خيوط الخيانة: تحقيق يكشف اتصالات عفاش مع أبوظبي والرياض قبل العدوان على اليمن


تكشف وثائق ومراسلات مسار محاولة إشعال فتنة داخلية في اليمن قادها الخائن الكبير علي عبدالله صالح عفاش وأركان من المؤتمر الشعبي العام، بالتنسيق مع قوى إقليمية وغربية، عقب انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، وحتى ما قبل وأثناء العدوان الأمريكي السعودي، الذي انطلق عام 2015م، وبلغ ذروته في أحداث 2 ديسمبر 2017م.
الوثائق والرسائل والعروض تبيّن خطط استقطاب وتمويل وتشكيل ميليشيات وقوى محلية لتنفيذ هدف رئيسي: ضرب الجبهة الداخلية وقطع أو إضعاف إسناد اليمن لفلسطين وغزة.

لماذا هذه الوثائق مهمة؟
التحقيق يظهر أن ما جرى لم يكن مجرد حسابات محلية أو خلافات سياسية عابرة، بل جزء من جهد منسق سعى لاستغلال الانقسام الداخلي لإضعاف موقف اليمن المستقل دولياً، خصوصاً دعمه للقضية الفلسطينية.

المراسلات تمتد من بعد سبتمبر 2014م، حتى مطلع 2017م، وتشمل اتصالات مباشرة بين العميل عفاش وشخصيات بارزة في السعودية والإمارات، عُرضت خلالها خطط عملية وعروض مالية وأمنية وسياسية.

ما الذي تكشفه الوثائق؟

إحدى الوثائق تكشف مراسلة بين عفاش وخالد بن بندر آل سعود (رئيس الاستخبارات السعودية حينها) تضمنت تأكيدات بأن المؤتمر لا يتحالف مع أنصار الله، وأن هادي هو من سلّم صنعاء.

كان الهدف إقناع الرياض بأن صالح هو الحليف الممكن لمواجهة القوى الثورية.

وثيقة أخرى موجهة إلى محمد بن نايف تضمنت عرضاً مباشراً بإرسال 10 إلى 12 ألف جندي و3 آلاف ضابط من الجيش والأمن المسرحين إلى السعودية، لنشرهم على الحدود في جيزان ونجران تحت إشرافها، مقابل اعتماد مرتبات لقيادات مؤتمرية مقابل ما سُمي “حماية مصالح المملكة”.

وثيقة أخرى عرضت خطة لتجميع مشايخ، وجهاء، علماء مستقلين، مثقفين، شباب، وعسكريين متقاعدين من محافظات مختلفة لمواجهة ما وُصف بـ”العناصر المتطرفة”، في إشارة مزدوجة إلى أنصار الله والإخوان المسلمين.

هذه الخطط جاءت قبيل بدء العدوان، ما يكشف انسجام توجّهات صالح مع أولويات التحالف منذ وقت مبكر.

أبو ظبي والتمويل الإعلامي

مع اهتزاز ثقة الرياض في صالح، لجأ إلى أبو ظبي. مراسلات مع محمد بن زايد أظهرت طلبات مالية عاجلة لتشغيل قنوات المؤتمر مثل “اليمن اليوم” و”آزال” و”العقيق” بتكلفة تصل إلى 12 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى دعم للصحف والإذاعات.

في المقابل، عُرض التعاون الأمني مع أبو ظبي وتزويدها بمعلومات استخباراتية، حيث كُلّف عمار محمد صالح بتنسيق ذلك. كما تضمنت استفسارات إماراتية عن الصواريخ الباليستية اليمنية ودور الحرس الجمهوري بعد الضربات القاسية التي استهدفت قواتها في مأرب وباب المندب.

بعض الرسائل كشفت شكاوى صالح من هادي ونهب أموال طائلة من البنك المركزي واعتداء قواته على جامع الصالح وقناة اليمن اليوم.

وفي وثائق لاحقة (2016 – 2017) ظهرت شروط إماراتية واضحة لتحالف استراتيجي مع المؤتمر، تضمنت تغيير قيادة الحزب، وفك ارتباطه بأنصار الله، وضمان حماية صالح وأسرته وإلغاء العقوبات الدولية بحقه، مقابل شراكة كاملة مع أبوظبي في السياسات الأمنية والإقليمية.

ساعة الصفر

توضح الوثائق أن عفاش استغل ذكرى تأسيس المؤتمر في 24 أغسطس 2017م، كمنصة للتحريض ضد أنصار الله، والقوات المسلحة اليمنية، والقوى الوطنية المناهضة للعدوان، في إطار حملة إعلامية ممولة ومنسقة مع إعلام العدوان.

وبعد فشل تلك المحاولة، سارعت الإمارات إلى التعجيل بـ”ساعة الصفر” في 2 ديسمبر 2017م، لكن الفتنة انتهت سريعاً بسقوط عفاش قتيلاً أثناء محاولته الهرب، لتتلقى أبوظبي والرياض وواشنطن ولندن صفعة مدوية بخسارة الورقة التي راهنوا عليها.

المآلات والانعكاسات

ردود الفعل الإقليمية والدولية على مقتل الخائن عفاش عكست حجم الخيبة، حيث سارعت أبوظبي إلى تقديم التعازي لنجله أحمد علي، بينما وصف مسؤولون غربيون ما جرى بأنه “خسارة كبيرة للشعب اليمني”، في إشارة إلى رهانهم عليه كلاعب بديل في المرحلة المقبلة.

لكن الشعب اليمني تجاوز الفتنة سريعاً وأعاد ترتيب صفوفه لمواجهة العدوان مباشرة، ثم انتقل بعد عملية “طوفان الأقصى” إلى مربع إسناد المقاومة الفلسطينية بصلابة غير مسبوقة.

الخلاصة

الوثائق تؤكد أن الفتنة لم تكن حدثاً طارئاً بل مشروعاً ممتداً بتنسيق دولي وإقليمي ومحلي، استهدف ضرب الجبهة الداخلية وتصفية الموقف الثوري الداعم لفلسطين.
العروض المالية والعسكرية والسياسية التي حملتها المراسلات أوضحت أن بعض الأطراف رهنت مصلحة اليمن مقابل رهانات شخصية وإقليمية، لكن فشل المشروع عكس قوة الصمود الشعبي ووحدة الصف في مواجهة محاولات تفكيك الداخل.

واليوم، ومع محاولات إحياء المخطط عبر أدوات جديدة، يبدو أن المآل لن يكون إلا كما كان في ديسمبر 2017م، سقوط مدوٍ أمام وعي الشعب وصلابته.