الشعب اليمني يسبق مؤامرات الأعداء خطوات
الشعب اليمني يسبق مؤامرات الأعداء خطوات
تقرير | وديع العبسي
ليست المرة الأولى التي ينشط فيها أعداء الأمة لاستهداف أي تحرك تحرري من الهيمنة ومؤامرات الإخضاع، وسيظلون ينخرون في جسدها ما لم تتحرر من مخاوفها.
على ضوء هذه الحقيقة ستبقى المنطقة تعيش إما حالة حرب مع الأجنبي، أو صراعات في ما بين الدول، وأحيانًا في إطار الدولة الواحدة. ليبقى العالم العربي والإسلامي في حالة التهاب دائمة، وفي هذا السياق تجيء تحركات العدو الإسرائيلي و دول الهيمنة والاستكبار بنشاط ملحوظ في المنطقة، على طريق تهيئة ظروف التحول المرسوم لما يسمى الشرق الأوسط، وبما ينسجم مع طموحات الغرب الصهيوني لتمكين “إسرائيل” من رقاب الأمة، فتصير بعده الحاكم للشعوب، والمتحكم بواقعها ومستقبلها.
في ذروة الاستهداف للأصوات الحرة ومحاولة فرض هذا المخطط الاستعماري، انفجر “طوفان الأقصى”، فتبددت الكثير من العوامل المساعدة للسير بالمخطط إلى الواقع، وكان للملحمة البطولية الفلسطينية انعكاساتها على مستوى تأجيل الكثير من المشاريع، أبرزها إحباط استكمال عملية “التطبيع”، كما كان من فضائلها ظهور محور المقاومة بشكل زاد من تعميق الهُوّة التي أحدثها الطوفان الفلسطيني بين الطموحات الاستعمارية وعوامل بلوغها في واقع المنطقة، الأمر الذي رفع من إصرار أمريكا ومجموعة التابعين على تقليم هذا الواقع المستجد من كل مصادر القوة، وضخ كل الإمكانات اللازمة من أجل تحقيق هذا الهدف.
الظهور اليمني المُقلق
لا تفترض أهمية وحساسية المرحلة تنميق الكلام وتخدير الناس بأحلام وهمية، أو محاولة قلب الوقائع أو إعطائها تفسيرات بعيدة، فما خلفته عملية “طوفان الأقصى” من متغيرات كان قاسيًا على هذه القوى، وإبقاء الأمة عند الحدود التي رُسمت لها يبقى هدفاً مصيرياً فيه حياة هذه القوى، إذ يمكّنهم ذلك من استمرار فرض الهيمنة، والسيطرة، ونهب ثروات الشعوب.
الكيان الصهيوني المهزوم في همجيته والعدو الأمريكي الجريح في كبرياءه ومعهم الأذيال، بدأوا فعلًا -منذ ما قبل وصول حرب الإبادة في غزة إلى هذا المنتهى- بإخضاع حاجة استعادة الردع والهيمنة للأمة، للدراسة في سبيل الخروج برؤية تتلاءم مع طبيعة المستجدات التي برزت، وأهمها الظهور اليمني المفاجئ الذي أربك كل الحسابات، وصار يمثل خطرًا أكيدًا وغير متوقع على الوجود والمصالح الغربية الإمبريالية في المنطقة.
وفي كلمته الخميس الماضي أكد السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي أكثر من مرة على ضرورة الانتباه واستمرار حالة الاستعداد لمواجهة المخاطر التي يحيكها العدو، وجاء هذا التنبيه عالي الإدراك بطبيعة العدو، من الوعي بأن ما تكشّف للأعداء من مفاجآت خلال جولة الصراع الأخيرة أصبح يفرض عليهم إعادة ترتيب تحركاتهم، وتحديث أدوات إرهابهم للأمة، والتأثير عليها بأي وسيلة كانت، لاستعادة ذاك الحضور المطلق في الهيمنة والاستعمار غير المباشر.
إزاحة العدو “الإسرائيلي” من الصدارة
انتهاء جولة العدوان على الفلسطينيين لا يعني دخول المنطقة في حياة كلها أمن وسلام، فهذا يتناقض مع حسابات الأعداء، والأمر بالنسبة لهم -اليوم- بالغُ الأهمية، ولأن اليمن قد برز كأهم تحد لقوى الاستكبار فإن مخطط استهدافه لا يبدو غريبًا، فقد كان هدفًا دائمًا طوال العقود الماضية، حتى ركنوا إلى أنه قد بات بلا أظافر، ولا يمكن أن يكون مصدر قلق، إلا أن ظهوره بعملياته الإسنادية الاستثنائية والمؤثرة قد أصابهم بالإحباط، ولكنه في ذات الوقت صار -كما يبدو- أول هدف لمؤامرة إعادة تطويع المنطقة وإخضاعها. والسبت أكد الصحفي الصهيوني المعروف إيدي كوهين على حسابه في منصة “إكس” أن “إسرائيل” لن توقف عملياتها ضد الجبهة اليمنية حتى بعد وقف إطلاق النار في غزة.
ظهور الجبهة اليمنية بتلك الفاعلية المؤثرة لا شك بأنه قد أحدث تحولًا إستراتيجيًا ملموسًا في موازين الردع في المنطقة، بعد أن كان الكيان هو من يتصدرها منفردًا، لهذا احتلت هذه الجبهة مساحة أكبر من اهتمامات قادة السياسة والعمل العسكري لدى الصهاينة والغرب بزعامة أمريكا باعتبارها الخطر والتحدي الأبرز، وعلى إثر ذلك ظهر هذا النشاط في إعادة إحياء ما أمكن من الوكلاء في المنطقة منذ أشهر، لتكون جولة استهداف الأمة -هذه المرة- في اليمن.
ويأتي هذا التحرك كخيار للعدو لا مفر منه مع فشل عمليات العدوان التي نُفذت ضد اليمن بأطوار مختلفة ومستويات متصاعدة، شارك فيه حثالة الدول الغربية قبل أن يرتدوا جميعهم على أعقابهم خاسرين، بما فيهم رائدة الغطرسة أمريكا، إلى جانب الكيان الإسرائيلي الغارق في وحل حملته العدوانية على غزة. غير أن أمريكا، التي اعتادت أن تكون الحاسمة للمعارك، وجدت نفسها -هذه المرة- مضطرة للاستعانة بالأصدقاء بعد تعرضها لهزات عنيفة في كبرياءها وغطرستها بشهادة البحر الأحمر.
الشعب اليمني قال كلمته
حاول العدو الأمريكي -خلال أشهر ماضية من هذا العام- اعتماد أسلوب الاستفزاز والإرهاب، من خلال الإيعاز للكشف عن تحركات ضد اليمن عقب فرض عقوبات عقيمة السند والهدف، وهو ما قرأ فيه المراقبون محاولة بائسة للضغط على اليمن قبيل تنفيذ أي عدوان. ثم بدأت التحركات والاتصالات تأخذ مسارات أوضح، جعلوها في تصورهم على سقفين زمنيين: الأول سريع يهدف إلى هزيمة الجيش اليمني وتدمير قدراته، والآخر مستقبلي على مدى السنوات العشر القادمة، من خلال تكثيف العمل لاختراق الداخل اليمني، وتدجينه، واستهداف تماسكه.
حسابات واشنطن في هذا الجانب، قال الشعب اليمني كلمته فيها منذ اليوم التالي لإعلان اتفاق وقف حرب الإبادة في غزة، إذ شهدت مختلف المناطق الحرة استعراضات عسكرية شعبية لقوات التعبئة من متخرجي دورات “طوفان الأقصى”، وهي في كامل الإعداد والاستعداد، معلنة جهوزيتها لخوض مرحلة جديدة من مراحل معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، ما يشير إلى أن التحركات ومحاولات الإرهاب لم تنطلِ على الشعب اليمني، وأن تنفيذ حملة دعائية لغرض إحداث أثر سلبي كجزء من مخطط التصعيد أمر تجاوزها وعي هذه الملايين التي لم تهدأ يومًا خلال الأعوام، معلنة عدائيتها لعصابات الاستعمار، وجاهزيتها لتطهير كل الأمة من دنسها.