بينما تئِنُّ غزةُ تحت وطأة الحصار والقصف والتجويع، يطالعنا الواقعُ العربي بمشهد بائس: صمت مريب، خنوع قاتل، ومواقف تبريرية تشبه التواطؤ أكثرَ مما تشبِهُ الحياد.

“العالم العربي بلا روح”.. هكذا وصف قائدُ الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي المشهد، في خطابه الأسبوعي الأخير الذي حمّل فيه الدولَ العربية والإسلامية مسؤوليةَ التخاذل المهين، في مقابل عظمة الصمود الفلسطيني وروح الجهاد الممتدة من غزة إلى القدس، ومن جنوبي لبنان إلى عمق البحر الأحمر.

في أسبوع واحد، سقط أكثر من 3700 شهيد وجريح في غزة، وسط ظروف هي أقربُ لمصائد الموت منها إلى الحياة.

الطحين، أغلى من الذهب، المياهُ ملوثة، والمستشفيات مدمّـرة، والمعابر مغلقة.

ليست هذه ادِّعاءات إعلامية، بل هي شهادةُ منظمات دولية كـ “العفو الدولية” و”الأونروا” ومقرّري الأمم المتحدة، التي وصفت ما يجري بأنه من “أقسى جرائم التاريخ”، تجويعٌ منهجي وفخاخ موت متعمدة تستهدف المدنيين وتجرد الفلسطيني من إنسانيته.

وفي الضفة الغربية، لا يقل المشهدُ سوداوية: قتلٌ، تهجيرٌ، مصادرةُ أراضٍ، وبؤر استيطانية جديدة تُمهِّدُ لخريطة تهويد أوسع، القدس تُنتهك، ومآذنُها تُكتم، وسكانُها يُرحّلون قسرًا، هذا العدوّ الصهيوني لا يتركُ وسيلةً إلا ويستغلُّها لطمس الهُوية وتفريغ الأرض من أصحابها.

بعد 21 شهرًا من العدوان، لم يتمكّن العدوُّ من كسر إرادَة المقاومين، بل زادهم إصرارًا، وها هم جنود العدوّ يعانون من الانهيار النفسي والاختلال العقلي، بينما يقاتلون بجُبنٍ واضح، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾.

لكن المفارقة المؤلمة هي تخاذُلُ الأنظمة العربية والإسلامية، التي تترك العدوّ يتحَرّك بحرية، رغم هشاشته النفسية والمعنوية، فبينما تُدمّـر غزة، تقفُ هذه الأنظمة موقفَ المتفرج، الخِذلان العربي، وصفه السيد القائد بأنه “قبيح وجريمة كبرى”، ليس فقط في بُعده السياسي، بل في بعده القيمي والديني والإنساني.

أن تُترَكَ غزة تواجِهُ مصيرَها، فيما العدوُّ يتداعى نفسيًّا ومعنويًّا، هو أمرٌ يحمل في طياته خيانة لموقعك كمسلم، كإنسان، وكصاحب مروءة.

الله توعد المتخاذلين، وهذا الوعيد ليس مؤجلًا فقط للآخرة، بل حاضرٌ في الدنيا، في صورة الذل والهوان وفقدان الكرامة.

أما اليمن، فقد انتقل من دورِ الداعم إلى دور القائد في معركة الأُمَّــة، فخلال الأسبوع الماضي، نفّذت القوات المسلحة اليمنية 45 عملية بين صواريخ ومسيرات وزوارق، مستهدفةً عمقَ الكيان الصهيوني، عمليات أغرقت سفينتين مرتبطتين بالكيان بالصوت والصورة، وَأوقفت الرحلات الجوية وأرغمت الملايين على اللجوء إلى الملاجئ.

كل محاولات التشويه والحملات الإعلامية – كثيرٌ منها عربي – لا تؤثِّرُ في موقفِ اليمن. فالصبرُ والثباتُ هما السلاح، والإيمان بعدالة القضية يخفف ثقل الأحداث. فاللهُ هو الرعاية، وهو من وعد بالنصر، و”بشّر الصابرين”، واليمن، بروحها الجهادية وإيمانها الراسخ، تثبت أن الحقَّ أقوى، وَأن “الإيمان يماني”، وأنها تقودُ اليومَ معركةَ الأُمَّــة بمصداقيةٍ وحنكة وحكمة لا مثيل لها.

باختصار هذا هو الخطُّ الفاصلُ بين الأمم الحية والميتة، بين الشعوب الأصيلة والمستعبَدة. معركة اليوم ليست فقطْ صراعَ وجود، بل معركةُ وعي وهُوية وقيم.

ومن اختار طريقَ المقاومة، فاللهُ ناصرُه.. “ألَا إن نصرَ الله قريب”.