سند من دم حيّ وصوت لا يلين.. (1.419) ساحة يمنية تنتصر لغزة
الجوف نت /تقرير
في قلب المأساة الغزّية، حيث يتناسل الجوع من الحصار، وحيث تتحوّل الأرغفة إلى حلم بعيد المنال، يطلّ اليمن وحيدًا من بين العرب ليقول كلمته بالفعل لا بالشعارات. غزّة التي هجرتها بيانات العالم وأدار لها الكثيرون ظهورهم، وجدت في صنعاء وصعدة والحديدة وتعز ومختلف المناطق اليمنية سندًا من دمٍ حيّ وصوتٍ لا يلين.
اليمن، المحاصر هو الآخر، اختار أن يكسر القيد بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ليكتب بلغته الخاصة أن فلسطين ليست قضية غريبة، بل هي جزء من وجدانه وهويته. في زمنٍ تُشترى فيه المواقف وتباع، يقف اليمنيون على خطّ النار، حاملين أرواحهم على أكفّهم، يوجّهون ضرباتهم نحو الكيان الإسرائيلي كما وجّهوها نحو أمريكا في البحر، فيعلنون أنّ الكرامة لا تُقاس بموازين القوى، بل بمقدار الوفاء.
واليوم، بينما تعيش غزّة أقسى لحظاتها، خرج أهل اليمن في أكثر من ألف مسيرة شعبية. مشهد مهيب يليق بتاريخهم؛ أنهارٌ بشرية تغمر الشوارع والساحات، هتافات تتردّد كالصدى في سماء المدن: “غزّة لست وحدها”. كبار وصغار حملوا قلوبهم قبل راياتهم، ليقولوا للعالم إنّ التضامن ليس صورة على شاشة، ولا منشورًا في الفضاء الرقمي، بل فعلٌ يتجسّد في ميادين حقيقية وصوتٍ جماعي يطرق جدار الصمت.
إنّها لوحة تتناقض مع خذلان الآخرين: شعب محارب محاصر، ومع ذلك يقف مع شعبٍ جائع محاصر مثله. اليمن الذي يعرف قسوة الحصار أكثر من غيره، يرفض أن يكتفي بجراحه، فيحوّل ألمه إلى سلاح، ويجعل من صموده جسرًا يمدّه نحو غزّة.
لقد أثبت اليمنيون أن نصرة فلسطين ليست ترفًا سياسيًا ولا بندًا على أجندة الحكومات، بل هي اختبارٌ حقيقيٌّ للكرامة. من يعرف طعم الجوع لا يقبل أن يرى طفلاً غزّيًا يموت عطشًا أو جوعًا. ومن يعيش تحت القصف لا يمكن أن يترك غزّة وحيدة تحت النيران. وهكذا، في لحظةٍ تخلّى فيها كثيرون، بقي اليمن حاضرًا، بشعبه ودمه وهتافه. بقي ليثبت أنّ غزّة معيار الشرف والرجولة.
ومع ساعات الصباح الأولى، يتهيئ اليمنيون ليقولوا كلمتهم في وجه العدو. مناطق تخرج باكرا وأخرى تخرج عصراً حتى يبقى اسم غزة يحلق في سماء اليمن الحر. لا الأمطار تعيق الشعب اليمني عن الحضور ولا شغل الحياة وأزماتها، فنصرة غزة، أمان من سخط الله. هكذا يقول اليمنيون: “إن النجاة من عذاب الله وسخطه في حاضر الدنيا وآخرتها مرهون بالانتصار للمظلومين في غزة، فالدين الإسلامي مواقف. وبياض الوجوه في الآخرة مرهون ببياضها في الدنيا”، فمن كانت مواقفه تبيض الوجه تجاه غزة فوجهه أبيض عند الله”. وأي شعب هذه عقيدته كيف لمثله أن يسكت؟ أو يصيبه الضعف والوهن أو الاستكانة؟
تحت شعار ” ثابتون مع غزة.. لا نخشى التهديدات ولا ترهبنا المؤامرات”. احتشد جماهير الشعب اليمني في أكثر من (1.419) ساحة وميدان في العاصمة صنعاء ومختلف المحافظات وعلى النحو التالي:
|| العاصمة صنعاء: ميدان السبعين، محافظة حجة: (301) ساحة، محافظة إب(290) ساحة، محافظة الحديدة: (268) ساحة، محافظة عمران: (106) ساحات، محافظة المحويت: (94) ساحة، محافظة تعز: (87) ساحة، محافظة ريمة:(85) ساحة، محافظة ذمار: (51) ساحة، محافظة الجوف: (47) ساحة، محافظة صعدة: (41) ساحة، محافظة البيضاء: (23) ساحة، محافظة مأرب:(18) ساحة، محافظة الضالع: (4) ساحات، محافظة لحج: (3 )ساحات||
وشهد ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء مسيرة مليونية تحت شعار “ثابتون مع غزة.. لا نخشى التهديدات ولا ترهبنا المؤامرات”، تأكيدًا على الموقف الثابت في نصرة الشعب الفلسطيني، وتنديدا بتخاذل الأنظمة العربية والتواطؤ الدولي تجاه جرائم الإبادة والتجويع في غزة.
الحشود المهيبة، رفعت العلمين اليمني والفلسطيني في مشهد يجسد وحدة المصير والموقف، معلنة أن غزة ليست وحدها، وأن القضية الفلسطينية ستظل حاضرة في وجدان أبناء الشعب اليمني وقضيته المركزية والأولى.
وأعلنت الحشود أن تهديدات ومؤامرات الأعداء وأدواتهم لا ترهب الشعب اليمني ولن تثنيه عن موقفه الديني والأخلاقي والإنساني في نصرة ومساندة الشعب الفلسطيني حتى إيقاف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، مهما كانت التحديات والتضحيات.
وأدانت تواطؤ ودعم بعض الأنظمة العربية للعدو الصهيوني وتآمرها لنزع سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان، والذي شجع العدو على الاستمرار في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الأشقاء في غزة، واستباحة شعوب الأمة ومقدساتها.
ودعت الحشود المليونية، شعوب الأمة إلى العودة الصادقة للقرآن الكريم كونه المخرج الوحيد لتحقيق عزتها وقوتها وتمكينها ونصرتها على أعدائها.
وهتفت الجماهير بعبارات (الله أراد لنا العزة.. والعزة في نصرة غزة)، (لو عدنا لكتاب الله.. لهزمنا أعداء الله)، (من يخشى من أن يجاهد.. سيداس غدا وهو يشاهد)، (ثوروا يا أحرار العالم.. غزة مأساة تتفاقم)، (الصراع مع اليهود.. أمر حتمي مشهود)، (أمريكا وبني اليهود.. مجرمون بلا حدود)، (قوموا للقرآن نطبق، نتصدى للخطر المحدق.. والله سينصر ويوفق).
ورددت الحشود (موقف مصر وآل سعود.. يدعم مشروع اليهود)، (يا أمة يكفيك جمود.. دنس أقصانا اليهود)، (غزة يا أمة تعنيكم.. صمت الزعماء لن يعفيكم)، (يا أمتنا وضعك مقلق.. الخطر الصهيوني محدق)، (يا غزة يا فلسطين.. معكم كل اليمنيين)، (الجهاد الجهاد.. حي حي على الجهاد) (يا غزة واحنا معكم.. أنتم لستم وحدكم).
وأوضح بيان صادر عن المسيرة، ألقاه مفتي محافظة البيضاء العلامة حسين الهدار، أنه “استشعاراً لمسؤوليتنا الدينية والإنسانية والأخلاقية، نستمر في خروجنا الأسبوعي في مسيرات مليونية جهاداً في سبيل لله، وابتغاء لمرضاته، ونصرة ومساندة لإخواننا في غزة، الذين يتعرضون لأبشع جرائم الإبادة في هذا العصر على يد المجرمين الصهاينة، ونصرة للمسجد الأقصى المبارك”.
وجدد الدعوة لأبناء الأمة للعودة الصادقة إلى كتاب الله القرآن الكريم، والاهتداء بنوره القادر على إزاحة ظلمات الخرافات الصهيونية الشيطانية ودحض أباطيل وتضليلات المنظومة الصهيونية الخبيثة التي اقترفت أبشع جريمة في هذا الزمن، ولا زالت مستمرة ومتصاعدة، ولا زالت كذلك تخطط لارتكاب ما هو أفظع بحق البشرية كلها، وفى مقدمتها شعوب أمتنا.
وأكد البيان، التمسك بالموقف المساند لغزة والشعب الفلسطيني المظلوم، والمدافع عن غزة وفلسطين، وعن المسجد الأقصى الشريف وسائر المقدسات، مع اليقين الكامل، والثقة المطلقة، بتحقق وعد الله بالنصر، ووعيده للأعداء بالخسارة والذل، إلى يوم القيامة.
وأدان بيان المسيرة الدعم الواضح من بعض الأنظمة العربية للعدو الصهيوني، والذي يعد سبباً رئيسياً في استمرار جرائم الإبادة الجماعية بحق أبناء غزة، وشجع العدو وأغراه لإعلان مخططاته الأكثر خطورة، باسم “إسرائيل الكبرى”، بالرغم من أنها تستهدف في المقدمة بلدانا وشعوبا تخضع لحكم تلك الأنظمة الداعمة للصهاينة، كالنظام السعودي الذي يرسل السلاح للعدو، ويزوده بغيرها من الاحتياجات، ويعمل على خدمته من خلال التآمر لنزع سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان، وكذا النظام المصري الذي يعقد مع العدو الصفقات الضخمة التي تدر له الأموال الهائلة وغيرهما من الأنظمة، التي تتوزع ما بين داعم، أو خاضع لقرار التخاذل.
ودعا كل تلك الدول والأنظمة إلى مراجعة مواقفها، وإيقاف كل تلك الخيانات، لأنها ستعود عليها بالوبال في الدنيا والآخرة، وليعلموا بأن الله لهم بالمرصاد، وبأن الشعوب لن تغفر لهم ذلك.
كما أدان بيان المسيرة المليونية، إعلان العدو الصهيوني بدعم أمريكي تنفيذ مرحلة جديدة من العدوان الهمجي المتوحش تجاه مدينة غزة.. وأضاف “نشد على أيدي المجاهدين الأبطال في المقاومة الفلسطينية، الذين ينكلون بالعدو أشد تنكيل في عمليات مذهلة، وغير مسبوقة، بالثبات والصبر والاستبسال، ونقول لهم نحن معكم وإلى جانبكم، وندعو الله لكم بالثبات والنصر”.
وبارك عمليات قواتنا المسلحة في البحر وفي عمق العدو.. داعيا إلى المزيد من التصعيد والتطوير والابتكار.
كما دعا البيان، شعوب الأمة وأحرار العالم، إلى تقديم الدعم بمختلف أنواعه للمقاومة الفلسطينية واللبنانية ومواجهة كل المخططات التي تستهدفهم، وتحاول ضرب كل نقاط القوة داخل هذه الأمة، تمهيداً للمخطط الأبشع والأكثر دموية وإجراما في العالم المسمى بـ “إسرائيل الكبرى”.