عظمة الرسول ورحمته وإحسانه: أبعاد شخصية النبي التي أثارت إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء

تتناول هذه الدراسة أبعاد شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مركزة على عظمته، رحمته، وإحسانه، وكيف أن هذه الصفات أثارت إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء، سيتم استعراض هذه الأبعاد من خلال تحليل المصادر التاريخية وشهادات غير المسلمين، بهدف تقديم صورة شاملة ومتكاملة عن شخصية الرسول الأعظم.

الفصل الأول: عظمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم

1.1 عظمة الخلق والصفات

كان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتمتع بخلق عظيم وصفات فريدة، شهد بها القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4). هذه العظمة لم تكن مقتصرة على الجانب الروحي فحسب، بل شملت كمال الخلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل، وصحة الفهم، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس والأعضاء، والأخلاق العلية والآداب الشرعية من الدين، والعلم، والحلم، والصبر، والزهد، والشكر، والعدل، والتواضع، والعفو، والعفة، والجود، والشجاعة، والحياء، والمروءة، والسكينة، والتؤدة، والوقار، والهيبة، والرحمة، وحسن المعاشرة. هذه الصفات المتكاملة جعلت منه قدوة حسنة وأسوة عظيمة للبشرية جمعاء.

1.2 عظمة الرسالة والتأثير

أرسل الله النبي محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خاتمًا للأنبياء والمرسلين، رحمة للعالمين، ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، كانت رسالته عالمية وشاملة، لم تقتصر على قوم أو زمان معين، بل جاءت بالدين الخاتم الذي يسعد جميع البشر.

لقد استطاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بنصر الله له وبصدق عزيمته وإخلاصه في دعوته، أن يقف أمام الجميع ليدحض الباطل ويُظهر الحق، حتى يحق الله الحق بكلماته ولو كره الكافرون، تأثيره لم يقتصر على عصره، بل امتد ليشمل الأجيال المتعاقبة، فكان له الأثر الأكبر في تغيير مسار التاريخ البشري نحو الخير والصلاح.

الفصل الثاني: رحمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم

كانت الرحمة من أبرز صفات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وصفه الله تعالى بأنه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء: 107). تجلت رحمته في جميع جوانب حياته، ومع جميع من حوله، مسلمين وغير مسلمين، وحتى مع الكائنات الأخرى.

2.1 رحمته بالمسلمين

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد الناس رحمة بأمته، حريصًا عليهم، رؤوفًا بهم، من مظاهر رحمته بالمسلمين: تخفيف التكاليف الشرعية عليهم، ومراعاة أحوالهم وظروفهم، فكان يرخص لهم في الفطر في السفر شفقة ورفقًا بهم، كما كان يدعو لهم ويستغفر لهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم. كان يتعامل معهم بلين ورفق، ويصبر على أخطائهم، ويعلمهم برفق وحكمة، ويحثهم على التراحم فيما بينهم.

2.2 رحمته بغير المسلمين

لم تقتصر رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين فحسب، بل شملت غير المسلمين أيضًا، كان يدعوهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتحمل أذاهم، ويصفح عنهم، من أمثلة رحمته بهم: تعامله مع أهل الطائف الذين آذوه، ودعاؤه لهم بالهداية بدلًا من الدعاء عليهم، كما كان يعامل الأسرى بلطف وإنسانية، ويحث أصحابه على ذلك، وقد شهد له بذلك الكثير من غير المسلمين، كما ذكرنا في الفصل السابق، حيث أقروا بعدله ورحمته حتى مع أعدائه.

2.3 رحمته بالكون والمخلوقات

امتدت رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتشمل الكون بأسره، من حيوانات ونباتات وجمادات، فقد نهى عن تعذيب الحيوانات، وأمر بالإحسان إليها، ونهى عن قطع الأشجار لغير حاجة، كان يوصي بالرفق بالبهائم، ويذكر أن في كل كبد رطبة أجرًا، هذه الرحمة الشاملة تؤكد عالمية رسالته، وأنه جاء رحمة للعالمين، وليس فقط للبشر، بل لكل ما خلقه الله في هذا الكون.

الفصل الثالث: إحسان النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم

الإحسان هو قمة الفضائل، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. وقد تجلى الإحسان في شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كل أقواله وأفعاله، وفي تعاملاته مع الناس ودعوته لهم.

3.1 إحسانه في التعاملات

كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مضرب المثل في الإحسان في تعاملاته مع جميع الناس. كان يعامل أهله وجيرانه وأصحابه بكل لطف ومودة، ويقدم لهم العون والمساعدة، كان صادقًا في وعوده، أمينًا في عهوده، لا يغدر ولا يخون. كان يحترم الكبير ويرحم الصغير، ويوقر العلماء، ويحسن إلى الضعفاء والمساكين، كان عفيفًا جوادًا شجاعًا، لا يخشى في الحق لومة لائم. وقد شهد له بذلك أعداؤه قبل أصدقائه، فقد كانوا يلقبونه بالصادق الأمين قبل بعثته، واستمروا يشهدون له بذلك حتى بعد عداوتهم له.

3.2 إحسانه في الدعوة

كان إحسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته إلى الله واضحًا وجليًا. فقد دعا إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يلجأ إلى القوة إلا للدفاع عن النفس أو لرفع الظلم. كان صبورًا على الأذى الذي يلحق به من قومه، وكان يدعو لهم بالهداية بدلًا من الدعاء عليهم، كان يحرص على هداية الناس، ويبذل قصارى جهده في سبيل ذلك، حتى وصفه الله تعالى بقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف: 6).

هذا الإحسان في الدعوة كان سببًا في دخول الكثير من الناس في الإسلام، ليس فقط من خلال قوة الحجة، بل من خلال جمال الخلق وسمو التعامل.

الفصل الرابع: شهادات غير المسلمين عن شخصية النبي

لم تقتصر الشهادة بعظمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم على أتباعه من المسلمين، بل امتدت لتشمل العديد من حكماء ومفكري العالم من غير المسلمين، الذين أقروا بفضله وعظمته وتأثيره الإيجابي على البشرية، حتى مع اختلافهم معه في الدين. هذه الشهادات تعد دليلًا قاطعًا على سمو شخصيته وعالمية رسالته.

4.1 شهادات حكماء العرب

منذ ظهور دعوته صلى الله عليه وآله وسلم، وبرغم عِداء كثير من المحيط حولها، كانت هناك شهادات منصفة من حكماء العرب تجاه الداعي الذي لم يقدر لهم الالتحاق بدعوته. من أبرز هؤلاء:

أكثم بن صيفي: كان لا يقدَّم عليه أحد في الحكمة، وقد أرسل رجلين ليسألا النبي محمدًا عن نفسه وما جاء به، فلما سمع أكثم قول النبي “أنَا محَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، وأَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ” وتلا عليه آية ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)﴾ (النحل)، قال: “أراه يأمر بمكارمِ الأخلاق، وينهى عن ملائِمها، فكونوا في الأمر رءوسًا، ولا تكونوا أذنابًا، وكونوا فيه أولاً، ولا تكونوا آخرًا.”

الطفيل بن عمرو الدوسي: كان شاعرًا وسيدًا في قومه، وقد حذره أهل مكة من النبي محمد، لكنه قرر أن يستمع إليه، فأسلم بعد أن سمع كلامه، ثم عاد إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام.

4.2 شهادات مفكري الغرب

منذ قرون طويلة والعلماء والمفكِّرون والمنصفون في الغرب يركِّزون على شخصيةِ الرسول، ويحاولون تلمُّس نواحي العظمة فيها والتعرف على مظاهرِ القوةِ التي حباه الله سبحانه وتعالى. وها هم مفكرو الغرب يشهدون شهادةَ حقٍّ للتاريخ الإنساني:

مهاتما غاندي: يقول في جريدة “ينج إنديا” عن صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “أردت أن أعرف صفاتِ الرجل الذي يملك- بدون نزاع- قلوبَ ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعًا كلَّ الاقتناع أن السيفَ لم يكن الوسيلةَ التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانتَه، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته.. هذه الصفاتُ هي التي مهَّدت الطريق، وتخطَّت المصاعبَ وليس السيف.”

راما كريشنا راو: يقول في كتاب (محمد النبي): “في شخص رسول الإسلام رأى العالمُ أندَرَ ظاهرةٍ على وجه الأرض متمثلةً في إنسان من لحم ودم”، ويضيف: “لا يمكن معرفةُ شخصيةِ محمدٍ بكل جوانبها، ولكن كل ما في استطاعتي أن أقدِّمَه هو نبذةٌ عن حياتِه من صور متتابعة جميلة، فهناك محمد النبي- ومحمد المحارب- ومحمد رجل الأعمال- ومحمد رجل السياسة- ومحمد الخطيب- ومحمد المصلح- ومحمد ملاذ اليتامى- وحامي العبيد- ومحمد محرر النساء- ومحمد القاضي- كل هذه الأدوار الرائعة في كل دروب الحياة الإنسانية تؤهِّله لأن يكون بطلاً.”

برناردشو: يقول في مؤلف له أسماه (محمد): “إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائمًا موضعَ الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، وهو خالدٌ خلودَ الأبد.”

ليونارد: قال: “إن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم أعظم البشرية قاطبة، وأصدق إنسان وجد على وجه الأرض منذ بدء الخليقة”.

لامارتين: الكاتب الفرنسي والمؤرخ المنصف قال: “وإذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية، فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل”.

ألفرد مارتين: في كتابه “أكبر زعماء الديـن في الشرق” يقول: “والحقّ أنّ محمداً بما قام به من الإصلاحات والتشريعات، وما نشَره من المدنية الإسلامية والحضارة الرائعة والنظم الاجتماعية، قد أدّى أكبر خدمة إنسانية للعالم كله لا لجزيرة العرب وحدها”.

الخاتمة

تؤكد هذه الدراسة أن عظمة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ورحمته، وإحسانه، لم تكن مجرد صفات شخصية، بل كانت أبعادًا متكاملة لشخصية قيادية فذة، أثرت في البشرية جمعاء. لقد كانت هذه الصفات سببًا في إعجاب الأعداء قبل الأصدقاء، ودليلًا على صدق نبوته وعالمية رسالته. إن شخصية النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تبقى نموذجًا يحتذى به في الأخلاق والقيادة والتعامل الإنساني، ومصدر إلهام لكل من يسعى إلى الخير والصلاح في العالم.