“تشات جي بي تي”: مستمع بارع بلا قلب.. لماذا لا يمكننا اعتباره صديقًا حقيقيًا لمشاكلنا النفسية؟


كشفت دراسة حديثة أن مئات الآلاف من مستخدمي “تشات جي بي تي” يظهرون علامات محتملة على معاناتهم النفسية خلال محادثاتهم مع البرنامج، في ظل اعتماد متزايد على هذا الذكاء الاصطناعي لمشاركة أعمق الأسرار والمشاعر. ومع أن عدد المستخدمين الذين تظهر عليهم هذه المؤشرات هو جزء صغير من إجمالي 800 مليون مستخدم أسبوعيًا، فإن ذلك يعكس حجمًا هائلًا من الناس الذين يلجؤون إلى هذه التقنية بحثًا عن دعم نفسي، رغم أن “تشات جي بي تي” لا يمتلك القدرة على الفهم الحقيقي أو التعاطف.

يبرز هنا التناقض الكبير بين الأداء اللغوي المتقن للذكاء الاصطناعي وعدم قدرته على تقديم الدعم الإنساني العاطفي الحقيقي، حيث يصفه الباحثون بأنه “مستمع زائف” يفتقر لمفهوم الإدراك أو الذكاء العاطفي. فبرغم أنه قد يمنح المستخدمين شعورًا بأنهم مسموعون، إلا أن التفاعل مع “تشات جي بي تي” يظل محادثة أحادية الجانب لا تقدم مشاركة حقيقية أو تفاعلًا إنسانيًا متبادلًا.

يذكر المفكر النمساوي لودفيغ فيغنشتاين أن اللغة لا يمكن فهمها بمعزل عن التجارب الإنسانية التي تستند إليها، وهو أمر يفتقر إليه الذكاء الاصطناعي، ما يجعلنا نتحدث مع آلة لا تستطيع “إيجاد موطئ قدم” في عالمنا العاطفي والثقافي المعقد. ورغم وعي المستخدمين بأنهم يتحدثون إلى برنامج وليس إنسانًا، إلا أن الإغراء والراحة في الحديث مع “تشات جي بي تي” يدفعان الكثيرين للاستمرار في مشاركة مشاعرهم وأسرارهم.

وهذا يثير تساؤلات أخلاقية حول حدود استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة النفسية، خصوصًا وأن التفاعل مع الآلة قد يغني بعض الأشخاص عن التواصل الحقيقي مع البشر، الذي يتطلب مشاركة فعلية وتحملًا عاطفيًا مشتركًا لا يمكن لأي برنامج تقني أن يوفره.

في النهاية، تؤكد الدراسة أن الحديث إلى إنسان حقيقي لا يمكن استبداله، مهما تطورت التكنولوجيا، فالمعنى الحقيقي للكلمات ينبع من وجود شخص يشاركنا مشاعرنا، وهو ما لا يستطيع “تشات جي بي تي” تقديمه مهما بدا بارعًا في محاكاة الحديث.