى الصواريخ الباليستية التي امتدت من “بركان-1” إلى صواريخ مفرطة السرعة مثل “فلسطين 2” و”ذو الفقار”، وُصُـولًا إلى الطائرات المسيرة الأكثر تطورًا مثل “يافا صماد” التي عبرت الأجواء لتصل إلى عمق (إسرائيل). كان ذلك إعلانا واضحًا أن اليمن قادر على حماية نفسه وفرض معادلة الردع في مواجهة أعتى القوى.

هذا التقدم العسكري لم يأتِ بمعزل عن البُعد القومي؛ إذ أعادت الثورة لليمن موقعه الطبيعي في قلب قضايا الأُمَّــة. انحيازها الثابت لفلسطين ورفضها الصريح لأي شكل من أشكال التطبيع والوصاية جعلا صوتها مسموعًا ومؤثرًا في زمن تكاثرت فيه محاولات تذويب القضية الأولى للأُمَّـة. كان موقفًا نابعًا من الإيمان والهُوية، لا من حسابات السياسة الضيقة.

على المستوى الداخلي، طوت الثورة صفحة مريرة من الفساد الذي حوّل مؤسّسات الدولة إلى غنيمة في يد قلة من المتنفذين. فُتحت ملفات الإصلاح، وأُعيد بناء المؤسّسات على أَسَاس النزاهة والشفافية، وأُزيحت المنظومات العميلة التي ربطت مصالح الشعب بأجندات أجنبية. بذلك استعاد المواطن الثقة في إمْكَانية أن تكون الدولة خادمة له لا مستنزفةً لحقوقه.

ولم تقتصر الإنجازاتُ على السياسة والدفاع؛ فقد شهد الاقتصاد المحلي خطوات جادة نحو التعافي رغم شدة الحصار. جرى دعم المشاريع الصغيرة، وتشجيع الزراعة والصناعة المحلية، وتحريك عجلة الخدمات بما يخفف من معاناة الناس. تلك الجهود صنعت اقتصادًا أكثرَ صلابة وقدرة على مواجهة التحديات، ووضعت الأَسَاس لبناء يمن يعتدّ بقدراته الذاتية.

أما على الصعيد الاجتماعي، فقد أبرزت الثورة طاقة كبيرة في التعبئة الشعبيّة. تعزّزت روح التضامن والمسؤولية الجماعية، وتفعّل دور الزكاة والوقف والعمل الخيري، ليمتد أثره إلى رعاية الفقراء ودعم الأسر المتضررة من الحرب. وهكذا تأسّست منظومة اجتماعية تحمي المجتمع من الانهيار وتثبت أقدامه في وجه الأزمات.

هذه المحطات مجتمعة تعكس صورة شاملة لمرحلة جديدة صنعها اليمنيون بعرقهم وصمودهم. مرحلة أعادت ترتيب أولويات الدولة، وأعادت الثقة للشعب بقدراته، ووضعت البلاد على مسار الاستقلال الفعلي في السياسة والاقتصاد والدفاع، ورسّخت هُوية وطنية متماسكة لا تنكسر أمام التحديات.