ديسمبر.. استئصال الورم الصهيوأمريكي من جسد الشعب!


إسماعيل سرحان

إنَّ هذه المسيرة الجهادية المقدّسة، التي يرتفعُ بها هاماتُ شعبنا اليمني الأبي كالجبال، ليست مُجَـرّدَ صدام عابر مع حِلف غاشم، بل هي جراحةٌ تاريخيةٌ عميقةٌ لتصحيحِ المسار الذي كبّلته عقودٌ من العمالة والخيانة.

لقد كانت “فتنةُ ديسمبر 2017م” هي اللحظةَ الفصلَ، وهي الصفحة الأخيرة الملطَّخة بالخيانة لِـ “المشروع العفّاشي”، ذاك السرطان الذي زُرِع في الخاصِرة، وصُنع بماء الصهيونية الآسِن ورعاية القوة الأمريكية الغاشمة، ليظل هذا الوطن سَليبًا، أسير التبعية ومسلوب الإرادَة، تتناثر ثرواته على موائد الأعراب والأغراب.

لم يكن علي عبد الله صالح مُجَـرّد شخصية عابرة صعدت سُلّم السلطة بالصدفة، بل كان الوَتَد الوظيفي الذي دُقَّ بإحكام، وأدَاة مُختارة بعناية فائقة صقلتها مطابخ المخابرات الإقليمية والدولية.

لقد التقطته العيون المعادية منذ أن كان مُجَـرّد شرارة صغيرة في ميناء المخاء، حينما كان عمله في الشريط الساحلي لتعز (المخاء) قبل الرئاسة، ليصنعوا منه “الفارس المنتظَر” بعد أن أصبح مشروعُ الكرامة والتنمية الذي مثّله الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، نورًا يُهدّد عروشهم المتهالكة.

كانت الضربة القاضية في 11 أُكتوبر 1977م..

لم تكن تلك رصاصة ولا اغتيالًا يستهدف رئيسًا فحسب، بل كانت طعنةً غائرةً في قلب الأُمَّــة، وحكمَ إعدامٍ مسبقًا على كُـلّ طموح يمني في بناء دولة قوية ذات سيادة، وقد كان هو أحد القَتَلَة للرئيس الشهيد.

حينها، أُجْهِضَ الحُلُم، وبعد مدة ليست طويلة تولّى العميل الجديد مقاليد الحكم، ليرسّخ مرحلة التسليم المطلق والارتهان الذليل للقرار الأمريكي، ويفتح أبواب البلاد مشرعة أمام وصاية اليد السعوديّة.

وعلى مدى عقود من الزمن، عُمِّدَ هذا الحكم بـالحديد والنار، وتحوّلت اليمن من أصل الحضارات إلى مزرعة تُحصد ثمارها سرًا، وإلى خزينة مفتوحة للصوص العائلة والزمرة الفاسدة.

كان المشهد مؤلمًا: فبينما كانت أنهار النفط والغاز تتدفق سرًّا إلى الجيوب المنتفخة، كان أبناء الشعب يرزحون تحت خط الفقر المدقع، كائنات تُقتَلُ أحلامها قبل أن تُلامس أجسادها نِسْمة أمل.

وقد تجلّى الوجه البشع لعمالة هذا المشروع في محطتين داميتين لا يمحوهما النسيان:

حرب صيف 1994م: لم تكن حربًا دفاعًا عن الوَحدة، بل كانت ذبحًا لجزء من الجسد، ومذبحةً ظالمةً استُخدمت فيها القوة العسكرية الطاغية لضرب الشريك وتنفيذ أجندة إقليمية خفية، هدفها إحكام السيطرة المطلقة على مقدرات الجنوب وإخماد أي صرخة تحرّر من قبضة النظام القمعي.

الحروب الستّ على صعدة (2004–2010م): هذه هي الذروة الدموية للخضوع! كانت تلك الحروب التي مزّقت صعدةَ وأهلَها الأحرارَ حربًا بالوكالة كاملة الأركان، قادها النظام العميل بتوجيه مباشر وتمويل أمريكي لا يُخطئ، وهدفها الوحيد كان اقتلاع الجذور الطاهرة لمسيرة “أنصار الله”، المسيرة التي رفعت راية التحرّر من الهيمنة وتمسكت بالقرآن كمنهج حياة.

وبعدها تفجّرت ثورةُ الشباب في فبراير 2011م، اضطر العميلُ إلى الانسحاب التكتيكي، وخدعة ما يسمى بـ “المبادرة الخليجية”، ولكنه لم يغادر المسرح أبدًا.

ومع انطلاق العدوان الغاشم في 2015م، بدا وكأنه ارتدى درع الوطنية لمواجهة الغزو.

لكن ذلك لم يكن أبدًا وليد توبة صادقة أَو إيمان متجدد، بل كان مناورة خبيثة كالموت، تهدف إلى: الخلخلة الداخلية، واستنزاف الطاقات، بانتظار ساعة الصفر لغرس الخنجر في الظهر.

لقد كانت تحَرّكاته طوال فترة الشراكة تخريبًا خفيًّا، واستنزافًا صامتًا، وتأجيجًا إعلاميًّا مُستمرًّا، إلى أن جاءت لحظة الحسم التي كان ينتظرها سيده الأمريكي والصهيوني في ديسمبر 2017م.

كانت فتنة ديسمبر هي اللحظة التي تهاوت فيها الأقنعةُ نهائيًّا، وأعلن العميل القديم انبطاحه الصريح وعودته إلى أحضان أسياده في قوى العدوان، ظنًّا منه أن هذه الخيانة ستكون رصاصة الرحمة التي تنهي أُسطورة الصمود.

ولكنَّ هيهاتَ هيهاتَ، فإنَّ الله كان لهم بالمرصاد! وكانت إرادَةُ الله أسمى من كُـلّ مكيدة، ووعي المجاهدين تحت قيادة السيد القائد (حفظه الله) كان السدَّ المنيعَ والأسرع والأقوى!

وبفضل الله تحوّلت مؤامرةُ الخيانة إلى مِنحة ربانية، أزالت هذا الورم الخبيث المُهْلِك الذي زرعته قوى الاستكبار في تربة الوطن الطاهرة.

لقد كانت “فتنة ديسمبر” بمثابة إسدال الستار المظلم على مشروع استمر لعقود من الوكالة والارتهان.

لقد أثبتت هذه الفتنة بلا أدنى شك أن شعبَنا اليمني قد بلغ مرحلةَ النضج، وأن دماءَ الشهداء الزكية التي سُفِكَت في صعدة وفي عدن وفي كُـلّ جبهات العزة والكرامة وفي كُـلّ الميادين لم تذهب سُدى.

بفضل الله وتوفيقه، خرج اليمن من تلك المحنة بصفٍّ مرصوص، وقيادة حكيمة كالبوصلة، ووعي متصاعد كالفجر، ليواصل مسيرة الجهاد ضد العدوان الصهيوأمريكي، مؤكّـدًا وبشكل قاطع أن زمن الأدوات والأوصياء قد انتهى، وأتى زمن الانتصار للمستضعفين ونصرة قضايا الأُمَّــة ومواجهة الاستكبار الصهيوأمريكي.

ودمتم والوطن بعزة وكرامة.