سحبُ الذريعة
د. عبدالرحمن المختار
لا بديلَ عن استمرار المقاومة مع تحَرُّكٍ عام لشعوب الأُمَّــة الإسلامية عربًا وعجمًا في مواجهة الوجود الأمريكي على امتداد جغرافية الأُمَّــة، فذلك وحده الكفيل بوضع حَــدّ للإجرام الصهيوأمريكي.
مخطئٌ تمامًا من يعتقدُ أن المجرمَ ترامب مهتَّمٌ فعلًا بوقف أفعال الجريمة في قطاع غزة، ومخطئٌ تمامًا من يعتقد أن المجرم ترامب يحمل ذرة من الإنسانية تحَرّكت بداخله؛ بسَببِ ما اقترفه ولا يزال يقترفه المنفذ المباشر لأفعال الجريمة المجرم نتنياهو، لسبب بسيط وهو أن المجرم ترامب شريك فاعل في أفعال الجريمة، ولو لا شراكته لما اقترفت تلك الأفعال الإجرامية من الأَسَاس!
ولقد حاول مجرم الإدارة الأمريكية ترامب تقمّص دور غير دوره الحقيقي حين رُوّج -وروّجت له الماكينة الإعلامية الغربية وتلك الناطقة بالعربية- بأنه وسيط إلى جانب مصر وقطر في النزاع المسلح في قطاع غزة بين حماس وما يُسمى (إسرائيل)، لكن شحنات السلاح بِآلاف الأطنان التي زود بها الكيان الصهيوني المنفذ المباشر للجريمة، والحماية الميدانية، والدعم الاقتصادي الذي وفره لهذا الكيان المجرم، والمليارات من الدولارات التي تدفقت بشكل منتظم ومعلن لرفد خزينة المنفذ المباشر للجريمة، والمواقف السياسية المساندة، كُـلّ ذلك لم يخف دور الشراكة الحقيقي للمجرم ترامب وإدارته في جريمة الإبادة الجماعية.
ورغم محاولات المجرم ترامب وإدارته التستر على شراكته في جريمة الإبادة الجماعية خلف أداتين من أدواته القذرة في المنطقة وهما النظامان المصري والقطري، فَــإنَّ سلوك هذين النظامين لم يخف أبدًا دورهما الميسّر لدور الشريك الأمريكي في الجريمة الموصوف زورًا بأنه وسيط!
ولو أن المجرم ترامب كان يرغب فعلًا في وقف أفعال جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة الموصوفة تضليلًا وكذبًا بأنها (حرب) لفعل ذلك منذ أول مشروع قرار تم عرضه ومناقشته في مجلس الأمن الدولي، فقد عملت إدارة المجرم ترامب على إسقاط المشروع تلو الآخر ليصبح مجلس الأمن الدولي معطلًا بفعل الفيتو الأمريكي!
ولا يزال مشروع القرار الأخير الذي تقدمت به عشر دول أعضاء في مجلس الأمن الدولي ووافقت عليه عند التصويت أربعة عشر دولة، وكانت إدارة المجرم ترامب هي الدولة الوحيدة التي استخدمت ما يسمى بحق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع ذلك القرار الذي نص على وقف ما سُمِّي بإطلاق النار في قطاع غزة والإفراج عن الرهائن بشكل فوري!
فالعالم كله يريد وقف إطلاق النار! إن قبلنا فرضًا وصف ما جرى ويجري في قطاع غزة بأنه نزاع مسلح (حرب) بين طرفين من أطراف القانون الدولي، وليس جريمة إبادة جماعية يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني بحق شعب محتلّ بالشراكة مع قوى استعمارية غربية على رأسها الإدارة الأمريكية!
فعدد أعضاء مجلس الأمن الدولي خمسة عشر دولة: عشرة أعضاء غير دائمين وخمسة أعضاء دائمين، جميعهم يمثلون دول العالم.
وعند التصويت على مشروع القرار الأخير المتضمن وقفًا فوريًّا لإطلاق النار في قطاع غزة والإفراج الفوري عن جميع الرهائن أحياء وميتين، أيدَه أربعة عشر عضوًا من أعضاء مجلس الأمن الدولي واعترضت عليه وأسقطته الإدارة الأمريكية!
إذًا فالواضح تمامًا أن العالم كله يرغب في وقف أفعال الجريمة في قطاع غزة، ولو تحت عنوان مضلل هو وقف إطلاق النار، باستثناء الإدارة الأمريكية ومجرمها الأول ترامب، فقد كشفت المعطيات بما لا يدع مجالًا للشك عدم الرغبة من جانب المجرم ترامب وإدارته في وقف أفعال الجريمة تحت أي عنوان أَو وصف أَو مسمى!
وكل ما فعله ويفعله المجرم ترامب وإدارته الإجرامية خلال العامين الماضيين بما في ذلك آخر وأحدث خطة أعلنها هذا المجرم المنحط، مُجَـرّد خدع تكتيكية تضليلية هدفها توفير المزيد من المساحات الزمنية للكيان الصهيوني المنفذ المباشر للجريمة لاستكمال فصول جريمته، والعمل على إخراجه من مأزقه المتعدد الذي يقع فيه باستمرار؛ وآخر هذه المآزق العزلة الدولية لهذا الكيان المجرم، والتي تجسدت معالمها في مغادرة أغلب الوفود الدولية لقاعة الاجتماعات حين ألقى المجرم نتنياهو كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين!
وما يسمى بخطة ترامب المعلن عنها حديثًا لوقف ما يسمى إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق جميع الرهائن، ليست سوى خدعة جديدة لا تعبر مطلقًا عن موقف حقيقي للمجرم ترامب، ولا عن موقف حقيقي للمجرم نتنياهو الذي أعلن موافقته عليها، فكل منهما -وهما معًا- لا يرغبان أبدًا في وقف أفعال الجريمة في قطاع غزة!
وكل منهما، وهما معًا، لا يقيمان أي وزن لحياة أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولا يقيمان أي اعتبار لحياة المحتجزين لدى فصائل المقاومة الإسلامية في القطاع.
وليس مبالغة القول إن أقصى ما يتمناه هذين المجرمين هو أن تعلن حركة المقاومة الإسلامية حماس رفضها لخطة المجرم ترامب، التي أعلن المجرم نتنياهو مضطرًا الموافقة عليها!
وتعد الموافقة السريعة من جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس على هذه الخطة قبل حلول الموعد الذي حدّده المجرم ترامب سحبًا للذريعة وأبطالا لمفعول الطعم المسموم الذي دسّه المجرم ترامب لحركة المقاومة الإسلامية حماس ولغيرها من فصائل المقاومة فيما سُمِّي بخطة ترامب!
وقد يعبر المجرم ترامب عن ارتياحه لموقف حركة حماس، لكن هذا الموقف سيكون بديلًا عن الصدمة؛ فهذا المجرم كان يتوقع رفضًا مباشرًا من جانب حماس لخطته الشيطانية، وستفصح الأيّام القادمة عن ذريعة أُخرى سيتمسّك بها ثنائي الجريمة ترامب ونتنياهو للاستمرار في جريمة الإبادة الجماعية استكمالا لفصولها.
ولن يعدم هذا الثنائي الإجرامي الوسيلة أبدًا لإنتاج ذريعة جديدة، ولا بديلَ عن استمرار المقاومة مع تحَرّك عام لشعوب الأُمَّــة الإسلامية عربًا وعجمًا في مواجهة الوجود الأمريكي على امتداد جغرافية الأُمَّــة، فذلك وحده الكفيل بوضع حَــدّ للإجرام الصهيوأمريكي.