الحقبة العفاشية.. سنوات من التبعية والانبطاح الفاضح للاستباحة والهيمنة الأمريكية على السيادة اليمنية
تقرير خاص
الحقبة العفاشية ليست مجرد فصل في تاريخ اليمن، بل سجل أسود للخيانة والارتهان. الهالك عفاش قدّم الدولة على طبق من ذهب للولايات المتحدة، فتح لها أبواب الأمن والسياسة والاستخبارات، وحوّل اليمن إلى ملعب مفتوح للتدخل الأجنبي، بينما كان القرار الوطني مجرد ديكور بلا قيمة. كل مؤسسات الدولة، من الجيش إلى الاستخبارات، استسلمت لإملاءات الخارج، وتحولت إلى أدوات لتنفيذ أجندة أمريكية على حساب شعب بأكمله.
لم يقتصر الخذلان على الإدارة السياسية أو العسكرية، بل امتد إلى كل تفاصيل الحياة الوطنية، لتصبح اليمن دولة منزوعة السيادة، مستباحة تمامًا أمام النفوذ الأمريكي. الحقبة العفاشية لم تكن حكمًا، بل استسلامًا كاملًا، إرادة وطنية مشوهة، وسيادة مدمرة، جعلت الأرض والقرار اليمني تحت تصرف قوة أجنبية، بلا حسيب أو رقيب، لتكتب فصولًا من الاستباحة لم تعرفها البلاد منذ عقود.
من التعاون إلى الاستباحة: مرحلة الانبطاح العفاشي
لم تكن الحقبة العفاشية مجرد إدارة ضعيفة، بل مشروعًا متكاملًا لانبطاح الدولة أمام النفوذ الأمريكي. فقد استغل نظام الهالك عفاش كل مؤسسات الدولة كبوابات للسيطرة الأجنبية، وتجلّى ذلك بوضوح في الاتفاقيات التي أبرمها تحت عناوين براقة مثل “التعاون الاستراتيجي” و“الشراكة الأمنية”، وعلى رأسها اتفاقية التعاون في مكافحة الإرهاب. وقد تم تسويق هذه الاتفاقية كخطوة لحماية البلاد، لكنها كانت في حقيقتها المدخل الأخطر لتمكين الأجهزة الأمريكية من العمل داخل اليمن دون أي قيود، لتصبح البداية الحقيقية لفصل من الاستباحة الكاملة.
وبينما بدا الاتفاق إعلانًا للتعاون، تحوّل عمليًا إلى غطاء لعمليات واسعة نفذتها واشنطن داخل اليمن، من بينها حملات اعتقال طالت مئات اليمنيين، بينهم شخصيات سياسية ودينية، وإغلاق صحف، ومحاصرة أصوات إعلامية تحت عنوان “التطرف”، فضلاً عن مئات الغارات الأمريكية التي سقط فيها مواطنون في مناطق متعددة. هذه العمليات كشفت أن السيادة الجوية لم تعد بيد الدولة، وأن الاتفاق الذي بدا “شراكة” لم يكن سوى سلم للاستباحة الأمريكية.
ومع هذه الاتفاقية، تحولت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية إلى امتدادات للهيمنة الأمريكية، وفتحت أبوابها للمستشارين والخبراء الأجانب الذين صار لهم دور مباشر في صياغة الخطط ومتابعة العمليات داخل اليمن. إذ كانت “غرف العمليات المشتركة” تُدار فعليًا من الخبراء الأميركيين، بينما تقلص دور اليمن إلى مجرد منفذ، وفرضت القرارات الخارجية على المؤسسات المحلية كأنها إرادة وطنية. وتوازى ذلك مع اتفاقيات سياسية واقتصادية أعادت رسم مؤسسات الدولة، إذ أصبح كل دعم مالي أو تقني مرتبطًا بشروط تخدم الهيمنة الخارجية.
وكانت الحلقة الأخطر في هذا المسار برنامج التدريب والتسليح الأمريكي للجيش اليمني، الذي ظهر في الواجهة كجهد لتطوير المؤسسة العسكرية، بينما كان في الواقع خطة ممنهجة لتجريد الجيش من قدرته على الدفاع عن الوطن. فقد أشرف الأمريكيون على تدمير مئات المنظومات الصاروخية، خصوصًا منظومات الدفاع الجوي، في عمليات تفجير وإتلاف تمت بحضور قيادات عسكرية تابعة للنظام العفاشي، بينهم نجل شقيق علي عبدالله صالح نفسه، ليصبح الجيش مؤسسة شكلية بلا قوة، ومكشوفة أمام أي تدخل خارجي. وهكذا، شكّلت الحقبة العفاشية منظومة متكاملة للانبطاح، حيث كانت كل اتفاقية وكل “تنسيق” حلقة في سلسلة جعلت زعيم الخيانة مجرد واجهة محلية للهيمنة الأمريكية، ومرهونًا القرار الوطني لمستشارين وخطط خارجية تحت ستار “التعاون والشراكة”.
تداعيات الانبطاح العفاشي على الدولة اليمنية
انكشفت آثار الانبطاح العفاشي في مؤسسات الدولة بشكل صارخ، إذ لم تعد أي جهة قادرة على اتخاذ قرار مستقل، سواء في الإدارة أو السياسات الداخلية. وحتى الاتفاقيات التي قُدمت كمسارات إصلاح أو تطوير، مثل اتفاقية مكافحة الإرهاب وبرنامج التدريب العسكري، سرعان ما ظهرت حقيقتها عند التنفيذ: فبدل أن ترفع قدرات الدولة، عمّقت هشاشتها وجعلتها أكثر ارتهانًا. فالأنشطة التي نفذتها الولايات المتحدة داخل اليمن – من الاعتقالات إلى إغلاق الصحف، وصولًا إلى الغارات الجوية – جرت تحت غطاء تلك الاتفاقية، وأثبتت أن القرار الأمني اليمني لم يعد بيد مؤسساته الوطنية، بينما تحركت الأجهزة الأمنية وفق المعلومات والأوامر الأمريكية، فتقلّص دورها السيادي إلى حماية الإطار الشكلي للدولة لا أكثر.
وفي السياق العسكري، كانت نتائج برنامج التدريب والتسليح الأمريكي أشد وطأة، إذ تحولت المؤسسة العسكرية إلى كيان مُفرغ من القوة بعد تجريدها من منظومات الدفاع الجوي، مما عطّل قدرتها على حماية المجال الجوي وترك الطائرات الأمريكية تتحرك وتضرب دون أي رادع. وهكذا أصبحت المؤسسة العسكرية مجرد إطار إداري بلا قوة فعلية، فيما ظل النفوذ الخارجي المسيطر على القرار العسكري بكل تفاصيله. كما أثّر الانبطاح على السلطة السياسية، فبات اتخاذ أي قرار داخلي أو خارجي مرتبطًا بالسقف الذي تحدده واشنطن، فيما عملت المؤسسات المدنية وفق نمط يُراعي “العلاقة” مع الخارج أكثر من احتياجات الداخل، لتصبح السياسات الوطنية نتاج توافق مع الشريك الأجنبي لا رؤية وطنية مستقلة.
وفي هذا السياق من التبعية العمياء، تلاشت الاستقلالية في كل مستويات العمل الرسمي، وتحولت المؤسسات إلى واجهات تُخفي خلفها نفوذًا خارجيًا يضع الخطط ويحدد الاتجاهات. وهكذا ظهرت الدولة كما أرادها زعيم الخيانة: كيان غير قادر على حماية مصالحه، يستمد قراراته من الخارج، ويتبنى سياسات لا تعبّر عن إرادة وطنية، بل عن مصالح الهيمنة الأمريكية، التي أصبح النظام العفاشي خادمًا أمينًا لها، بينما الشعب اليمني يظل مراقبًا لتبعية الدولة واستباحة سيادته.
السيادة اليمنية المهدورة بين الانبطاح والاستباحة
إذا كانت الاتفاقيات قد فتحت الباب للنفوذ الأمريكي، فإن نتائجها تجسدت في مرحلة الاستباحة الشاملة، حيث أصبحت السماء والأرض اليمنية مفتوحة أمام التدخل الخارجي دون أي قيود. وكان برنامج الطائرات بدون طيار أبرز تجليات هذه الاستباحة، إذ نُفذت مئات الغارات الأمريكية داخل اليمن دون قدرة الدولة على الرد، فيما كان تعليق زعيم الخيانة حين قال: “الطائرات تأتي من الجو… شو نعملها؟” إعلانًا صريحًا بسقوط السيادة الجوية بالكامل.
ولم تكن هذه الاستباحة ممكنة لولا تفجير منظومات الدفاع الجوي اليمنية تحت إشراف مسؤولين أمريكيين، ما جرد اليمن من أي قدرة على حماية سمائه، وترك الطائرات الأمريكية تتحرك وتنفذ عمليات اغتيال وقصف في مناطق متعددة، غالبًا دون إبلاغ السلطات المحلية. وعلى الصعيد الأمني، توسع الوجود الأمريكي ليشمل الوصول إلى ملفات حساسة داخل أجهزة الأمن وإدارة عمليات التعقب والاعتقال، حتى أصبح القرار الأمني امتدادًا مباشرًا للغرف الأميركية التي صارت المرجعية الفعلية لكل ما يجري.
أما سياسيًا، فقد بلغ الارتهان حدًا جعل كل خطوة دبلوماسية أو محلية مرهونة بإرادة واشنطن، ولم يكن النظام العفاشي يمارس السياسة كسلطة وطنية مستقلة، بل كممثل محلي للهيمنة الأمريكية، مهيئًا البلاد للاستباحة الكاملة. وفي النهاية، اكتملت صورة دولة بلا دفاع، بلا سيادة، وبلا قرار، صاغتها الحقبة العفاشية وفق شروط الهيمنة الأمريكية، لتصبح كيانًا مكشوفًا تُمارَس عليه السيطرة تحت غطاء “التعاون والشراكة”، بينما الحقيقة كانت استسلامًا كاملًا أفرغ اليمن من سيادته ومنع مؤسساته من أداء دورها الوطني.
21 سبتمبر انتصار اليمن لاستعادة سيادته
لقد أظهرت الحقبة العفاشية بكل وضوح مدى الانبطاح الكامل للهيمنة الأمريكية على الجمهورية اليمنية، إذ لم تعد الدولة قادرة على اتخاذ أي قرار مستقل، وتحولت مؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية إلى أدوات تنفيذية لسياسات خارجية، بينما كان الشعب اليمني يراقب استباحة وطنه بلا حسيب أو رقيب. كل اتفاقية، وكل برنامج، وكل تدخل أجنبي خلال هذه الحقبة، من اتفاقية التعاون في مكافحة الإرهاب إلى برامج التدريب والتسليح والطائرات بدون طيار، لم تكن إلا حلقات في منظومة متكاملة للاستباحة والسيطرة، جعلت اليمن دولة بلا إرادة، بلا سيادة، ومؤسساتها عاجزة عن حماية مصالح الوطن.
ومع انطلاق ثورة 21 سبتمبر المباركة، بدأ اليمنيون يستعيدون كرامتهم وسيادتهم، محققين انتصارًا على سنوات الاستسلام والهيمنة. لقد حررت الثورة الشعب اليمني من كل أشكال الوصايا الخارجية، وخصوصًا النفوذ الأمريكي الذي ساد خلال حقبة الخائن علي عبدالله صالح، وأعادت للدولة القدرة على رسم سياساتها الوطنية واتخاذ قراراتها وفق مصالحها وكرامة شعبها. إنها استعادة للحرية والسيادة، وتجسيد لإرادة وطنية أصيلة تقف ضد كل تدخل أجنبي، لتعيد اليمن إلى مسارها الطبيعي كدولة مستقلة وذات سيادة.
موقع 21 سبتمبر.