السلام المستحيل .. العدو الإسرائيلي والمناورة بورقة التطبيع في مشروع الشرق الأوسط الجديد
السلام المستحيل .. العدو الإسرائيلي والمناورة بورقة التطبيع في مشروع الشرق الأوسط الجديد
تتسارع وتيرة التطبيع بين دول عربية والكيان الصهيوني، وسط حملات تروّج لسلام مزعوم وتعاون اقتصادي وأمني واعد. لكن خلف هذه العناوين البرّاقة، يقف واقع مغاير تماماً، يكشف أن إسرائيل لا تسعى إلى سلام حقيقي، بل تستخدمه كغطاء دبلوماسي لتمرير مشروعها الاستعماري طويل الأمد، تحت اسم “الشرق الأوسط الجديد”.
السلام بالنسبة للعدو الإسرائيلي ليس نهاية لصراع، بل أداة مناورة سياسية، تستغلها لترسيخ مشروعها التوسّعي القائم على تفكيك المجتمعات العربية، وترسيخ الهيمنة الأمنية والاقتصادية، مستفيدة من دعم أمريكي غير محدود.
لماذا السلام مع إسرائيل مستحيل؟
لأن إسرائيل لا تؤمن بالسلام كقيمة، بل كورقة تفاوضية مؤقتة، فكل اتفاقيات “السلام” التي وقّعتها إسرائيل كانت مرتبطة بتكتيكات مرحلية لتحقيق مكاسب استراتيجية، سواء من خلال تحييد جبهات عربية، أو اختراق عمق النظام السياسي العربي، دون أن تُقدّم أي تنازلات حقيقية في المقابل، ولأن مشروع العدو الإسرائيلي لم يتغير ، احتلال، تهويد، تفكيك المنطقة
من النيل إلى الفرات، ومن سيناء إلى الجولان، لا تزال العقيدة السياسية والعسكرية للعدو قائمة على التوسع، السيطرة الأمنية، وتقويض أي قوة عربية مستقلة، السلام من وجهة نظر العدو الإسرائيلي ليس إلا مرحلة انتقالية، إلى أن تكتمل شروط الهيمنة.
و لأنه لا يحترم سيادة الدول حتى الحليفة أو “المطبّعة” فهو لا يرى في التطبيع التزاماً يحُد من تدخله العسكري أو الاستخباراتي. بل على العكس، يرى أن علاقته ببعض الأنظمة العربية تمنحه حرية أكبر للعمل داخل أراضي تلك الدول، أو اختراقها أمنياً، كما حدث في سوريا وقطر، ولأنه يتحصّن بالدعم الأمريكي المطلق، فواشنطن تؤمّن الغطاء السياسي والعسكري لكل تجاوزات العدو الإسرائيلي من تهويد القدس، إلى الاستيطان، إلى المجازر في غزة، إلى الضربات العسكرية خارج حدودها، هذا الدعم يجعله فوق القانون، ويُفرغ أي مسعى للسلام من مضمونه.
شواهد على سلوك إسرائيل العدواني حتى بعد التطبيع
سوريا ، استباحة ممنهجة تحت غطاء الأمن القومي ، ففي جنوب سوريا، تحديداً في ريف القنيطرة ودرعا، شن العدو الإسرائيلي عمليات قصف ممنهجة منذ 2024، واحتل مناطق ضمن نطاق المنطقة منزوعة السلاح، وهجّر سكاناً قسرياً، كما وثّقت “هيومن رايتس ووتش”، وكذلك عمليات الهدم والتهجير والتغيير الديموغرافي تمّت تحت شعار “منع وجود قوى معادية قرب الحدود”، لكن الحقيقة أن العدو الإسرائيلي، بات يتعامل مع جزء من الأراضي السورية وكأنه امتداد لعمقه الأمني، بلا أدنى احترام للسيادة السورية.
قطر ، غارات جوية على عاصمة عربية بحجّة مطاردة أعداء إسرائيل، في 9 سبتمبر 2025، استهدف العدو الإسرائيلي مبنى في الدوحة، بحجة وجود قيادات من حماس، ما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص، بينهم موظف أمني قطري، هذه الغارة لم تكن فقط انتهاكاً للسيادة، بل رسالة صريحة أن لا دولة عربية مهما كانت علاقاتها بمنأى عن يد إسرائيل إذا ما قرّرت تنفيذ عمليات “استباقية” على أراضيها.
الردّ القطري الرسمي وصف الضربة بأنها “إرهاب دولة”، ما يكشف التناقض الفجّ، كيف يمكن الوثوق بدولة تشن هجمات عسكرية على دول ذات سيادة، ثم تتحدث عن “سلام” و”تعاون”؟
التطبيع في خدمة المشروع الاستعماري
ما يُسمى “السلام” هو في الحقيقة مرحلة ضمن خطة أكبر لإعادة تشكيل المنطقة، بما يخدم المشروع الصهيوأمريكي، المعروف بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وأهم ملامحه إخراج القضية الفلسطينية من المعادلة، لم يعد الفلسطيني جزءاً من أي حوار رسمي في اتفاقيات التطبيع، بل بات الحديث كله عن الاقتصاد والتكنولوجيا، وكأن شعباً كاملاً تحت الاحتلال قد أصبح مجرد تفصيل هامشي، وكذلك دمج إسرائيل اقتصادياً وأمنياً في المنطقة على حساب القضايا القومية، تُطرح مشاريع الطاقة، والربط الكهربائي، والموانئ، والسكك الحديدية، لتكون إسرائيل حلقة وصل في الجغرافيا العربية، بينما تغلق الأبواب أمام الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، وتُعزل غزة كلياً، وستصل في النهاية إلى تجريد المجتمعات من قدرة المقاومة، لأن أحد أهم أهداف مشروع “السلام” الإسرائيلي هو تفكيك ثقافة المقاومة، وتشويه صورتها، بل وتجريمها داخل المجتمعات العربية نفسها، وجعل إسرائيل شريكاً مشروعاً بينما يصبح المقاوم “إرهابياً”.
التطبيع لا يردع العدو الإسرائيلي بل يُشجعه
لأن العدو الإسرائيلي يدرك أن الدول المُطبّعة لا تملك إرادة المواجهة، خاصة في ظل الحماية الأمريكية والعلاقات الأمنية العميقة بين إسرائيل وبعض العواصم العربية، ولأنه يفهم التطبيع كتنازل استراتيجي مجاني، يمكن استثماره في الإعلام والدبلوماسية الغربية، بينما تستمر على الأرض في تهويد القدس، وخنق غزة، واغتيال القيادات، وتوسيع الاستيطان.
ولأن المجتمع الدولي لا يُحاسب، بل يكتفي بالبيانات، مما يفتح الباب للعدو لتكرار الانتهاكات بلا كلفة حقيقية.
هل يُمكن السلام مع عدو يعتبر القتل والسيطرة حقاً مشروعاً؟
الواقع السياسي والسلوكي للعدو الإسرائيلي يقول بوضوح أنه ليس معني بأي سلام يُنهي الاحتلال
أنه يرى في الشعوب العربية مجرد بيئات يجب تطويعها بالقوة أو الاختراق الناعم، ولأنه يسعى لشرق أوسط جديد يمسك فيه بكل مفاصل القوة، الإعلام، الطاقة، الأمن، المال
ولهذا، فإن فكرة “السلام” معه ليست إلا وهماً خطيراً، يُخدّر المجتمعات العربية، ويُجردها من أدوات الرفض والمواجهة، في حين يعمل هو ليل نهار على إعادة تشكيل المنطقة وفقاً لمصالحها الصرفة.
لا سلام مع من لا يؤمن بالسلام
أي محاولة لتصوير التطبيع مع العدو الإسرائيلي كمسار سلام حقيقي هي تضليل سياسي وأخلاقي.
العدو الإسرائيلي لم يكن يوماً جادّ في إنهاء الصراع، بل يستخدم السلام كمجرد أداة لتأمين مشروعه الاستيطاني، وتوسيع نفوذه، وتطبيع احتلاله، من خلال شرعنة وجوده في الجغرافيا العربية، وتحويل العدو إلى “شريك اقتصادي” بينما تبقى البنادق موجّهة نحو الفلسطيني، والسوري، واللبناني، وكل من يقاوم.
السلام ليس ممكناً مع عدو لا يعترف بوجودك، ولا بسيادتك، ولا بحقك في المقاومة.
والتطبيع لم يكن سوى رهان خاسر… يدفع ثمنه الأبرياء من غزة إلى دمشق، ومن الدوحة إلى القدس.
موقع يمانيون