الطوفان في عامه الثاني: من ساحة النصر إلى طاولة شرم الشيخ.. المقاومة تفرض الشروط وتكسر قيود الهيمنة

الطوفان في عامه الثاني: من ساحة النصر إلى طاولة شرم الشيخ.. المقاومة تفرض الشروط وتكسر قيود الهيمنة


في ذكرى الانطلاقة البطولية لعملية «طوفان الأقصى»، تعود الذكرى لتؤكد أن تاريخ المعارك لا ينسى من دفع الغالِي والنَّفيس؛ لكن التاريخ نفسه لا يتوقف عند لحظة الهجوم وحدها.. بل يتابع التحولات التي أحدثتها في ميزان القوى، سياسياً وإقليمياً.. واليوم، بينما تقف الوفود في قاعات شرم الشيخ على مفترق طرق تفاوضيٍّ دقيق، يبدو أن ثمار الطوفان تتقاطع مع مطامع دولية تسعى لفرض شروطها على واقع غزة.

فهل سيكون الاتفاق القادم محطة خلاص أم بداية لفخ سياسي يعيد رسم المشهد الفلسطيني بآليات تقيّد المقاومة وتُضعف سيادة الشعب الفلسطيني؟.. هذا التقرير يقرأ الحدثين معًا: ما الذي حققه الطوفان؟ وما الذي يخبئه شرم الشيخ؟

1 — ماذا حقّق «طوفان الأقصى»؟ قراءة في ثمراتٍ استراتيجية

  1. تحطيم أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»: الضربة المباغتة والقدرة على اختراق العمق وإخراج اسزى من عمق الكيان، أثبتت أن منظومة الردع الإسرائيلية ليست منيعـة، وأن قاعدة «النصر المطلق» التي راهن عليها العدو يمكن اصطدامها بإرادة شعبية منظّمة.

  2. تغيير موازين الردع الإقليمي: الطوفان أعاد للمقاومة موقع المبادرة، وربط الساحة الفلسطينية بمحاور إقليمية داعمة؛ ما خلق تكاليف استراتيجية باهظة أمام أي اعتداء واسع جديد.

  3. أسرٌ وتعادلٌ سياسيّ: احتفاظ المقاومة بعدد من الأسرى منحها ورقة تفاوضية قوية جداً، قادت في أحيان كثيرة لبحث تبادلات ووقف إطلاق نار مقابل انسحاب وقضايا إنسانية.

  4. كشف الوجه القبيح للعدوان: ما ارتكبه كيان العدو في غزة خلق ردّ فعل دولي وشعبي متزايد ضد جرائم الإبادة، وما رافقها من عزل سياسي في بعض المحافل، ما سهّل فرض مساحات دبلوماسية جديدة للمقاومة.


2 — شرم الشيخ: ما الذي تغيّر على طاولة التفاوض؟

  • خريطة بنود مُعدّة: الإدارة الأميركية طرحَت خطة من «عشرين بندًا» توفّر إطارًا لترتيبات انتقالية — إدارة دولية مؤقتة، آليات إعمار، نزع سلاح المقاومة.

  • حساسيات مركزية: بند نزع السلاح هو جوهر الاختلاف؛ فالمقاومة تراه تهديدًا لوجودها ولحق الشعوب في الدفاع عن الأرض، بينما واشنطن وتيار التطبيع يقدّمونه كشرط لإعادة الاعتبار الأمني والإداري.

  • قوائم الأسرى وتبادلها: تبادل القوائم كان خطوة تقنية مهمة دفعت المفاوضات قُدُماً، وعينها على ملف إنساني (الإفراج عن أسرى مقابل انسحابات ووقف نار).

  • الضغوط السياسية الزمنية: الضغوط الأميركية لضرورة «إنجاز تفاهم» تزامنت مع حاجات داخلية أميركية وسياسية إقليمية، ما يزيد احتمالات قبول ترتيبات وقتية بدلاً من حلول جذرية.


3 — الاتفاق الذي قبِلته حماس: قراءة في دوافعه ومخاطره

  • لماذا قبلت حماس؟ قبول حركة حماس لخطة ترامب، وفقًا للمعطى الذي أشرت إليه، لا يعني بالضرورة تنازلاً أيديولوجيًا أو استسلامًا، بل قد يكون خيارًا تكتيكيًا مؤقتًا لتحقيق أهداف قابلة للقياس: وقف النار، إطلاق أسرى، انسحاب للقوات، وإنقاذ حياة المدنيين.

  • المخاطر الجوهرية:

    • نزع السلاح كشرط يمكن أن يتحول إلى آلية لتهميش مشروع المقاومة السياسي والعسكري.

    • إدارة دولية مؤقتة قد تتحول إلى إدارة طويلة تؤسس لمرحلة سيطرة خارجية على القرار الفلسطيني.

    • فراغ الضمانات التنفيذية قد يسمح للكيان بالالتزام الشكلي ثم العودة للاستثارة لاحقًا.

  • الفرص الممكنة: إن حقّق الاتفاق انسحابًا حقيقيًا ورفعًا دائمًا للحصار مع ضمانات متعددة الأطراف، فقد يحقّق إنجازًا إنسانيًا وسياسيًا للمجتمع الفلسطيني ويُعيد جزءًا من الحياة إلى غزة.


4 — لماذا «الطوفان» أتاح حيزًا تفاوضيًا.. لكنه لا يضمن نتائج نهائية؟

عملية طوفان الأقصى أعادت للمقاومة زخماً وثقة؛ لكنها أيضًا فتحت ساحة مفاوضات لأن:

  • الحرب الطويلة أرهقت المدنيين والقدرة على الصمود تتبدّل مع الزمن؛ لذا المقاومة قد تلجأ لتكتيكات تحفظ المكاسب.

  • الضغوط الإقليمية والدولية قد تدفع الفصائل لقبول تسويات مؤقتة لرفع معاناة الناس.

  • من جهة أخرى، الطوفان منح المقاومة ورقة أسرى قوية.. مما يجعلها قادرة على فرض شروط أكثر صرامة من سابق.


5 — الضمانات: ما الذي يجب أن يُضمّن أي تفاهم حقيقي حتى لا يتحوّل إلى «هدنة قابلة للتمزيق»؟

  1. انسحاب كامل وواضح لقوات العدو الإسرائيلي من كل أراضي غزة وعدم بقاء أي تواجد عسكري داخل القطاع.

  2. رفع الحصار نهائيًا وفتح الموانئ والممرات والمعابر دون قيود قاهرة على الواردات أو إعادة الإعمار.

  3. آليات مراقبة متعددة الأطراف (اقليمية ودولية) تتضمن دولًا فاعلة تحظى بثقة الشارع الفلسطيني، مع آليات تنفيذية وعقابية عند الخرق.

  4. حماية سياسية للمقاومة من محاولات نزع سلاحها بالقوة أو فرض إدارة خارجية تُهمّش الهيئات الوطنية.

  5. برنامج إعمار حقيقي تحت إدارة فلسطينية بالاشتراك مع دول مانحة تحترم سيادة غزة وإرادتها.

  6. ملف الأسرى مقابل انسحابات مكتوبة وضمانات تنفي خطوات انتقامية لاحقة.


6 — سيناريوهات متوقعة بعد شرم الشيخ (تحليل استشرافي)

  • سيناريو 1 — اتفاق مرحلي محسوب: تبادل أسرى دفعات، هدنة زمنية قابلة للتمديد، مساعدات إنسانية وإعادة إعمار جزئية، مع آليات رقابة محدودة. هذا سيناريو يقلّل التصعيد لكنه لا يحل الجذور.

  • سيناريو 2 — فشل تفاوضي وعودة للقتال: إن استُخدمت شروط نزع السلاح أو إدارة دولية مناوئة، فقد ينفجر الوضع مجددًا على نطاق أوسع.

  • سيناريو 3 — اتفاق يُفرض من الخارج ويستبعد الفصائل: إنتاج سلام شكلي يُضعف المرجعية المحلية ويخلق احتقانًا داخليًا طويل الأمد.

  • سيناريو 4 — توافق إقليمي يؤدي لتعزيز مرجعية فلسطينية حقيقية: أقل احتمالًا، ويتطلب توازنًا إقليميًا لينقذ سيادة القرار الفلسطيني.


7 — قراءة في مُعطيات القوة: لماذا لا يمكن اختزال الطوفان في «خطأ حسابي»؟

  • الأداء التكتيكي والاستراتيجي لحماس وليس «حادثًا»، والأسرى والقدرة على إرباك التوازنات الإقليميَّة دليلٌ على التخطيط العميق.

  • الطوفان كشف فشل الاستخبارات الصهيونية، وآربك العدو، اسقط كذبة الجيش الذي لا يقهر، كما لا نننسى أنه كشف هشاشة مشاريع التطبيع التي بُنيت على وعود أمنية، ما يجعل وصفه «خطأ» قراءة سطحيّة تتنافى مع وقائع الميدان.

  • ومن ثمّ، أي تفاوض لا يأخذ ذلك بالاعتبار سيبقى هشا: لا أمن دائم للكيان من دون حل سياسي حقيقي ولا استقرار إقليمي من دون حل القضية الفلسطينية.


8 — توصيات عملية للموقف الفلسطيني والمقاومة

  1. التمسك بالخطوط الحمراء: عدم قبول نزع السلاح كقيد دائم ولا قبول بإدارة دولية تُغيّب المرجعية الوطنية.

  2. المطالبة بضمانات تنفيذية متعددة الأطراف (إقليميّة ودولية) بقوة رادعة ضد أي خرق.

  3. استخدام ورقة الأسرى بحكمة: صفقة تبادل كفيلة بإنقاذ أرواح وتهدئة مؤقتة، شرط أن تُرفق بآليات رفْع الحصار والانسحابات.

  4. تعزيز التنسيق الإقليمي: إبقاء محور المقاومة موحَّدًا في الموقف، وخلق شبكة ضمان إقليمية قد تكسر أحادية القرار الأمريكي.

  5. إعلامٌ متواصل وحشد شعبي يضغط على أي طرف يحاول فرض صيغة تمسّ سيادة القضية والقرار الفلسطيني.


بين سيف الطوفان وورقة شرم الشيخ.. الخيار بيد الشعب والمقاومة

الذكرى الثانية لطوفان الأقصى تأتي ونحن نفتتح صفحة تفاوضية محفوفة بالمخاطر والفرص. الطوفان أعاد للصمود بريقًا ومنح الفصائل ثمنًا تفاوضيًا لم يكن بحوزتها، لكنه لم يمنح حلولًا سحرية؛ وشرم الشيخ قدّم نافذة لإخراج أرواح محاصرة، وإدخال مساعدات وغذاء للجوعى، وعلاج ودواء للجرحى، لكنه قد يتحوّل إلى فخّ يستغلّ تعب الناس ورغبتهم في الحياة لتمرير حلول تضعف مقاومة الشعب.

الخلاصة: نعم للتوقف عن القتل وإدخال المساعدات وإنقاذ البشر.. لكن لا للصفقات التي تُلغِي سيادة الشعب الفلسطيني أو تُجرد المقاومة من أدوات الدفاع عن الأرض والكرامة، أو تلغي ثوابت القضية وتحاول السيطرة على القرار الوطني وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.