العطاء السرمدي


بقلم: خلود سفيان
الوطن ليس مجرد أرض بل هو الروح التي تسكن القلوب والعهد الذي لا يُخلف. هو القبلة التي تشرق منها كرامتنا, وفي محراب هذا العشق الأبدي يصبح كل غالٍ رخيصًا وكل كنوز الدنيا لا توازي شبرًا واحدًا من تربته المقدسة, لأن عزنا يرتفع بارتفاع رايته ومن أجل عزة هذا التراب خاض الأبطال غمار التضحية وامتطوا صهوة الموت ليس طلبًا لمجد زائل بل وفاءً لميثاقٍ أبدي بين السماء والأرض.

نعم الحديث هنا عن الشهداء فوارس النور الذين لم يرسموا النصر بالحبر بل بـأبجدية دمٍ لا تمحى. هم الكلمات الأبهى في سجل الوجود الذين لونوا أرضنا بـخضرة روضاتهم المباركة. لو أردنا أن نروي حكاياتهم لضاق بنا محيط الكلمات ولو تحولت بحار الدنيا إلى مداد وأشجارها إلى أقلام وجبالها إلى صفحات ما استطعنا أن نفي هذه الهامات الشامخة حقها من العظمة. بفضلهم نتنفس العز في صدورنا وبفضل تضحياتهم الخالدة صمدنا كالجبال الرواسي في وجه أعتى قوى البغي والظلام. هم مصدر إلهام لا ينضب ومدرسة للعبر لا تغلق أبوابها. سلام على أرواحٍ ارتفعت فكانت نجومًا تضيء الدرب!
لقد سطر التاريخ الكثير عن الأبطال لكن لشهداء اليمن في هذا العصر مقام لا يُدانيه شيء وذكر يتجاوز حدود الأساطير. وعلى رأس هذا الموكبِ المهيب يقف القادة الذين أسسوا للمجد،
هنا يقف رئيس الشهداء الرئيس صالح علي الصماد الذي حول منصبه إلى منصة للتضحية وكتب بدمه دستور العزة الوطنية.
وهناك يشرق نور القائد القرآني والعلم الرباني السيد حسين بدر الدين الحوثي صدح بالحق في زمن الصمت فكان الشرارة الأولى والنهج القويم وأعلى كلمة الله رغم سيل التحديات الجارف.
إن الحديث عن عظمتهم وعن ما جادوا به يتوقف عنده اللسان عجزاً وتخرس الأبجدية خجلاً. أي عاطفةٍ يمكن أن تصف تلك القامات؟ وأي بيانٍ يمكن أن يحيط بتضحياتهم؟ أمامهم لا نملك سوى أن ندع القلب يصرخ صمتاً لأن الكلمات تصبح ضئيلة وعاجزة أمام قممهم الشاهقة.
الشهداء ليسوا مجرد ذكرى بل هم مشكاة العطاء السرمدي والنهر الجاري الذي يروي جذور البلاد. فكيف نختار ومن نذكر؟
هل نكتب عن عظمة السيد أحمد العزي؟ أم عن شجاعة الملصي ورفاق دربه؟ أم عن بطولة طومر التي أصبحت نشيدًا؟ أم عن أسرار رجم الحجارة؟ أم عن عهد حامل أخيه ؟ أم عن بصيرة لطف القحوم؟ أم عن صمود الشهيد الغماري؟ أم عن قصة المدفون حياً؟ إنهم كثر كثر جدًا أبطال تجاوزوا الوصف وواجهوا المنية بقلوب أسود لم تعرف الخوف.
إنهم أعظم من أن تحيط بهم قصيدة أو يحصرهم يوم أو عام. الشهداء هم المهندسون الحقيقيون للمستقبل وهم القدوة المنقوشة في ضمير كل جيل. هم صناع النصر في كل عصر وحجر الزاوية الذي لا يتزحزح. لقد سقوا الأرض بدمائهم الطاهرة وكانت أجسادهم بذرةً للعز فكان الحصاد نصراً مبينًا وكرامةً لا تمس.
سلام عليكم يا أولياء الله ويا خطوط الدفاع الأخيرة عن كرامة هذا الوطن ويا قمم العظمة والخلود الأبدي.