الولايات المتحدة وسوق السندات تحت ضغوط ترامب: ديون متفاقمة وثقة متآكلة

تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تحديات مالية متصاعدة تهدد استقرار أسواقها المالية، في مقدمتها سوق سندات الخزانة، التي تعكس التقلبات فيها مدى هشاشة الثقة الاقتصادية، خصوصًا في ظل السياسات التي اتبعتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

غياب الثقة وتذبذب سوق السندات

يرى المحلل الاقتصادي رشيد الحداد أن تذبذب أسعار سندات الخزانة يرتبط بشكل مباشر بفقدان المستثمرين للثقة في السياسات الاقتصادية الأمريكية، نتيجة القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب في فترته الرئاسية، وعلى رأسها حرب الرسوم الجمركية. هذه الإجراءات، وفق الحداد، لم تترك أثرًا إيجابيًا على الاقتصاد كما أُعلن، بل كانت لها نتائج سلبية مباشرة على الأسواق الأمريكية والعالمية، وعززت المخاوف من عودة الركود الاقتصادي.

وأضاف أن سياسات خفض الفائدة التي انتهجتها إدارة ترامب، وسعيها لدفعها إلى ما دون 5%، أسهمت في زيادة عدم اليقين، في وقت يستعد فيه السوق لسداد ديون مستحقة بقيمة 11 تريليون دولار، أي ما يقارب ثلث الدين العام البالغ أكثر من 36.2 تريليون دولار.

 ديون مستحقة وخيارات محدودة

بحسب تقرير رسمي لوزارة الخزانة الأمريكية، فإن الحكومة مطالبة بإعادة تمويل ديون ضخمة خلال فترة زمنية قصيرة. ويوضح الحداد أن الخيارات المتاحة أمام إدارة ترامب ضيقة ومكلفة، فقد تضطر إلى إعادة شراء السندات المستحقة بفوائد أعلى أو الدخول في مفاوضات مباشرة مع حاملي السندات لتأجيل السداد.

تراجع ثقة البنوك والمؤسسات الدولية

تشير البيانات إلى انخفاض حيازة البنوك المركزية من سندات الخزانة الأمريكية بمقدار 48 مليار دولار منذ مارس 2025. ووفق الحداد، يعكس هذا التراجع مخاوف متصاعدة من المخاطر السياسية والمالية في الولايات المتحدة، مما يدفع العديد من البنوك والمؤسسات الدولية إلى تنويع محافظها الاستثمارية والاتجاه نحو الذهب بدلاً من السندات الأمريكية.

مزادات ضعيفة وطلب أجنبي متراجع

شهد آخر مزاد لسندات الخزانة الأمريكية لأجل 20 عاماً، والذي بلغ حجمه 16 مليار دولار وبعائد 5%، طلبًا ضعيفًا من المستثمرين الأجانب. ويشير الحداد إلى أن هذه السندات تم إصدار معظمها لتمويل الحروب الأمريكية السابقة، مثل العراق وأفغانستان، مما يزيد من هشاشة ثقة المستثمرين بها، خاصة في ظل انعدام الفائدة السياسية والاقتصادية من تلك الاستثمارات القديمة.

ضعف الدولار ومؤشرات خطرة

تزامنًا مع تصاعد الدين الأمريكي واقترابه من 37 تريليون دولار، يشهد مؤشر الدولار انخفاضًا أمام سلة من العملات العالمية، ما يضع ضغوطًا تصاعدية على أسعار الفائدة. ويفسّر الحداد هذا التراجع بأنه انعكاس مباشر لفقدان الثقة بالدولار، حيث يتجه المستثمرون نحو الذهب كملاذ آمن في ظل المخاوف من خفض جديد في أسعار الفائدة.

السعودية والسندات الأمريكية

وفي خضم هذه التطورات، أظهرت البيانات أن السعودية رفعت استثماراتها في سندات الخزانة الأمريكية إلى 2.2 مليار دولار في أبريل 2025. ومع ذلك، يؤكد الحداد أن هذه الزيادة طفيفة مقارنة بما كانت عليه في السنوات السابقة، ما يشير إلى أن السعودية، كسائر الدول، تُعيد النظر في استراتيجياتها الاستثمارية في ظل تصاعد المخاطر في الأسواق الأمريكية.