استراتيجيات الاختراق والإضعاف: قراءة في السلوك الأمريكي تجاه اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر وسقوط الوصاية

استراتيجيات الاختراق والإضعاف: قراءة في السلوك الأمريكي تجاه اليمن بعد ثورة 21 سبتمبر وسقوط الوصاية


شكّل انتصار ثورة 21 سبتمبر تحولاً استراتيجياً في تاريخ اليمن الحديث، إذ أعاد ترتيب موازين القوى الوطنية وفرض إرادة الشعب على مفاصل القرار السياسي والأمني، بعد عقود من النفوذ الأمريكي المباشر وغير المباشر. لم يكن هذا الانتصار مجرد حدث داخلي، بل خطوة حررت اليمن من قيود الهيمنة الخارجية وكسرت نمطاً طويلاً من الوصاية التي حاولت واشنطن فرضه على الدولة ومؤسساتها.

ومنذ اللحظة الأولى للثورة، برزت الولايات المتحدة كفاعل أساسي في الاستهداف المنهجي لمسار 21 سبتمبر، متخذة أدوات متعددة الأبعاد تتراوح بين الضغط السياسي، وتحريك قوى محلية تخضع لتوجيهاتها، إلى العقوبات الاقتصادية والابتزاز المالي، في محاولة لإحداث خلل في بنية الدولة الوطنية واستنزاف مكتسبات الثورة. هذه المؤشرات، التي رصدها اليمنيون المؤيدون للثورة، تؤكد أن الهيمنة الأمريكية تمثل تهديداً مباشراً لاستقلال القرار الوطني، وأن فهم هذه الأدوات وأساليبها هو المدخل الضروري لتحليل محاور التقرير، واستعراض أبرز مظاهر الاستهداف وأبعاده المختلفة.

القاعدة والمرتزقة: أدوات أمريكية لاستهداف الثورة

بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر، اتخذت الولايات المتحدة من البعد الأمني والعسكري أداة رئيسية لإعاقة التقدم الثوري وحماية مصالحها الاستراتيجية في المنطقة. اعتمدت واشنطن على تحريك جماعات تكفيرية كذراع لتنفيذ عمليات إرهابية استهدفت المجتمع اليمني الثائر، مستغلة الفوضى الأمنية والفراغ الذي سبق أن حاولت زرعه داخلياً خلال السنوات الماضية، بما في ذلك تفجيرات متزامنة في دور العبادة مثل جامع الحشوش وجامع بدر في صنعاء، ومسجد الهادي في صعدة، راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى، إلى جانب اغتيالات قيادية أبرزها الشهيد عبد الكريم الخيواني.

وعلى المستوى الإقليمي، أشرفت الولايات المتحدة على العدوان السعودي الإماراتي الذي بدأ في مارس 2015، مستهدفة البنية التحتية والمجتمع المدني، مما تسبب في آلاف الشهداء والجرحى ودمار واسع النطاق. كما قامت بتحريك مرتزقة محليين كواجهة لتنفيذ أجندتها، بهدف مواجهة ثورة 21 سبتمبر وإعاقة مسارها التحرري وتعطيل المكتسبات الوطنية التي حققها الشعب اليمني في سبيل استعادة حريته واستقلاله.

تكشف هذه الأحداث أن الاستهداف الأمريكي للثورة لم يكن عشوائياً أو مقتصراً على أداة واحدة، بل اتخذ طابعاً متعدد الأبعاد يجمع بين الإرهاب الداخلي، الاغتيالات، العدوان الإقليمي، والتحريك المباشر للمرتزقة المحليين. ورغم كل هذه الحملات، يظل الشعب اليمني صامداً ومصمماً على حماية مكتسبات الثورة، مؤكداً أن أي محاولة لتقويض إرادة المجتمع الوطني ستصطدم بثبات ثورة 21 سبتمبر وإصرار اليمنيين على استكمال مسار الاستقلال والتحرر.

الحصار والعقوبات… سلاح واشنطن لإخضاع ثورة 21 سبتمبر

لم تكتفِ الولايات المتحدة بالاستهداف الأمني والعسكري عقب انتصار ثورة 21 سبتمبر، بل انتقلت إلى حرب اقتصادية مركّزة تهدف إلى إنهاك المجتمع وضرب استقرار الدولة من الداخل دون مواجهة مباشرة. هذا التحول جاء في إطار استراتيجية مدروسة اعتمدت على الحصار والعقوبات والتحكم بحركة التجارة وتقييد الموارد الوطنية للضغط على صنعاء وإجبار اليمنيين على العودة إلى الوصاية الخارجية التي أسقطتها الثورة.

ومنذ الأيام الأولى للعدوان، فرضت واشنطن حصاراً خانقاً على الموانئ اليمنية، أبرزها ميناء الحديدة، من خلال إغلاق المنافذ البحرية أو تقييدها، ومنع دخول السفن، ما أدى إلى أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة. الحصار لم يكن مجرد عمل عسكري، بل ورقة استراتيجية لقطع شريان الحياة عن اليمنيين وتحويل الاقتصاد إلى ساحة استنزاف تضغط على المجتمع وتستهدف صموده، مع فرض آليات تفتيش ورقابة قاسية على الغذاء والدواء والمشتقات النفطية.

كما فُعّلت سلسلة واسعة من العقوبات الاقتصادية استهدفت الشركات والبنوك والمؤسسات المالية، إلى جانب شخصيات اقتصادية، بهدف شل الحركة المالية وتقويض السوق المحلي. وترافق ذلك مع نقل وظائف البنك المركزي إلى عدن، ما أحدث اضطراباً في المنظومة المالية، ثم دفع أدوات واشنطن المحلية لطباعة عملة مزورة، ما أدى إلى انهيار الريال وانخفاض القوة الشرائية وخلق موجة غلاء أثرت مباشرة على حياة اليمنيين.

امتد الاستهداف ليشمل تقييد التحويلات المالية والتجارة الداخلية والخارجية، مما أدى إلى شلل نسبي في الاقتصاد وتراجع قدرة القطاع الخاص على الاستيراد والتوزيع. ورغم هذه الحرب الاقتصادية الشاملة، أثبت الشعب اليمني قدرة لافتة على الصمود والتكيف، معتمداً على موارده الذاتية وبدائل محلية، لتحويل الاستهداف الاقتصادي إلى عامل عزز تماسك المجتمع الوطني ومشروع الثورة ضد محاولات إعادة الهيمنة الخارجية.

الضغوط السياسية الأمريكية ومحاولات إعادة اليمن للوصاية

لم تقتصر جهود الولايات المتحدة على الحرب الأمنية والاقتصادية بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر، بل اتجهت إلى ممارسة ضغوط سياسية مباشرة وغير مباشرة لإعادة المشهد اليمني إلى ما كان عليه قبل الثورة، وإخضاع الدولة لإرادة الهيمنة الخارجية. حيث اعتمدت واشنطن على أدوات متعددة، من التدخل في العملية السياسية والتحريض على الانقسامات الداخلية، إلى دعم مجموعات مرتبطة بها داخل النخبة الحاكمة لتوجيه القرارات الوطنية بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

وظهر الاستهداف السياسي من خلال وقوف الولايات المتحدة خلف عرقلة تنفيذ ما تضمنته الاتفاقيات وخارطة الطريق لتحقيق السلام في اليمن، والتي كانت خلاصة المفاوضات بين الأطراف اليمنية، بالإضافة إلى السعودية كطرف في العدوان على اليمن. كما شمل هذا التعطيل بعض الملفات الإنسانية، وأبرزها ملف تبادل الأسرى، حيث منعت واشنطن الضغط على الأطراف لتنفيذ الالتزامات الإنسانية، في محاولة لتقويض الثقة بين الأطراف اليمنية وإضعاف قدرة الدولة على الاستفادة من الإنجازات السياسية.

ورغم هذه الضغوط، اصطدمت المحاولات الأمريكية بإرادة اليمنيين الصلبة ووعيهم الوطني، ما أثبت أن مشروع الاستقلال والتحرر الذي أطلقته الثورة ليس شعارات فارغة، بل قاعدة راسخة تحمي مكتسباتها وتواجه كل محاولات الإملاء الخارجي. ويظل الشعب اليمني قادراً على صون مكتسباته السياسية والإنسانية، مؤكداً استمرار مسار 21 سبتمبر على جميع الأصعدة، بما في ذلك الدفاع عن الحقوق الوطنية والإنسانية في مواجهة الضغوط السياسية.

الثورة تتجاوز محاولات الاستهداف والإخضاع المتكرر

على مدى السنوات التي تلت انتصار ثورة 21 سبتمبر، واجه اليمنيون موجات متعددة من الاستهداف المباشر وغير المباشر، شملت الإرهاب والاغتيالات والحصار الاقتصادي والابتزاز المالي والضغط السياسي، إلا أن صمودهم وإصرارهم على حماية مكتسباتهم الوطنية أظهر قدرة الثورة على تحويل المحن إلى عوامل تعزيز للوحدة الوطنية. حيث لم تستطع أية حملة خارجية أو داخلية أن تضعف العزيمة الشعبية أو تهز ثقة المجتمع اليمني بمشروعه التحرري.

إن مسار 21 سبتمبر أثبت أن إرادة الشعب اليمني تفوق كل محاولات الهيمنة والإخضاع، وأن الثورة ليست مجرد حدث تاريخي، بل مشروع مستمر لبناء دولة مستقلة وحرة. حيث اصطدمت كل مؤامرة اقتصادية أو سياسية أو عسكرية بإرادة يمنية موحدة، ما يؤكد أن الدفاع عن الاستقلال الوطني وحماية مكتسبات الثورة سيظل السد المنيع أمام أي تدخل خارجي، وأن اليمنيين قادرون على مواجهة التحديات المستمرة بثبات وإصرار لا يلين.

 

موقع 21 سبتمبر الاخباري.