قائدٌ صاغ معادلةَ الردع بالشهادة


بقلم: أحمد الضبيبي
في يوم التشييع المهيب، الذي تتوشّح فيه السماء بكساء الحزن والفخر، نزفّ إلى الأُمَّــة، وإلى ساحات العزّة والكرامة، الشهيد القائد اللواء الركن محمد عبدالكريم الغماري- رئيس هيئة الأركان، الذي ارتقى شهيدًا بِقصفٍ صهيونيٍّ غادر على أرض اليمن الأبية.

ليس مُجَـرّد اسم يُضاف إلى سجل الخالدين، بل هو أيقونة العزم والقائد الذي صاغَ معادلةَ الردعِ بالشهادة على طريق القدس، ليُبرهن أن الدم الزكيّ هو أصلب أنواع القوة وأشدّها فتكًا بصلف الغُزاة.

لقد كان الشهيد الغماري مهندس الانتصارات وليث الساحات، وذاك الجبل الشامخ الذي تقهقر أمامه تحالف “الحزم والعزم” وما يُسمى بـ “حارس الازدهار وقد أدرك بوعيه الثاقب أنّ الردع لا يكون إلا بالندية والتضحية، فكان صانع الردع الذي وضع موازين القوة أمام الكيان الصهيوني، جاعلًا من مطار صنعاء بمطار بن غوريون، وميناء الحديدة بميناء حيفا وأم الرشراش.

إنه القائد الذي نذر نفسه لقضية أمّته، فجعل من البحر الأحمر “خطًا أحمر” على الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، مُعلنًا سيادة الإرادَة الحرة على الجغرافيا، حيثُ إن الشهيد الغماري لم يكن مُجَـرّد قائد عسكري، بل كان سلطان المحيطات والبحار وقاهر قوى الاستكبار، الذي أعاد البوصلة إلى اتّجاهها الصحيح، مُتحديًا جبروت القوى العظمى بصلابة الموقف اليمني المبدئي.

ولم يكن الشهيد الغماري قائدًا وحسب، بل روح لامس الأحرار، بصدق نياته وإخلاص قلبه ونبل أخلاقه، حتى صار أبًا وروحًا لكل مجاهد.

إنّ رحيل القائد الغماري ليس مُجَـرّد استشهاد، بل هو تجسيدٌ ناصعٌ للموقف الإيماني والعروبي الأصيل” الذي يرفض الخنوع والمساومة وقد دُفع ثمن دمه الزكيّ كاملًا لقراره التاريخي بمساندة المقاومة في غزّة، ولإعلانه اليَمنَ خطَّ إسنادٍ أول للقضية الفلسطينية وكان الشهيد الغماري هو المُترجِمَ الفعليّ لمُعادلةِ الوَحدة في المِحن، حينما جعل من اليمن، رغم جراحه وأوجاعه، سيفًا مسلطًا في وجه الكيان الصهيوني، نُصرةً لإخوته المظلومين.

لقد استهدفه العدوّ الصهيوني الغادر؛ لأَنَّه أدرك فيه القائد الذي يُحوّل الكلمات إلى صواريخ، وَالرجل الذي يَربط الساحة اليمنية بساحة القدس برباط العقيدة والإباء وإنّ دماءه الطاهرة التي سالت، هي شاهد إدانة أزليّ على وحشية المعتدي، وَبصيرةٌ متّقدة تزيدُ شعبنا وأمّتنا يقينًا بصدق المعركة ووَحدة المصير.

نحن اليوم، وإذ نودّع جسدًا طاهرًا، فَــإنَّنا نستقبل ميلاد عهد جديد من العزيمة والتضحية ونعاهد الشهيد القائد الفريق الركن محمد عبدالكريم الغماري، وكلّ شهداء الأُمَّــة، أنّ دماءهم لن تذهب هدرًا، بل ستُصبح مَناطَ قوةٍ تُعزّز الجبهات وتُرسّخ الإصرار على مواصلة الإسناد، ولن يثنينا هذا العدوان الغاشم عن الوفاء لعهد الإباء، حتى ينكسر الغُزاة ويهنأ الأقصى.

وإنّ النصر قادمٌ لا محالة، بوحدة الساحات وتضحية القادة الأبرار.