لم تكن ليلة الـ21 من سبتمبر 2014 حدثاً عابراً في سجلّ اليمن الحديث، بل محطة فاصلة في تاريخه السياسي والاجتماعي والعسكري، قلبت موازين المشهد رأساً على عقب، وانتقلت بالبلاد من مرحلة الوصاية الأجنبية والتفكك والانهيار إلى عهد جديد عنوانه السيادة والحرية والاستقلال.
ثورة خرج فيها الشعب اليمني ليعيد قراره المسلوب، ويستعيد أرضه وأمنه، وليؤسس لمشروع وطني تحرري أعاد الاعتبار للإنسان اليمني، وصنع واقعاً جديداً يتجسد اليوم في الانتصارات العسكرية، والإنجازات الأمنية، والتوجه التنموي المقاوم.
اليمن قبل الثورة.. بلد تحت الوصاية والفوضى
قبل بزوغ فجر ثورة 21 سبتمبر، كان اليمن بلداً مرتهناً بقراراته وسيادته للقوى الخارجية، وتحت رحمة سفراء ما سُمّي بالدول العشر، وعلى رأسهم الأمريكي والسعودي والبريطاني.. المبادرة الخليجية شلّت العمل بالدستور، وأدخلت اليمن في نفق البند السابع، حتى غدت السفارات الأجنبية هي الحاكم الفعلي للبلاد، ترسم مسار الجيش وتفرض تقسيم الأقاليم وتضع الدساتير بما يخدم مصالحها.
إلى جانب ذلك، كان الاقتصاد في حالة انهيار شامل، إذ أعلنت الدولة عجزها عن دفع الرواتب رغم تدفق النفط والغاز وعوائد الموانئ والجمارك، وكلها كانت تنهبها شبكات الفساد المحلية والشركات الأجنبية.
أما الوضع الأمني، فقد بلغ ذروة الانفلات مع تمدد الجماعات التكفيرية في البيضاء وأبين وحضرموت وشبوة، ونفذّت الاغتيالات في قلب صنعاء ضد قيادات عسكرية وسياسية وأمنية، حتى تحولت العاصمة إلى مسرح للتفجيرات الدموية.
ثورة شعب وقيادة حكيمة
من رحم هذا الانهيار انطلقت ثورة 21 سبتمبر، بقيادة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، الذي استطاع بقراءته الواعية وحكمته القرآنية أن يوجه الحشود الشعبية في اللحظة المناسبة، ويرسم أهدافاً واضحة للثورة تقوم على إنهاء الوصاية واستعادة القرار الوطني.. فخرجت الملايين لتعلن رفضها للهيمنة الأجنبية، ولتكتب بدمائها وصمودها عهد الحرية والسيادة، معلنة أن يمن ما بعد 21 سبتمبر ليس كما قبله.
مشروع تحرري ونهضوي
لم تتوقف الثورة عند إسقاط الوصاية، بل أسست لمشروع وطني شامل:
- اتفاق السلم والشراكة الذي جمع كل المكونات السياسية تحت سقف واحد.
- مواجهة الجماعات التكفيرية واجتثاثها من معاقلها، كما في معارك البيضاء وقيفة.
- إعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية إيمانية، بعيداً عن التبعية للخارج.
لقد تحولت الثورة إلى مشروع تحولي أعاد رسم مسار التاريخ اليمني، مؤكداً أن اليمن لا يمكن أن يكون ساحة نفوذ للأجنبي أو مرتعاً للإرهاب.
صناعة القوة.. من الانهيار إلى الردع الاستراتيجي
أعظم ما حققته الثورة يتجسد اليوم في القدرات العسكرية اليمنية.. فمن جيش مفكك وعاجز، غدا اليمن يمتلك صواريخ باليستية بمختلف المديات، وصواريخ فرط صوتية، وطيراناً مسيّراً يضرب العمق الصهيوني ويكسر الهيمنة الأمريكية. كما بُنيت قوات بحرية تسيطر على الممرات الاستراتيجية، ودفاعات جوية أسقطت أحدث الطائرات الأمريكية مثل الـMQ9.
هذه الصناعات العسكرية، التي ما كان أحد ليتخيلها قبل 2014، جعلت اليمن قوة إقليمية يحسب لها العدو ألف حساب، وأكدت أن بناء الجيش الوطني الحقيقي لم يتحقق إلا ببركة ثورة 21 سبتمبر.
نجاحات أمنية وإفشال المؤامرات
الثورة دشّنت أيضاً عصراً جديداً في المجال الأمني، حيث تمكّنت الأجهزة الوطنية من تفكيك خلايا التجسس المرتبطة بأمريكا و”إسرائيل”، وإحباط المخططات الهادفة لتفكيك المجتمع وإغراقه في الانحلال.
كما انخفض معدل الجريمة بشكل لافت، وارتفعت اليقظة الأمنية، لتصبح الأجهزة الأمنية رديفاً حقيقياً للمؤسسة العسكرية في مواجهة العدوان.
وعي شعبي وصمود أسطوري
التحديات والعدوان الغاشم منذ مارس 2015 لم تكسر إرادة الشعب، بل زادته وعياً وتمسكاً بمشروع الثورة.. فتقاطر اليمنيون إلى الجبهات، وقدموا قوافل الشهداء دفاعاً عن الأرض والعرض، وبدأوا معركة البناء والاكتفاء الذاتي عبر إحياء الزراعة، خاصة القمح والحبوب، وإطلاق المبادرات التنموية في الصحة والتعليم والطرقات.
إعادة الاعتبار لليمن وثوراته
ثورة 21 سبتمبر جاءت لتعيد الأهداف الستة لثورة 26 سبتمبر إلى مسارها الصحيح، بعد أن أفرغتها الأنظمة العميلة من مضمونها.
فخلال أحد عشر عاماً فقط، أنجزت ثورة 21 سبتمبر ما عجزت عنه العقود الماضية؛ فقد أعادت الاعتبار لليمن وسيادته، وبنت جيشاً وطنياً قوياً يحمي الأرض والقرار، وأرست دعائم الحرية والاستقلال. كما جعلت من تبني قضايا الأمة وإسناد الشعوب المظلومة نهجاً ثابتاً، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فكانت نصيراً لكل المستضعفين في مواجهة قوى الاستكبار والهيمنة.
اليمن قوة للأمة.. فلسطين شاهدة
بركة ثورة 21 سبتمبر تجاوزت حدود اليمن، إذ جعلت من صنعاء عاصمة حرة تقف بصدق مع قضايا الأمة، وعلى رأسها فلسطين.. فاليمنيون اليوم يشاركون في معركة “طوفان الأقصى”، يقطعون شرايين الاقتصاد الصهيوني عبر عملياتهم البحرية، ويستهدفون عمق الكيان وصولاً إلى إيلات ويافا، لتثبت الثورة أنها مشروع تحرر للأمة كلها لا لليمن وحده.
ثورة باقية ما بقي الليل والنهار
أحد عشر عاماً من التحديات والمؤامرات والعدوان أثبتت أن ثورة 21 سبتمبر ليست حدثاً عابراً، بل مساراً تاريخياً مؤسساً لبناء اليمن الحر والقوي، وأنها الثورة الحقيقية التي أعادت الاعتبار للشعب اليمني ولثوراته السابقة.
إنها ثورة الاستقلال والسيادة، ثورة الحرية والكرامة، ثورة ستبقى جذوتها متقدة ما بقي الليل والنهار، لأنها ثورة إيمانية وشعبية في مواجهة الطغيان والاستعمار.